في تطور جيوسياسي ملفت، لمحت موسكو بنوع من التهديد إلى احتمال إرسال قوات عسكرية وعتاد متطور إلى كل من كوبا وفنزويلا للضغط على واشنطن كرد على استراتيجية الغرب التغلغل في أوكرانيا للضغط على روسيا. وهذه الفرضية بتعزيز النفوذ في أمريكا اللاتينية مرتقبة في حالة ارتفاع التوتر لاسيما وأن روسيا طبقت جزء منه في الجزائر.
وانتشر خبر فرضية إرسال روسيا قوات وعتاد عسكري متطور إلى كوبا وفنزويلا كرد فعل على مخططات الحلف الأطلسي الاقتراب كثيرا من حدود روسيا عبر أوكرانيا في الوقت الراهن. وكان مساعد وزير خارجية روسيا سيرغي ريابكوف هذا الأسبوع لقناة التلفزيون المحلية أنه RTVI لا ينفي ولا يؤكد هذا الخبر، ولكنه شدد على تصريح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه “إذا لم يلتزم الغرب والولايات المتحدة بمطالب روسيا في أوكرانيا، ستتخذ موسكو إجراءات عسكرية تقنية”، تاركا بذلك الباب مفتوحا على كل الاحتمالات.
وتعالج كبريات وسائل الإعلام في أمريكا اللاتينية يومي الخميس والجمعة من الأسبوع الجاري هذه الفرضية واحتمال تطبيقها لأنها بمثابة زلزال حقيقي في المنطقة. كما تستعيد بالمناسبة تلك الحلقة المرعبة حول الصواريخ النووية الروسية التي كان سيتم نشرها في كوبا بداية الستينات وأدت الى أحد أكبر الأزمات في الحرب الباردة.
واعتبرت “صوت أمريكا” في نسختها الإسبانية، أن الخبر هو تحذير صادر عن سيرغي ريابكوف الذي يرأس وفد بلاده في المفاوضات الجارية في جنيف حول الأزمة الأوكرانية، وبالتالي يأخذ طابع الجدية. ويقول أندري سيربين وهو مشرف على سلسلة من مراكز التفكير الاستراتيجي أن “روسيا ترسل رسالة واضحة الى نيتها الرفع من حضورها في مناطق نزاع مثل فنزويلا”.
ويشكك بعض الخبراء في امتلاك روسيا القوة الاقتصادية الكاملة لتمويل وجود عسكري روسي في كوبا وفنزويلا كما يذهب إلى ذلك هوغو آشا خبير في الأمن الدولي، لكن الواقع شيء آخر لسببين، الأول وهو أن تكلفة التواجد العسكري لن تتعدى مئات الملايين من الدولارات، وتبقى روسيا قادرة على تحمل ذلك خاصة في ظل الدعم الذي تتوصل به من الصين، كما أن التواجد العسكري سيكون نوعيا بأسلحة نوعية متطورة للغاية تتطلب عدد محدود من الجنود قد لا يتعدى 5 آلاف.
وعمليا، قامت روسيا منذ سنوات على تطبيق جزء من هذه الاستراتيجية في أفق التطبيق الشامل والإعلان الرسمي إذا ما شهد الملف الأوكراني توترا أكبر. في هذا الصدد، تراهن روسيا كثيرا على فنزويلا بدرجة كبيرة وعلى كوبا بدرجة أقل. وقد منحت وباعت لفنزويلا أسلحة متطورة منها 30 طائرة سوخوي تجعلها أكبر قوة جوية في مجموع أمريكا اللاتينية، ثم نظام مضاد للطائرات مكون من إس 300 جرى تحديثه ويجري الحديث عن نشر إس 400 سرا في البلاد، وباعتها نظام بوك الذي لا يقل قوة عن الأول في اعتراض الصواريخ والقنابل بل وتنفيذ هجمات.
في الوقت ذاته، وقعت اتفاقيات تعاون عسكري يتم بموجبها نشر مئات الخبراء الروس في الموانئ والمطارات الحربية للبلدين. منذ سنة 2016، ترسو سفن حربية وتنزل طائرات عسكرية روسية في كوبا وخاصة في فنزويلا. وكانت طائرات عسكرية روسية من نوع تو 160 أكبر مقنبلة في العالم قد حطت في فنزويلا سنة 2019 في تطور لافت يؤكد استراتيجية موسكو نحو هذا البلد لتحويله للضغط على الولايات المتحدة مستقبلا. وكانت جريدة “القدس العربي” قد تناولت في مقال تحليلي بعنوان “فنزويلا أكثر من سوريا جديدة لموسكو بل كاستعادة آلاسكا” (1 أبريل 2019) تبرز أهمية هذا البلد للضغط على الولايات المتحدة ضمن استراتيجية النفوذ.
وتنهج روسيا استراتيجية ذكية تتجلى في حماية حلفائها وتحويلهم إلى مناطق ضغط. عملت على تسليح الجزائر لحمايتها من أي تدخل غربي، وتحولت الجزائر إلى مصدر قلق لدول جنوب أوروبا. وتعمل الآن على تطبيق السيناريو نفسه في فنزويلا للضغط على الولايات المتحدة. وتبرز قراءة المعطيات أن روسيا عازمة على تنفيذ أي استراتيجية تساعدها على تقوية أمنها القومي بما في ذلك الانتشار العسكري في فنزويلا.