موقع المغرب العربي الإخباري :
لم يكن عدوان الأنكلو ساكسون ضد مواقع أنصار الله الحوثيين في خمس محافظات يمنية صبيحة الجمعة 12 / 1 / 2024 مفاجئا..
فالولايات المتحدة قامت قبل شهرٍ من ذلك بتشكيل تحالف دولي من عدة دول شملت كندا وبريطانيا وأسبانيا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنروج وسيشيل، ومملكة البحرين (العظمى) حيث قيادة الأسطول الأمريكي الخامس، وذلك بهدف حماية التجارة في البحر الأحمر والقيام بدوريات مشتركة فيهِ وفي خليج عدن، بعد تصاعد هجمات أنصار الله على السفن التجارية.
هذا التحالف أثار حفيظة إيران، وقال وزير دفاعها محمد رضا أشتياني، أن الولايات المتحدة ستواجه مشاكل استثنائية إذ أنه (لا يمكن لأحد التحرك في منطقةٍ اليد العليا فيها لإيران).. وأعلنت حالا عن تشكيل قوة باسيج بحرية، إذ صرّح الأدميرال علي رضا تنغسيري عن تنظيم قوات الباسيج البحرية للمحيطات والسفن والقطع البحرية الأخرى القادرة على الإبحار حتى تنزانيا..
وتمّ إرسال إيران للمدمّرة (ألبرز) رفقة سفن أخرى إلى البحر الأحمر..
ومن المعروف أن مضيق هرمز ومضيق باب المندب يقعان تحت المرمى الناري لإيران والحليف الحوثي..
**
أنصار الله يؤكدون أنهم لا يستهدفون سلامة الملاحة في البحر الأحمر، وإنما فقط السفن المتجهة نحو إسرائيل، وأنهم سوف يتوقففون عن ذلك حالما توقفت الحرب في غزّة..
لم تُقدِم أي دولة عربية متشاطئة مع البحر الأحمر للانضمام لهذا التحالف، لاسيما مصر والسعودية، لِما لذلك من تبعات مُضرِّة لهما على أصعدة متعددة، على صعيد الرأي العام العربي، وعلى صعيد الصِدام المباشر مع أنصار الله الحوثيين، وعلى صعيد العلاقة مع إيران الداعمة للحوثي. لاسيما أن موقف أنصار الله الحوثيين الداعم لأهل غزّة لاقى تضامنا عربيا واسعا.. وأي تحالف ضدهم سيُفسّر أنه اصطفافا مع إسرائيل والولايات المتحدة ضد أهل غزّة.
**
الولايات المتحدة وحلفائها، وعبْر بيان مشترك، كانت قد وجّهت إنذارا لجماعة أنصار الله في 4 كانون ثاني/ يناير، قبل أسبوع من هذه الغارات يُحذِّر من العواقب إذا لم يُوقف الحوثيون هجماتهم على السفن التجارية، حسبما جاء في البيان..
ومن ثمّ لجأت لمجلس الأمن الدولي وانتزعت قرارا يوم الأربعاء 10 كانون ثاني / يناير (يدين الهجمات التي شنها الحوثيون على السفن التجارية وسفن النقل في البحر الأحمر ويطالب بالوقف الفوري لجميع هذه الهجمات) وذلك بموافقة 11 عضوا وامتناع 4 عن التصويت، وهي الصين وروسيا والجزائر وموزامبيق..
المندوب الروسي شكّك في النوايا الأمريكية، وسعى إلى جانب مندوب الجزائر للربط في القرار بين هجمات الحوثي، وما يحصل في غزّة، ولكن مندوبة الولايات المتحدة رفضت.. وأكّد المندوب الروسي أنه لا يوجد في القانون الدولي شيء اسمه حق الدول في الدفاع عن سفنها من الهجمات..إلا أن الولايات المتحدة نجحت في تمرير القرار أخيرا دون أي فيتو صيني أو روسي..
وهذا ما أعطى الولايات المتحدة الحجّة القانونية في الغارات التي شنّتها فجْرَ الجمعة 12 كانون ثاني/ يناير.. والذي تزامن أيضا مع احتجاز إيران لسفينة أمريكية..
إذاً هي انتقلت من مرحلة التهديد إلى التنفيذ..
والسؤال ماذا بعد ذلك؟.
جماعة أنصار الله توعّدوا بالرد، وأنهم لن يسكتوا عن هذا العدوان.. والولايات المتحدة أعلنت عن الاحتفاظ بحق الرد.. وهذا يعني أن المواجهة طويلة..
إيران أدانت الاعتداء على سيادة اليمن والذي سوف يُفاقمُ استقرار المنطقة..
بينما السعودية دعت إلى ضبط النفس وتجنُّب التصعيد في البحر الأحمر..
إذاً كرة النار بدأت تتدحرج من غزّة إلى خارجها، الأمر الذي كانت تخشاه الولايات المتحدة وتسعى للإحالة دونهُ.. وهذا كان من بين أهداف جولة وزير الخارجية أنتوني بلينكن، الرابعة، في المنطقة مؤخّرا..
