إختلط الحابل بالنابل في هذا الزمان الهستيري من إرهاصات الوتيرة المتسارعة للأحداث بشكل جنوني، ليفرز تنوعاً فسيفسائياً في نفسية المواطن العربي بعد ان كثُر المنظرون، المحاورون الإستراتيجيون كل يناقش حسب ميوله ومعتقداته، أوربما بما يُملى عليه، وها نحن نترواح بين شدّ وجذب، فبين هؤلاء القوم منهم من يستفزنا ويستنفذ أعصابنا ومنهم من يأسرنا بموضوعيته وقوة منطقه أخذاً بألبابنا، وفي غمرة هذه المماحكات الفكرية والتضارب بين الأراء أرّقنا سؤال هل نحن مهزومون أم منصورون؟ ويرتدّ السؤال أنيناً موجعاً في أعماقنا عاكساً الحيرة المشوبة بالمرارة علي شفاهنا ونتمتم بالمثل الشائع (وما يهم الشاة سلخها بعد ذبحها)، وأعيانا البحث عن جهينة ( 1 )
لنجد عندها الخبر اليقين، لكن هيهات أنهكنا البحث، وبعد ان ظننا أنها اندثرت داثرة معها الكثير من خصال نشامى العرب، لنعود ونكتشف بعد تمحيص وتفكّر انها امتدت وجدانياً في فلسطين وتكاثرت نخوةً وشهامةً، أورقت وأينعت عزةً وكرامةً، حينها جُنّ جنون قضاة موتورون مشحونون بالحقد والعنصرية ضد من يطلقون عليهم إسم الأغيار أو الغوييم ( 2 ) ،لذا حكمت محكمة الزيف الصهيونية على ضرورة وضع العدالة على موازين أكثر صرامة، قانونها الأول يُجرّم حب الوطن إذا رجحَ في كفة الميزان بدقة وأمانة فيحرم التاجر اللص المرابي من الربح زيادة فوق زيادة، والفعل الذي يعتبرونه أكثر شناعة أن يُسّبح المرء بحب وطنه ليلاً ونهاراً فيسيجه بجسده خوفاً عليه من مزيد الإستباحة، وأما تقبيل الأرض والإلتصاق بها برغبة شرعية عفيفة المبتغى فحسب تصنيفهم فجور وإرهاب لأنه خدش للحياء العام وإيذاء لمشاعر أبناء، احفاد، وعموم ذرية بيغن، شارون، نتنياهو، بن غفير، وسموتريتش وغيرهم من عتاة الصهاينة الذين عاثوا في فلسطين فساداً دماراً وقتلاً ، وبعد أن عجزوا عن اجتثاث الفلسطيني من جذوره حكمت محكمتهم على ضرورة حجب الوطن عن مريديه ومحبيه بجدار وإقامة العديد من الحواجز وبناء المزيد من المستوطنات (المغتصبات) وهذا أقوى برهان أن فلسطين ليست لهؤلاء الغزاة الدخلاء، وأكثر ما أرعبهم إكتشاف الفلسطيني للغزٍ منذ زمن بعيد ألا وهو ن أأن الوطن لا يُشفى من فيروسات حمّى الإحتلال القاتلة الفتاكة إلا إذا ارتفعت درجة حرارة أبنائه عشقاً وشوقاً متجددا إليه، وعندئذٍ يغدو الوطن محصناً من الوباء مدافعاً عن نفسه متسائلاً: أيها القضاة المسعورون هل تستطيعون تجريد الليل من ظلمته والنهار من نوره؟ هل تتمكنون من فصل العاصفة عن ريحها والبركان عن فوهته؟ هل تقدرون على انتزاع الينبوع من منبعه والبرق عن رعده والمطر عن قطراته، والبحر عن أمواجه؟ هل تستطيعون فصل القلب عن نبضاته؟ كذلك محال ان تفصلوا الفلسطيني عن وطنه بجدار ومستوطنات، والسر بسيط لا يحتاج إلى فك شيفرته، ألا وهو أن أصحاب الأرض الشرعيين شكّلوا بأثير أرواحهم جداراً واقياً لبلدهم يصل طوله إلى سابع سماء فلا يجرؤ أن يرتقي إليه إلا من طهر قدميه على مذبح الفداء والشهادة، وأقدام شيوخنا وشبابنا التي تمرّست صلابةً من حرث التراب بالخيرات جيئةً وذهاباً يقفزون بقوة أنفاسهم التي تشبّعت بهوى فلسطين من فوق أعلى ناطحات سحاب، والنتيجة الحتمية أن يتحطّم جدار ومستوطنات المحتلين بمعول السخرية من غباء البناة وتقذفهم الحجارة بوابل من اللعنات. هذا الكيان المصطنع لابد سيتفكك ويتحلل من داخله وسيؤول أمره إلى الإنهيار ولو طال الزمان.
