سواء كان توجيه التهمة إلى دونالد ترامب خطوة لا بد منها كما يقول البعض أو “حملة شعواء” بنظر البعض الآخر، فإنّ هذه السابقة التاريخية بالنسبة لرئيس أميركي تلقي ضوءاً جديداً على الشقاقات الحزبية العميقة في الولايات المتحدة.
ومع التصعيد القضائي حول الرئيس الجمهوري السابق، عاد ترامب إلى قلب الساحة السياسية، في استمرارية لدوره في الكشف عن الانقسامات في هذا البلد وتأجيجها في آنٍ.
وفور صدور أولى أنباء توجيه قضاء نيويورك التهمة إليه، لجأ الجمهوريون إلى تويتر للتنديد بـ”اضطهاد سياسي” و”فضيحة مطلقة” و”يوم حزين لأميركا”، والتفوا صفاً واحداً حول المرشح للرئاسة جاعلين منه ضحية في مقابلاتهم وتغريداتهم وبياناتهم.
حتى خصمه لنيل الترشيح الجمهوري رون ديسانتيس الذي يطرح اسمه بشكل متزايد لانتخابات 2024، هبّ لمساعدة ترامب مندداً بتهم “مخالفة لقيم أميركا”.
أما الديمقراطيون، فاكتفوا بالترحيب بفتور بالإعلان مؤكدين أنّ “لا أحد فوق القانون”.
ووجّهت هيئة محلفين كبرى في مانهاتن في مدينة نيويورك الأميركية اتهامات إلى الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، بعد تحقيق في قضية فساد أخلاقية، غير أنّ ترامب أكد أنّه “بريء تماماً” منها.
“ترامب ربح”
وجو بايدن هو من القلائل الذين لزموا الصمت بهذا الصدد، والرئيس الديمقراطي الذي لم يطلق رسمياً بعد حملة ترشيحه لولاية ثانية على يقين بأنّ أي تعليق يصدر عنه سيكون بمثابة سلاح للملياردير الجمهوري يؤكد نظريته حول تسييس القضاء.
وقالت أستاذة العلوم السياسية في جامعة براون، ويندي شيلر إنّ “الرأي العام ينظر اليوم إلى كل شيء من خلال الانقسامات السياسية”.
وفيما سخر التقدّميون من “دموع أنصار ترامب”، تشكّلت مجموعة من مؤيدي الرئيس السابق منذ مساء الخميس، أمام مقر إقامته الفخم في فلوريدا للتعبير عن غضبهم.
ورفع العديد من هؤلاء المؤيدين أعلاماً كُتب عليها “بايدن ليس رئيسي” و”ترامب ربح”، في مؤشر جديد على أنّ ملايين الأميركيين ما زالوا مقتنعين بعد أكثر من سنتين من هزيمة ترامب، بأنّ الانتخابات “سرقت” منه.
قام ترامب نفسه بتأجيج المشاعر متهماً الديمقراطيين على شبكته الاجتماعية “تروث سوشال”، بأنّهم “أعداء الرجال والنساء الكادحين في هذا البلد”.
وكتب إنّهم “لا يستهدفونني أنا، بل يستهدفونكم أنتم، أنا في طريقهم لا غير”.
وتساهم كل هذه التصريحات في تدعيم نظرية حصول “طلاق وطني” التي يروّج لها البعض في اليمين المتطرف مثل النائبة مارجوري تايلور غرين، في ظلّ انقسامات عميقة إلى حدّ يبدو من المستحيل أحياناً ردمها.
وتصاعدت نبرة النقاش حول مجموعة كاملة من المواضيع المطروحة راهناً مثل النوع الاجتماعي والإجهاض والديمقراطية، بحيث بات طرحها محرّماً في العديد من العائلات الأميركية.
وحتى موضوع الأسلحة النارية أثار نقاشات عنيفة بين التقدميين والمحافظين في أروقة الكونغرس هذا الأسبوع بعد مجزرة جديدة مروّعة في إحدى مدارس تينيسي.
توجيه التهمة يعمّق الشرخ بين الأميركيين
ومع ذلك، يُحذر خبراء من المبالغة في تقييم أهمية الانقسامات.
ويلفتون إلى أنّ المجتمع الأميركي شهد فترات من الانقسامات الأشد والأعمق، ذاكرين منها الحرب الأهلية والمواجهات حول الحقوق المدنية وصولاً إلى حرب فيتنام.
والفرق برأي ويندي شيلر أنّ “البلد اليوم أكثر تنوعاً والتزاماً سياسياً مما كان عليه في أي وقت سابق”، مضيفةً أنّه “حين يرتفع عدد أكبر من الأصوات، فهذا قد يعني أنّ المبادلات تُصبح أكثر عنفاً وصخباً”.
لكنها أكدت أنّه “لا يمكن المقارنة بين هذا والوضع قبل خمسين عاماً حين كان الصمت مفروضاً على العديدين”.
وإن كان توجيه التهمة إلى ترامب يعطي انطباعاً بأنّه يعمّق الشرخ بين الأميركيين، فهو برأي روبرت تاليس خبير الاستقطاب السياسي في جامعة فاندربيلت “هدية سياسية لمديري الحملات وواضعي الاستراتيجيات في الحزبين الكبيرين”.
وأوضح الخبير لفرانس برس أنّ “توجيه التهمة يعطي الطرفين فرصة لتأجيج مشاعر الاستنكار بين المواطنين”.
وسارع عدد من كبار شخصيات الحزب الجمهوري وفي طليعتهم ترامب نفسه إلى إطلاق حملات لجمع التبرعات من أجل التصدي لما اعتبروا أنّه “اتهام مسيّس”.
وأعلن الملياردير ترامب أمس الجمعة، أنّه جمع أكثر من أربعة ملايين دولار لحملته الانتخابية في أقل من 24 ساعة.