لا شكّ أنّ هذه الكلمات انتشرت بشكل كبير وواسع في وسائل التواصل الاجتماعي وفي مختلف الوسائط الاجتماعية؛ “لسنا أرقاماً”، شهداء غزة بـ 10 الآلاف لم يكونوا أرقاماً، فلكلّ منهم قصّته وروايته وحكايته، والرقم ثمانية، له رمزيّته أيضاً، فهو ليس رقماً عابراً، هو عدد الرياضيّين الفلسطينيّين الذين سيحضرون في أولمبياد باريس 2024.
كلّ أمّة تتفاخر بعدد رياضيّيها الحاضرين، في الألعاب الأولمبية، فهذا المحفل الرياضي الأكبر تاريخياً، يشكّل بالنسبة للدول فرصة لإظهار العظمة والتقدّم والتطوّر من بوابة الرياضية والمنافسة.
كما يشكّل أيضاً مسرحاً لإيصال الرسائل، لذلك فإن الرقم الثمانية بالنسبة للمشاركين هو ليس أيّ رقم، لأنّ كلّ واحد منهم يحمل في قلبه فلسطين وغزة، ويرغب في أن يسلّط الضوء على قضيته.
ولأنهم ليسوا أرقاماً فإن أسماءهم هي: عمر حنتولي (تايكواندو)، ليلى المصري ومحمد دويدار (سباق 800 متر)، فاليري ترزي (سباق 200 متر سباحة متنوّعة)، يزن البوّاب (سباق 100 متر سباحة على ظهر)، وسيم أبو سل (ملاكمة)، فارس بدوي (جودو)، خورخي أنطونيو صالحي (الرماية).
نحن هنا في باريس.. من أجل فلسطين
يدرك الفلسطينيون الثمانية بأحلامهم وطموحاتهم، أنهم يحملون معهم أحلام ملايين الفلسطينيين حول العالم، وأحلام الصغار والكبار الذين يقبعون تحت الحرب والاضطهاد في غزة والضفة الغربية.
عند وصولهم إلى مطار “شارل ديغول” في فرنسا، عبروا بين الأعلام الفلسطينية وكأنه عصر الفاتحين والأبطال، فالاستقبال لهم كان بحفاوة أحلام التحرير، وفي تلك الأجواء الصاخبة جاء الموقف واضحاً منذ اللحظات الأولى قبل الأولمبياد، إذ قال يزن البوّاب، السبّاح البالغ من العمر 24 عاماً “فرنسا لا تعترف بفلسطين دولةً، لذلك أنا هنا لرفع العلم الفلسطيني”، مضيفاً “لا نعامل بوصفنا بشراً، لذلك عندما نلعب الرياضة يدرك الناس أننا متساوون معهم”.
وتابع “نحن 50 مليون شخص بلا دولة”، ولا شكّ أن السبب واضح ومعروف مع استمرار “الإبادة الجماعية” في غزة؛ الاحتلال الإسرائيلي.
أما السبّاحة فاليري ترزي فعبّرت عمّا في داخلها وعن إدراكها بأنها تمثّل أمة تقاتل من أجل حريتها وتحرّرها بالقول “قلبي معهم. في كلّ مرة أسبح فيها، أفكّر في شعب فلسطين ومعاناته. وأريد أن أمثّله على أفضل نحو ممكن”.
ترزي وبحسب قولها تأمل في أن تستغلّ وجودها في باريس “للتحدّث باسم شعب غزة”، حيث يقُتل النساء والأطفال، ظلماً من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
ثمانية رياضيّين سيمثّلون فلسطين، لكنّ الحرب كانت سبباً في هذا العدد الضئيل، علماً أنه الأكبر في تاريخ البعثة الفلسطينية.
أحد المرشّحين الأولمبيّين الذين لم يتأهّلوا هو لاعب رفع الأثقال المولود في غزة محمد حمادة، وهو حامل علم أولمبياد طوكيو 2021.
عندما بدأت الحرب على القطاع، انتقل حمادة إلى مدينة رفح في أقصى جنوب قطاع غزة، وتدرّب 25 يوماً، لكن بسبب نقص الغذاء، خسر حمادة الذي تنافس في فئة وزن 102 كيلوغرام (225 رطلاً) تدريجياً نحو 18 كيلوغراماً (40 رطلاً).
ورغم خروجه من القطاع، لم ينجح في التأهّل، وهذا ما أوضحه نادر الجيوسي المدير الفني للفريق بالقول “كانت لدينا آمال كبيرة للغاية في أن نذهب إلى باريس 2024 مع رياضيّين مؤهّلين. لقد فقدنا كثيراً من هذه الفرص بسبب التوقّف الكامل لكلّ نشاط في البلاد”.
وأوضح الجيوسي ما حدث مع حمادة قائلاً إنه لم يتمكّن من إعادة جسده إلى المستوى الأولمبي، والسبب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
عمر حنتولي.. نموذج ملهم
وبالنسبة للرياضيين الـ 8، حجز 7 منهم مكاناً لهم في الأولمبياد من خلال بطاقات الدعوة، بينما يبرز اسم اللاعب الثامن، نجم منتخب فلسطين في رياضة التايكواندو عمر حنتولي، مرشّحاً لحصد الإنجاز الأهم، إذ تألّق البالغ من العمر 18 عاماً في التصفيات الآسيوية التي احتضنتها مدينة تاي آن الصينية في آذار/مارس الماضي، ونجح في حجز بطاقة التأهّل إلى الأولمبياد من خلال المنافسة والنقاط كثاني لاعب في تاريخ فلسطين يفعل ذلك.
ووعد ابن مدينة نابلس، بأن يكون صوت الشعب الفلسطيني في دورة الألعاب الأولمبية، قائلاً: “أطمح لتحقيق الإنجاز الأول لفلسطين في دورات الألعاب الأولمبية، وأن أنقل معاناة شعبنا إلى جميع أنحاء العالم”.
ويُعدّ عمر أحد اللاعبين الواعدين، فقد حصل من قبل على برونزية بطولة العالم مرتين (للأشبال والشباب)، ومن ثم خطف بطاقة التأهّل التاريخي لأولمبياد باريس، بعد انتصاره في التصفيات الآسيوية على منافسه السعودي رياض حمدي.
يشارك عمر في وزن أقلّ من 58 كغم، حيث من المقرّر أن يكون ظهوره الأول في 7 آب/أغسطس المقبل، حيث يأمل أن يحقّق حلمه بالحصول على ميدالية تاريخية أولى لفلسطين، قد تكون بمثابة ضمادة على جروح لم تلتئم بعد.
يقول الشاب اليافع “سنظهر للعالم قوة وروح أمّتنا”، كلمات يحملها الرياضيون الفلسطينيون معهم في عقولهم وقلوبهم، في الوقت الذي تتوجّه فيه أنظار المناصرين إلى كل منافسات سيكون فيها الحضور الفلسطيني.