يا أهلنا فى غزة المحتسبة، المكابرة الصامدة، وفي الضفة الغربية الآبية كم من السنوات، الشهور الأيام مضت على مآسيكم؟ فكل سنوات العمر لا تكفي أن تنسينا، وحدهم المرابطون هناك تجرعوا المحن والنكبات وحدهم يعرفون كل التفاصيل اليومية الحافلة بالحكايات المرّوعة، أما نحن الذين نراقبهم من على الشاشات لنا أن نعرف بأن القتلة استطاعوا أن يخدرونا بالألم فمتى وكيف نصحو منه بعد أن شربوا كأس موتكم حتى الثمالة، لكن صبرا آل غزة فإن موعدكم الجنة وهذا ليس تجاوزا للرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) بل تأكيداً لما بشّر به الصابرين من أمته وأولهم آل ياسر،
وتجاوزاً لليأس يلح على الذاكرة لذكره النموذج الياباني وهم الذين تعرضوا لأفظع مجزرة ذرية في القرن العشرين كانت كفيلة أن تجعل منهم أكثر شعب مرشّح للإحباط والإنهيار، وأدرك الإمبراطور الياباني حينذاك حجم الكارثة التي خلفت الآلاف من الضحايا الأبرياء وكذلك الكثير من الندوب والجروح النفسية، فوقف بكل ثبات مخاطباً الحشود المفجوعة قائلاً “احشدوا ووحدوا جهودكم لبناء مستقبل جديد لليابان” ثم نزل عن المنصة لتكون مناشدتة أقصر خطاب في التاريخ، واستجاب اليابانيون لنداء إمبراطورهم ليصبحوا كالمارد الناهض من قمقمه، وغدت اليابان بعد سنوات قليلة من عمر التاريخ عملاقاً اقتصادياً تكنولوجياً رغم انها تقزّمت واضّمحلت عسكرياً، لكنها أوقعت الرهبة المقرونة بالإعجاب والإحترام بين شعوب الأرض، إذاً ليس من المستحيل أن تنهض غزة من تحت ملايين الأطنان من الركام وتدّب الحياة فيها من جديد.
يا أهل غزة القابضين على الجمر العاضين بنواجذكم على آلامكم بكبرياء وأنتم ترددون عقب كل مصيبة تلمّ بكم أكثر دعاء سمعناه منكم (حسبنا الله ونعم الوكيل) وربّ الكعبة لن يذهب سدى إحتسابكم لمصيبتكم أجراً عند الله، إن الكلمات التي نكتبها عنكم ولكم تبدو مكفهرةً شاحبةً وهزيلةً لا تساوي مثقال ذرة أمام معاناتكم والمسغبة (الجوع مع شدة التعب) التي تكابدونها والمجازر التي يرتكبها الصهاينه المُبيرين (المُبِير هو الشخص الذي يسفك الدماء بوحشية). لقد تمكّنتم بصمودكم الذي تخطى حدود الخيال تغيير الكثير من المفاهيم وآراء الناس في مختلف أرجاء المعمورة بما يخص القضية الفلسطينية بما فيهم اليهود وأذكر الذي قاله بريطاني يهودي طاعن في السن اتى من أحد المدن البعيده إلى لندن للمشاركة في المظاهرات الحاشدة نصرة لشعب فلسطين قال هذا الرجل العجوز رداً على سؤال أحد الصحفيين “إن مايرتكبه الجيش الاسرائيلي من إبادة جماعية في غزة هو أكبر وأقسى إهانة لليهود الناجين من المحرقة النازية وأنا واحد منهم”… نعم حق القول أن أهلنا في غزة تحت وطأة (المفرمة الصهيونية) للحوم البشرية، هنا من الضروري التوقف للحديث عن بعض الأشخاص من العرب والطامة أن بينهم فئة قليلة من الفلسطينين يلدغونَ بألسنتهم السّامة فصائل المقاومة حتى أن آرائهم المخزية تتوافق وتتطابق تماماً مع آراء الصهاينة بل وأكثر غلواً هذا عوضاً أن يركزوا ويصّبوا جام غضبهم وسخطهم على الجيش الذي يُسمي نفسة جيش الدفاع مع أنه في واقع الأمر جيش الهجوم والعدوان الغاشم الإسرائيلي ووصل بهؤلاء المنتقدين الصلف والعنجهية وعمى البصيرة السياسية أن يُحمّلوا المقاومة الباسلة مسؤولية ما يجري في غزة من مجازر ودمار وكأنهم يبررون العدوان الإسرائيلي الهمجي الذي لم يسبق له مثيل، لا ليس من حق هؤلاء المرجفين أن يُسيؤوا للمقاومة الباسلة بهذا الشكل الذي بلغ اقصى حدود الوقاحة خاصة في هذه الظروف المأساوية والإشتباكات مع العدو على أشدّها والشهداء والجرحى بالآلاف، ثم أليس هؤلاء المدافعين عن الشرف والكرامة هم من أبناء غزة الأصلاء؟! ولهم عوائل وأسر وأقارب فى كافة أرجاء غزة وصولاً إلى الضفة الغربية، ألم يسمع هؤلاء المنتقدين ما قاله البرتغالي انطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة “إن عملية السابع من أكتوبر التي قام بها الفلسطينيون لم تأتي من فراغ” بالطبع يقصد أنها نتيجه التراكمات على مدى سنوات طويلة من قهر وتنكيل الإحتلال للشعب الفلسطيني.
