أيام قليلة تفصلنا عن أضخم تجمع ديني يحيي فيه الشيعة الشعائر الحسينية ترافقها مجاميع العزاء إجلالاً وتعظيماً لذكرى أربعين الإمام الحسين عليه السلام .. يحاول الشيعة في هذه الأيام التأكيد على الخط الإسلامي بكل أبعاده وشخصياته من الرسول الأكرم (ص) ومرورا بالزهراء وعلي والحسن والحسين عليهم أفضل الصلاة والسلام وانتهاءً بالمهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف وخيار الصحابة والمؤمنين ..
إن الثورة الحسينية استحوذت على الفكر الإسلامي عامة والفكر الشيعي خاصة لما تحمله تلك الثورة من أبعاد وخصائص لانظير لها في التاريخ .. ففي أربعين الحسين ع تتجلى القيم والمبادئ التي حصلت من قائد هذه الثورة وتعلو شعارات الثورة الحسينية وهتافاتها العلنية التي كسرت حاجز الخوف بروح التحدي وألحقت الهزيمة بالقوى الإستكبارية الشريرة وهدمت عروشها .. فواقعة الطف اختزلت أقصر واقعة في التاريخ وأطول ملحمة في البقاء ..
هذا الطقس الديني الضخم يقوم على السير لمسافات طويلة مواساة لآل بيت رسول الله (ص).. فمن البصرة، تنطلق قوافل العشق سيراً على الأقدام قبل عشرين يوماً من الأربعين. ومن إيران التي يفد منها بعض الزوار مشياً أيضاً تنطلق المسيرات قبل شهر من الأربعين. أمّا بالنسبة للزوار القادمين من دول أخرى جواً، فيحيون الذكرى بالسير على مدى يومين متواصلين من النجف حيث مقام الإمام علي بن أبي طالب (ع) باتجاه كربلاء حيث قبلة العاشقين ..
وفي هذه الأيام يفتح العراقيون أبوابهم للزوار، وتتولى العتبة الحسينية تأمين الخدمات اللوجستية. هكذا، تمتدّ مستوصفات تطوعيّة على طول الطريق من النجف نحو كربلاء (80 كيلومتر تقريبًا)، لمساعدة من قد يعانون من وهن أو يحتاجون الى اسعاف.
تخبرنا إحدى الزائرات، عن زيارتها في سنوات سابقة للمقام الحسيني خلال الأربعين، “بعض الناس لا تنام طول الطريق، ويتكاتف الغني والفقير، في جو روحاني. والناس تتأثر كثيراً عند وصولها بعد مسير طويل إلى المقام”.
في هذه المسيرات، كلّ يحمل نذوره، وصلواته، ويتجه بقلبه الملهوف نحو ضريح شهيد كربلاء.