موقع المغرب العربي الإخباري :
على رغم تعتيم الاحتلال الكامل، أظهرت مصادر موثوقة للميادين أن عملية يوم الأربعين نجحت بما لا يدع مجالاً للشك في فرض وقائع جديدة ومعادلات جديدة على الواقع العملياتي الميداني بعد الاعتداءات الصهيونية التي طالت الضاحية الجنوبية لبيروت وكذلك طهران وما تلى ذلك من اغتيال للقائد العسكري فؤاد شكر في ضاحية بيروت الجنوبية والقائد السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في تهران الشهر الماضي. فبعد طوقٍ أمني مشدّد استمر لساعاتٍ عدّة وبعد منع دخول شمل المدنيين والعسكريين على حدٍ سواء إلى قاعدة “غليلوت” ومحيطها وحتى محيط عدّة كيلومترات وبعد تكتّم اعلامي شديد حول الحادثة ظهرت بعض التسريبات الاعلامية التي تشير إلى حجم الضربة الكبير والهدف الأمني الأكبر.
وقد انطلق يوم الأحد الماضي وتحديداً بعد صلاة الفجر الرد الذي طال انتظاره على عملية اغتيال فؤاد شكر القائد الأول في حزب الله في منطقة حارة حريك في قلب ضاحية بيروت الجنوبية. وبعد انتظار طال مدة ثمانية وعشرين يوماً وبعد استنفار وترقّب سياسي وعسكري ميداني كبير شلّ الكيان الغاصب لفلسطين مدةً من الزمن وبشكلٍ غير مسبوق، أتت هذه العملية الانتقامية للقائد الشهيد شكر لتؤكد على ثوابت عديدة رسمتها المقاومة في هذه المواجهة الدامية التي طال أمدها ولتعيد فيها التأكيد أنّ كل عدوان يجب أن يقابله ردّ بمثله. أتت هذه العملية والتي سُمِّيت ب” عملية الأربعين” تيّمناً بذكرى أربعين الإمام الثالث للشيعة الإمامية الإثني عشرية الإمام الحسين عليه السلام في صبيحة يوم الأربعين في رسالة مزدوجة عسكرية أمنية وعقائدية معنوية لتؤكد على ثوابت ثلاث وربما أربع لدى قيادة المقاومة في لبنان ألا وهي :
ـ أولاً، أن المقاومة الإسلامية في لبنان دأبت على التدرّج في عملها المقاوم منذ الثامن من أكتوبر 2024 أي بعد يومٍ واحد على بدء عملية طوفان الأقصى وذلك بحسب الظروف العسكرية الموضوعية والميدانية التي كانت تراها قيادة المقاومة مناسبة مذّاك الحين وإلى الآن. ففي الوقت الذي تعجّب الكثير من الناس من أتباع المقاومة ومؤيديها من الطريقة التي بدأت فيها المقاومة عملياتها التي سمّتها في حينه بعملية الإسناد أو جبهة الإسناد بل لقد شكّك وغضب الكثيرون من هؤلاء من طريقة عمل المقاومة آنذاك في وقت كانت دموية الكيان ومجازره بحق الأبرياء في غزة في ذروتها تبيّن فيما بعد أن عملية الإسناد هذه تحوّلت وبعد وقتٍ قصير جداً على بدئها إلى جبهة عسكرية وميدانية قوية وضاغطة بحيث أدّت الى قلب كل الموازين والقوى وذلك باعتراف العدو نفسه الذي لم يتوقف صراخه بعد والعويل منذ أشهر عدة وما زال إلى الآن. ولقد أدّت جبهة الإسناد هذه دورها الفاعل في إشغال العدو على الجبهة الشمالية وليس ذلك فقط بل لقد تسبّبت في تشريد وتهجير غالبية المستوطنين من سكّّان المستوطنات الشمالية بحيث أصبحت المنطقة الشمالية لفلسطين أشبه بالمناطق المهجورة الخاوية نتيجة ضربات المقاومة اللبنانية البالغة التأثير ما أدّى إلى تحركات صهيونية مستمرة