موقع المغرب العربي الإخباري :
على وقع تزايد التوترات الإقليمية والعالمية، وصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى الصين في زيارة تستغرق 3 أيام يلتقي خلالها بالمسؤولين الصينيين، ومن بينهم نظيره الصيني وانغ يي. ولم يُعلن بعد ما إذا كان بلينكن سيلتقي بالرئيس الصيني شي جين بينغ، وهو ما حصل خلال زيارته السابقة لبكين العام الماضي، إذ لم تعلن الصين موافقتها على اللقاء بين بلينكن والزعيم الصيني إلا قبل ساعات قليلة من اجتماعهما.
تأتي زيارة بلينكن إلى الصين بعد فترة وجيزة من محادثة هاتفية بين الرئيسين الأميركي جو بايدن والصيني شي جين بينغ ، وزيارة مماثلة قامت بها وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين إلى الصين، ومكالمة عبر تقنية الفيديو بين وزيري الدفاع الأميركي والصيني بعد انقطاع المحادثات العسكرية بين البلدين منذ العام 2022، كما تأتي في خضم أزمات عالمية وإقليمية كالأزمة الأوكرانية والحرب على غزة والتوترات بين “إسرائيل” وإيران.
تحمل زيارة بلينكن طابعاً اقتصادياً وسياسياً. فشنغهاي هي مركز الصناعة والتجارة الصينية وبكين هي مكان لقاء بلينكن مع المسؤولين الصينيين.
سيناقش بلينكن جملة من الملفات مع المسؤولين الصينيين، وسبق له أن أجرى محادثات هاتفية مع نظيره الصيني خلال الأشهر الماضية كان آخرها الاتصال الذي تم قبل أسابيع قليلة لمناقشة التوترات بين إيران و”إسرائيل” غداة الضربات المتبادلة بينهما.
سيبحث بلينكن العلاقات الأميركية الصينية وملفات إقليمية ودولية. فعلى صعيد العلاقات الأميركية الصينية فإنها تشهد توتراً ويتسع نطاقه ، وإن كانت الزيارات والاتصالات المتبادلة بين الجانبين تساهم في منع تدحرج العلاقات إلى الأسفل، ولكنها لا تحرز تقدماً ملموساً.
فواشنطن مصرة على إعاقة تقدم بكين ومنع نموها كي لا تكون منافس لها لاسيما في مجال التكنولوجيا المتقدمة، لذلك ترفض إدارة بايدن الطلبات الصينية المتكررة برفع القيود على تصدير الرقائق الالكترونية المتقدمة إلى الصين، والقيود الجمركية على البضائع والسلع الصينية التي فرضها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، بل على العكس تعتزم إدارة الرئيس بايدن فرض المزيد من القيود إذ يجري الحديث عن زيادة الرسوم على منتوجات الصلب والألومينيوم الصينية ثلاث مرات.
ومع تزايد قلق الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي من إغراق الصين الأسواق العالمية بالمنتوجات الرخيصة، والتي تلحق ضرراً بالشركات الأميركية والأوروبية، يجري التباحث حول فرض قيود على البضايع الصينية ذات الصلة بالطاقة المتجددة والتي تعتقد واشنطن أنها تلقى دعماً حكومياً yغير قانوني مثل السيارات الكهربائية الصينية والألواح الشمسية. وكان موضوع فائض الانتاج الصيني محور مناقشات وزيرة الخزانة الأميركية مع المسؤولين الصينيين عندما زارت الصين مؤخراً، ولكن على ما يبدو فإن المباحثات حول هذا الموضوع لم تصل إلى نتيجة لأن الصين تعتبر أن تخفيض الانتاج هو أمر لمنع نمو اقتصادها، وسيعيد بلينكن تحذير الصين من فائض الانتاج. وأيضاً من المواضيع التي سيناقشها بلينكن حماية الشركات الأميركية في الصين إذ تتشدد بكين تجاهها بحجة حماية الأمن القومي.
كما سيتطرق بلينكن إلى مسألة تطبيق تيك توك الصيني إذ تعتزم الولايات المتحدة الأميركية حظر التطبيق على أراضيها إذا لم تتنازل شركة Bytedance المالكة للتطبيق عنه. وهو ما ترفضه بكين إذ تفضل حظر التطبيق على بيعه للولايات المتحدة الأميركية.
