عانت الأمة الإسلامية في السنوات الماضية من إرهاب ممنهج ومدعوم من دول كبيرة في العالم وبتنفيذ الكيان الصهيوني، لقتل وتمزيق المسلمين في الوطن العربي والعالم، راح ضحية هذه المؤامرات الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ وأيضا الشباب عبر الحروب وإثارة النعرات الطائفية وزج التنظيمات الإرهابية بين الناس ودعمها لوجستياً وعسكرياً ومادياً.
تنظيم داعش الإرهابي لم يكن وليد تلك الساعة التي انطلقت قبل سنوات في الشرق الأوسط، وإنما هو حلقة لسلسلة كبيرة وممنهجة صهيونياً منذ احتلال فلسطين والقدس والأقصى، وتمدد الكيان الصهيوني بأجندته في البلدان العربية والإسلامية، وتم استغلال ما حدث في تونس والعراق وليبيا وسوريا واليمن لبروز هذه التنظيمات بأسلحتها الفتاكة وإجرامها الوحشي.
صحوة المجتمع الإسلامي قلصت نشاط هذه الجماعات الإرهابية إلى حد كبير اقترب من القضاء عليها وعلى جذورها، إلا أن هناك ما يكشف عن وجود خلايا نائمة لا زالت تنشط في بعض المناطق العربية وخصوصا في سوريا في أماكن تواجد الأمريكيين، وفي أماكن النزاعات كليبيا وتونس وغيرها من الدول، وهذه تحتاج إلى صحوة شعبية واجتماعية وفكرية تنهي كل مظاهر التخلف والتطرف النابع من تلك الأجندة الصهيونية الخفية.
الحج يمثّل مظهر الوحدة الإسلامية، حيث يجتمع الناس بصنوف ألوانهم وقومياتهم وجنسياتهم ومذاهبهم وميولهم جنبًا إلى جنب من دون أي فارق؛ فيطوفون معًا، ويسعون معًا، ويقفون في عرفات والمشعر معًا، إن التعاطف والانسجام الإسلامي يتجلّى على حقيقته في الحجّ، لكل مسلمي العالم، فالذين يحاولون إقصاء حقيقة الأمة الإسلاميّة وأهميّتها وإبعادها عن الأذهان، والذين يقسّمون المسلمين إلى أصناف متعدّدة، ويحدّدون لهم دوافع مختلفة، ويضخّمون الجانب القومي لتهميش عظمة الأمّة الإسلاميّة، ويعملون على دقّ إسفين الخلاف في الأمة، والحال أنّ الأمة الإسلامية هي التي تتمتّع بالأهميّة، وأنّ العظمة تعود إلى الأمة الإسلاميّة، وأنّ الله سبحانه وتعالى يفيض برحمته على الأمّة الإسلاميّة، وأنّ الحجّ مظهر لتشكيل الأمّة الإسلاميّة، وهذا بالطبع غيض من فيض.
يجتمع المسلمون ﴿مِن کُلِّ فَجٍّ عَمیق﴾ ومن كلّ مكان، ومن أقصى البلاد جنبًا إلى جنب، ويا لها من فرصة كبيرة توفّر لهم إمكانية التحادث والتعاطف بعضهم مع بعض، والاستماع إلى آلام وشجون البعض الآخر، والتضامن مع بعضهم بعضاً، وهل يمكن أن تتاح هذه الفرصة في غير الحجّ؟ وهذا هو واحد من جوانب الحجّ الاجتماعية المتمثلة بالوحدة.
الكثير من البلدان الإسلاميّة لها تجارب في مواجهة التطرف والعنصرية وأساليب التفرقة الصهيونية، لأن أساليب العدو في مواجهة الإسلام متنوّعة ولها أقسامها وألوانها. حيث يفكّرون في البحث عن سبيل للتوغّل وتوجيه الضربات. فهناك جماعات اختارها الكيان الصهيوني وزوّدها بالأموال ليفكّروا ويبحثوا ويدرسوا قضيّة الإسلام، ليتوصّلوا إلى سبيل لإخماد هذا المحفّز الكبير، وهذه الصحوة واليقظة الإسلامية، ولتوجيه الضربة إلى الشعوب المسلمة التي تيقّظت وعرفت بأنّها تتمتّع بالقوة والاقتدار، وعلمت أنّ بإمكانها المبادرة والعمل. وقد صرفوا الأموال في هذا الطريق.
نحن نشهد تأجيج الخلافات، وإثارة العنف، وتشويه سمعة الإسلام، وتقسيم البلدان الإسلامية، وتأليب الشعوب المسلمة ضدّ بعضها الآخر، وتحريض أبناء الشعب الواحد ضدّ بعضهم البعض، وهي ممارسات يرون أنّه من الضروري القيام بها، لإضعاف المسلمين وتمزيقهم، وقد شهدنا أيضا قبل مدة حالة تتكرر كل مدة، وهي محاولة الإساءة لشخصية النبي محمد (ص) لتاجيج الصراعات ضد المسلمين وضرب استقرارهم الروحي والمعنوي والاجتماعي.
تبقى الوحدة الإسلامية هي الحصن المنيع أمام كل هذه المؤامرات وداعميها، ففريضة الحج كل عام تجلي قلوب الناس وتعيد صفاء أنفسهم وتوحد صفوفهم، وهذا هو الإسلام الدين الحنيف الذي جاء لهداية البشرية إلى طريق الصواب والنور وإبعادها عن طريق الضلال والتهلكة.