وضاغطة على حكومة نتنياهو بعد أن ضاق ذرع سكان هذه المنطقة بأداء حكومتهم حتى باتوا يصدرون بيانات انفصالية اعتراضية في سابقة خطيرة . وتظهر درجة الغضب الكبيرة لدى هؤلاء في بيانات رؤساء بلديات المستوطنات الشمالية وفي بيانات السياسيين المعارضين لنتنياهو وخصوصاً المتطرفين منهم ولا ننسى الزيارات المتكرّرة لنتنياهو وبن غفير لشمال فلسطين في محاولة لطمأنة من بقي فيها ولإظهار أن المسؤولين في حكومة نتنياهو يعملون ما بوسعهم لإعادة ما يقارب مئة ألف مستوطن هُجّروا نتيجة ضربات المقاومة الإسلامية اللبنانية وهذا شيء لم يشهده أبداً هذا الكيان الغاصب منذ تأسيسه في العام1948 ! ومن المهم دائماً التذكير بتاريخ نشأة هذا الكيان حين احتل هؤلاء المستوطنون أرض فلسطين وسكنوا في بيوت الفلسطينيين الذين هُجّروا إلى البلدان المجاورة كلبنان وسورية والأردن وغيرها. فهذه التجربة الجديدة التي تمثّلت في تهجير المستوطنين الصهاينة جديدة وغير مسبوقة بالكامل لهذا الكيان الذي قام فعلاً على نظرية الاحتلال وغصب أراضي الغير والاستيطان فيها وفرض سيطرته عليها فأن يُضطر هؤلاء المستوطنون لإخلاء المنطقة والسكن في مناطق أخرى قريبة أو بعيدة فهذا شيء معاكس للنظرية الصهيونية الاستيطانية التي قام عليها هذا الكيان والتي بُنيت عليها هذه الدولة الصهيونية المارقة! وهذه المقاومة نفسها التي وقف العالم كلّه اليوم وليس فقط الكيان المحتل الغاصب وقف لمدة شهر تقريباً لينتظر ويطيل الانتظار بالدقائق والساعات الطوال انتظاراً لردّها وما سوف تفعل. وعلى وقع تكتيكات المقاومة وقف الكيان المحتل مشلولاً بالفعل ولأول مرة في تاريخه ينتظر ردّاً انتقامياً لا فكرة لديه عن طبيعته وكيفيته ووقته ومكانه وزمانه بل وقف مشلولاً لا فكرة لديه مع تفوقه الاستخباراتي وتعاون الكثيرين معه من دول غربية وعربية للأسف منتظراً حذراً مترقّباً لا فكرة لديه من الأصل كيف سيتم ردّ المقاومة ومن سيقوم به وهل سيتم من جهة واحدة أو سيكون متعدّد الاتجاهات كما دأبت كثير من الصحف الغربية في محاولة مستميتة لتحليل هذا الردّ وتمحيصه ومحاولة توقّع كيف سيكون على مدى شهر كامل.
ـ ثانياً، أن المقاومة الإسلامية اللبنانية أكدّت بما لا يقبل الشك أنها سوف تدافع عن بلدها بكل الوسائل المتاحة لها وأنها لا ولن تهاب أحداً دولاً أو شخصيات وأفراداً مهما هوّل وهدّد هؤلاء ومن يرسلون من السفراء والمبعوثين وأن القرار فقط وفقط بيدها و يعود لها وحدها في تحديد كيف ومتى وأين سيكون الردّ وهل سيكون هناك رد من الأساس أم لا وكيف ستكون طريقة الردّ وأهداف هذا الرد وإلى آخره من تفاصيل دائماً ما بيّنت المقاومة أنها بطبيعة الحال أعلم بها وبطبيعة الحرب و الميدان وتأكيداً لعبارة سيد هذه المقاومة والتي أصبحت أشهر من علم وهو يخاطب العدو بقوله المزلزل” بيننا وبينكم الأيام والليالي والميدان”! فهذا وحده ما يشير وما قد يؤثر على استراتيجيات وتكتيكات المقاومة وما عدا ذلك ليس له أيّ تأثير في مجرى هذه الحرب الضروس التي طال أمدها ولا يظهر أنها ستنتهي قريباً.