خلال اللقاءات السابقة بين المسؤولين الصينيين والأميركيين تمكن الطرفان من الاتفاق على بعض الأمور التي يمكن التفاوض عليها كقضية الفنتانيل إذ جرت خلال الأشهر الماضية لقاءات بين الجانبين لإجراء محادثات حول مكافحة إنتاج هذا المخدر الذي تسبب بوفاة آلاف الأشخاص في الولايات المتحدة الأميركية بسبب الجرعات الزائدة. فمنذ القمة الأميركية الصينية التي عقدت خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي أغلقت الصين بعض الشركات التي تنتج المواد الكيميائية اللازمة لانتاج هذا المخدر وقيدت تصدير بعض المواد الكيميائية.
كما سيناقش بلينكن موضوع حقوق الإنسان في الصين لاسيما مسألة مسلمي الإيغور في إقليم شينجيانغ، والتدخلات الصينية في الانتخابات الأميركية.
أما الصين فستطلب إزالة القيود على الرقائق الإلكترونية المتطورة والقيود الجمركية على بضائعها وحماية شركاتها وطلابها ومواطنيها الموجودين في الولايات المتحدة الأميركية من القيود والتشدد الأميركي نحوهم.
وعلى المستوى السياسي والتوترات الاقليمية والعالمية فستشكل حرب أوكرانيا محور النقاشات بين بلينكن والمسؤولين الصينيين خاصة مع تزايد قلق إدارة بايدن في الشهر الأخيرة بشأن الدعم الصيني للقاعدة الصناعية الدفاعية الروسية والتي يقول المسؤولون الأميركيون أنها تسمح لموسكو بالتغلب على العقوبات الغربية المفروضة.
وحذرت يلين خلال زيارتها بكين من أن بلادها قد تفرض عقوبات على الشركات والبنوك الصينية في حال تبين أنها تساعد روسيا ويجري الحديث مؤخراً عن عزم الولايات المتحدة الأميركية فرض عقوبات على النظام المصرفي الصيني.
كما أن حرب غزة والتوترات في الشرق الأوسط ستكون من ضمن المباحثات الصينية الأميركية إذ سبق لواشنطن أن طلبت من بكين أن تضغط على طهران لايقاف هجمات الحوثيين في البحر الأحمر . ومع التصعيد بين إيران و”إسرائيل” طلبت الولايات المتحدة الأميركية من الصين الضغط على إيران لمنع التصعيد.
ومن ضمن المواضيع التي سيبحثها بلينكن في الصين التوترات في بحر الصين الجنوبي لاسيما أن زيارته تأتي في وقت يزداد فيه التوتر بين الصين والفلبين وبعد عقد قمة أميركية يابانية فلبينية والحديث عن انضمام اليابان إلى اتفاق أوكوس.
وتبقى قضية تايوان ، القضية الأساس التي لا تقبل الصين المساومة عليها، وتعتبرها خطاً أحمراً. وهي الورقة التي تستخدمها واشنطن من أجل الضغط على الصين فتزيد المساعدات العسكرية للجزيرة ويجري التواصل وعقد لقاءات بين مسؤولين تايوانيين وأميركيين. تقول واشنطن أنها تعترف بمبدأ الصين الواحدة وترفض انفصال الجزيرة لكنها بالمقابل تمد تايوان بالأسلحة وهو ما يغضب بكين التي تعتبر أنه تدخل في شؤونها الداخلية ومن شأن ذلك أن يزيد التوترات في المنطقة.
كانت واشنطن تحاول الضغط على بكين عبر فرض العقوبات وزيادة الرسوم الجمركية عليها لكنها وجدت أن هذا الأسلوب غير مجد فانتقلت نحو التواصل مع الصين، ولكن واشنطن تريد أن تبقي بكين تحت جناحيها وتملي عليها شروطها وهو ما ترفضه الصين التي تعتبر أن العلاقات يجب أن تقوم على أساس التعاون والحوار.
سيحاول بلينكن الوصول إلى تفاهم مع الصين حول مواضيع معينة قبل أن تقوم الولايات المتحدة بفرض مزيد من القيود على الصادرات الصينية أو حتى على البنوك الصينية بسبب تعاملها مع روسيا وهو ما تحاول إدارة بايدن تجنبه بسبب تأثيره على الاقتصاد الأميركي أيضاً.
منذ زيارة بلينكن إلى الصين العام الماضي والاجتماعات المتواصلة بين البلدين، لم تحقق واشنطن وبكين خرقاً في علاقاتهما إلا إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة والتباحث حول مواضيع لا تشكل خلافاً كبيراً بينهما. ومن غير المتوقع أن تشكل زيارة بلينكن الحالية للصين خرقاً كبيراً لأن الخلاف الأساسي بين الصين وأميركا هو حول شكل النظام العالمي فواشنطن تريد أن تبقي هيمنتها بينما بكين تسعى إلى تشكيل نظام ثنائي أو متعدد الاقطاب تكون هي قطب فيه.
انسخ الرابط :
Copied