حماقة السياسة الأمريكية، هي من قادت لكل ذلك.. فقد كان بإمكان الولايات المتحدة تجنُّب كل هذا التصعيد وذلك بوقف الحرب في غزّة ولكنها رفضت ذلك ومنحت إسرائيل الوقت الذي تريد لتحقيق أهدافها الإجرامية، وحمَتها في مجلس الأمن الدولي ضد أي مشروع قرار يدعو لوقف إطلاق النار..
**
إلى أين سيصل التصعيد، وكيف ستكون النتائج، فهذا يصعبُ التكهُّن به.. ولكن حركة السفن التجارية سوف تتأثر أكثر بعد هذه الغارات الأمريكية، وما سيليها من تصعيد، وستخشى السفن أكثر العبور عبر باب المندب، وأسعار النفط سوف ترتفع، وستتضرّر عائدات قناة السويس، إذا ما غيّرت السفن مسارها إلى أقصى جنوب القارة الأفريقية، ومن هناك إلى الأطلسي وإلى أوروبا وأمريكا..
وبالتأكيد جماعة أنصار الله الحوثيين، على استعداد للاستمرار في هذه المواجهة للأخير.. بل ربّما كانوا ينتظرونها.. فهم حركة مقاومة يتحركون بسرعة من مكان لآخر، وليسوا كما الجيوش النظامية المكشوفة.. ولديهم الإرادة القوية للحرب والقتال، بل ربما أصبحت هذه هواية لهم. ومناطقهم جبلية وعرة، لا يمكن للطيران أن يحسم فيها أي حرب.
وفي العلوم العسكرية الطيران لا يحسم الحرب، وإنما يمهِّد لتقدُّم القوات البرية، وإن لم تتقدم القوات البرية، فالحرب لا تُحسَم.. والقوات البرية يصعب جدا أن تتقدم إلى مناطق الحوثي الجبلية الوعرة.. ولا أعتقد أن الولايات المتحدة وحلفائها سيُقدمون على هكذا مغامرة..
الألمان أحرقوا بريطانيا بالقصف الجوي في الحرب العالمية الثانية، ولندن تعرضت للقصف 56 يوما متواصلة، مع لياليها، ولكن لم ينتصروا لأنهم لم يكونوا قادرين على احتلالها بريا..
والولايات المتحدة أحرقت هانوي بالطيران، ولكن لم تتقدم أي قوات برية، لأنها كانت ستتدمّر، ولذلك لم تنتصر..
**
وأنصار الله أفشلوا التحالف العربي ضدهم في (عاصفة الحزم) رغم كل ما تعرضوا له من قصف، والذي ضمّ 10 دول منها خمسة من دول مجلس التعاون الخليجي (عُمان لم تشارك) إضافة إلى مصر والمغرب والسودان والأردن وباكستان..
وربما المواقع والأهداف التي قصفتها أمريكا وبريطانيا، قد قُصِفت عشرات المرات من طرف قوات التحالف العربي، ولم تتغيّر الموازين.. ولم يضعف الحوثي، بل العكس..
ثم رأينا لاحقا كيف أن السعودية أدركت أنها تورّطت في هذه الحرب، ولا تعرف كيف تنتهي منها، لاسيما بعد انسحاب غالبية الدول من التحالف، وخاصة بعد أن طالت صواريخ ومسيّرات الحوثي عُمق أراضي دولة الإمارات، وأراضي السعودية.. وخسروا الرهان على الولايات المتحدة في حماية أراضيهم..
الأمر الذي دفعها للتقارب من إيران، ومراعاة خواطرها، إذ أنها الوحيدة القادرة للضغط على الحوثي.. ومنعهم من استهداف الأراضي السعودية..
فهل ستقع الولايات المتحدة في ورطة، كما ورطة فيتنام، أم أنها ستشتبك مباشرة مع إيران الداعمة للحوثي، وتشتعل الحرب على أشدها في كل المنطقة،
أم أنها ستتفاهم مع إيران، مباشرة أم عبر الوسيط العُماني، حول كل قضايا المنطقة الساخنة، أم ستستمر الأمور على هذا المنوال، لا حربا ولا سِلما، وإنما مناوشات، وعلى مبدأ لعبة (القط والفأر)؟.
الأيام وحدها ستكشف.. والأرجح أن يتمّ التفاهم أخيرا مع إيران، لأنها القوة المؤثِّرة في غرب آسيا، من خلال تحالفاتها، بينما العرب لا دورا لهم سوى الفِرجة، ولذلك أمريكا لا تحسب لهم حسابا.. فهم خارج المعادلة..
ولا مصلحة للولايات المتحدة وإيران في الاشتباك المباشر، والطرفين يؤكّدان أنهما لا يريدان ذلك.. وإيران تتجنّب انتقال الحرب إلى أراضيها، فهذا ليس في مصلحتها..
انسخ الرابط :
Copied