ـ ثالثاً وهو الأهم، أن كل عدوان إسرائيلي سيُقابل حتماً بالرد وهذا ما دأبت عليه المقاومة الإسلامية في لبنان بقيادة أمينها العام سماحة السيد حسن نصر الله وهذا ما يظهر من البيانات الرسمية للمقاومة التي تصدر تباعاً وفيها يُذكر تحديداً أن كل عدوان يقابله رد حتمي وكل عمل عسكري له مضاد نوعي وعسكري رادع ولا تنفع ولن تنفع هنا أي تهديدات كما لا ولن تنفع أي وساطات!
وكما تقاوم المضادات الحيوية الميكروبات فتُضعفها وتقتلها وكذلك مضادات الفيروسات تقاوم الفيروسات وتقتلها ومضادات الفطريات تقاوم الفطريات وتقتلها وكما مضادات السموم تمنع مفعول السموم وتبطلها فإنّ من البديهي بنظر المقاومة أن الفعل الدفاعي والردود العسكرية والأمنية الهادفة والمدروسة والمتدرجة مع تدرج وتدحرج الاعتداءات نفسها يجب أن تبطل وتصدّ أطماع هذا الكيان المعتدي على بلدنا وكذلك على فلسطين وكل دول المنطقة لأنه وبالمنطق إن لم يرتدع هذا العدو عن غيّه وعدوانه وأطماعه فلن يكون هناك سلام في المنطقة كلّها وهذا ما يتمثّل واضحاً في العبارة المستهجنة الأخيرة لمرشح البيت الأبيض والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب حين قال مؤخراً ” أن مساحة إسرائيل صغيرة جداً ولذلك يجب العمل على توسعتها”، ولكنّه لم يقل تحديداً كيف سيتم ذلك؟!!!
فهل تكون هذه العملية الأخيرة ” عملية الأربعين” والتي حاول العدو التكتّم على نتائجها وما زال يحاول جاهداً برغم التسريبات والمعلومات التي رشحت عن أهمية الهدف أو بالأحرى الأهداف التي ضُربت في هذا الرد والتي ستبيّنها الأيام لاحقاً وقد لا تظهر إلا بعد انتهاء الحرب إن ظهرت ، فهل ستكون هذه العملية وأمثالها من العمليات النوعية الهادفة هي المضاد الفاعل والمؤثر لعمليات الاغتيال المتكررة لقيادات المقاومة؟! وقد دأب هذا العدو الغاصب على القيام بهذه الاغتيالات النوعية خلف خطوط المعركة طوال هذه المدة بل لقد كانت هذه طريقته وديدنه من قبل ذلك منذ سنوات طوال بهدف إسكات وإضعاف المقاومة وللتهويل لفرض خيار الاستسلام على المقاومة وبيئتها الحاضنة، فهل تكون “عملية الأربعين” هذه وأمثالها هي المضاد الفعّال في وجه تهديدات الكيان واغتيالاته المتكررة هذه ؟!!
وهل ستكون هذه العملية منعطفاً في طريقة أداء المقاومة وتقنياتها وفي مدى تأثير ضربات المقاومة في لاحق الأيام؟! والى أي حد تستطيع المقاومة توسيع أفق الردود هذه من دون الدخول في حرب واسعة يتجنبها الجميع في المنطقة سوى المجنون الطامع نتنياهو الذي يدير معركة وجوده الشخصي والسياسي على جماجم الأبرياء من الفلسطينيين واللبنانيين ؟! هذا ما ستبيّنه الأيام القادمة فلننتظر.
كاتبة لبنانية
انسخ الرابط :
Copied