أيها المهرطقون كفوا عنا أذاكم وتوقفوا عن تصريحاتكم وتراجعوا عنها لأنها فضيحة بحقكم أنتم تمنحون صك البراءة لحكومة الكيان الغاصب على جرائمه، إن مواقفكم المعيبه لاتصب فى مصلحة الوحدة الوطنية بل تعزز الإنقسام وفيها إستهتار بدماء الشهداء واعلموا أن الشعب الفلسطيني والأمة العربية بسوادها الأعظم يصطفون إلى جانب المقاومة ويباركونها ولن يغفر لكم، إن كلماتكم بمثابة الثمار الفاسدة التي ينطبق عليها قول المسيح عليه السلام “من ثمارهم تعرفونهم إنك لاتجني من الشوك عنباً” وكذلك تواضعوا قليلاً وتمعّنوا في حديث نبينا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) “وهل يكب الناس على وجوههم في جهنم إلا حصائد السنتهم”.
إن الشعور بالغبن والرغبة فى مقاومة الظلم هي غريزة وفطرة إنسانية غير مرتبطة بجنس، عرق أو دين، فعلى سبيل المثال لو كان الثائر الأممي تشي جيفارا لايزال حياً لحمل بندقيته بلا تردد مقاتلاً إلى جانب الفصائل الفلسطينية غير مكترث بميولهم الفكرية التي بعضها لا تتناغم مع ميوله الماركسية اللينينية ولكنه بالتأكيد يتناغم ويتلاقى معهم بالمبادئ والقيم الاخلاقية التي تشكل القاسم المشترك بين أمم الأرض، ولابد من ذكر بعض المقتطفات من أقوال جيفارا “اينما يوجد الظلم فذاك هو موطني، لن أحترم العالم طالما يوجد طفل منكسر العينين” كذلك قوله “الذى باع بلاده وخان وطنه مثل الذي يسرق من بيت أبيه ليطعم اللصوص فلا أبوه يسامحه ولا اللص يكافئه”.
يابني العرب إن الأمبريالية العالمية تحتاج منا لمقاومتها إستراتيجية موحدة، أوليست الصهيونية جزءً لايتجزأ منها بل هي بؤرتها أم ما زال البعض منا يساوره الشك في ذلك؟ يالعجب العجاب!
أقول للخانعين المستسلمين لن تستطيعوا مهما فعلتم ودبّرتم من مكائد نزع روح الشجاعة والتضحية من الفدائيين، لا يمكنكم تجريد البطولة والبسالة عن كنهها والنخوة والمروءة عن فطرتها والعدالة عن نزاهتها.
تحية إجلال إكبار واعتزاز لرجال المقاومة الأشاوس في جبهات المساندة (سوريا ، لبنان ، اليمن ، العراق) أنتم الأَعلَون بإذن الله ، وطالما بقي الإحتلال ستبقى مقاومتكم مع إخوانكم في فلسطين مخرزاً في عينيه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يانساء غزة العفيفات الطاهرات اللواتي اصبح عند معظمكن لباساً موحداً (أقصد ملابس الصلاة) حرصاً منكن إذا إختاركم الله شهيدات أن ترحلن عن هذه الدنيا مستورات، ولأولادكم الذين رحلوا باكراً عن هذه الدنيا نرجو من الله السميع المجيب أن ينالوا النصيب الأوفر من الآية القرآنية الكريمة التي وردت في سورة الإنسان “ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤاً منثوراً” (آية 19) “وإذا رأيت ثم رأيت نعيماً وملكاً كبيراً”
( آيه 20) صدق الله العظيم .