أعلن رئيس الجمهورية عن فتح رأس مال الشركات العامة، أي الخصخصة الجزئية.
1.- الأهداف الإستراتيجية
بحسب معطيات رسمية من الوزارة الأولى، فإن الصرف للقطاع العام التجاري خلال الـ25 سنة الماضية كلف الخزينة ما يعادل 250 مليار دولار وتكلفة إعادة التقييم بين 2005/2020 بلغت 8.900 مليار دينار أي السعر الجاري حوالي 66 مليار دولار، ولا يزال 80٪ من الشركات تعاني من عجز. الاستمرار على هذا الطريق هو انتحار جماعي.
ينبغي لا يُخلط بين نزع الاحتكار الذي يتمثل في تشجيع مستثمرين جدد من القطاع الخاص مع الخصخصة التي هي نقل الأصول كليًا أو جزئيًا.
كما يجب عدم الخلط بين الخصخصة والشراكة بين القطاعين العام والخاص حيث تحتفظ الدولة بكامل السيطرة، وخاصة فيما يتعلق بالخدمات العامة.
إنّ معظم البلدان النامية تتنافس بحدّة منذ عشرية من أجل أن تجلب إلى أراضيها الشركات متعدّدة الجنسيات التي تعتبر الإطار التقليدي للاستثمارات الأجنبية المباشرة، ومن هنا فإنّه من المستعجل بالنسبة للجزائر أن تدخل وتندمج في مثل هذه الحركية وبهذه الأهداف التالية:
-الانطلاق والنهوض وعصرنة الاقتصاد.
– الوصول إلى التكنولوجيات المتطوّرة.
– تنمية السوق الجزائرية باستهداف الصادرات خارج المحروقات.
– تحفيز التنافس والتنافسية الدّاخلية والخارجية.
– اعتبار الاستثمارات الأجنبية المباشرة موارد لعمليات الخوصصة.
– وجود سوق عالمي للخوصصة .
يجب على الجزائر استخدام الخوصصة كبوابة دخول أساسية للاستثمارات الأجنبية المباشرة، وهذا حتى تكون حاضرة في المواعيد الاقتصادية والسياسية لمختلف الدّول الشريكة. يبقى الهدف هو تغليب المصالح العليا للبلاد بتجنُّب إعطاء طابع شخصي للمشاكل والقضايا الوطنية، ومن أجل تشجيع الحوار والنقاش، فإنّه يجب التذكير بالنتائج الأساسية التي تقوم عليها البيروقراطية وهي:
– مركزية التسلط على الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للبلاد.
– إقصاء كل سلطة منافسة بإسم السلطة البيروقراطية.
– إن البيروقراطية تبني لأجل دولة المخططات التي تكون نجاعتها وفعاليتها حقيقية. لهذا السبب من الضروري أن تكون هذه المخططات واقعية وإلا كانت نتائجها ضئيلة جدا.
معالم إفراج عن سير الخوصصة
لقد أظهر القطاع العمومي الاقتصادي محدوديته بالرغم من الإمكانات التي خلقها في مجال التنمية الاجتماعية، واليوم يعدُّ من القطاعات التي تهدر به الموارد المالية، وبالتالي لم يعد يضطلع بالمهام التي وُجد من أجلها في مجال التنمية البشرية.
والمشكل هو النظر في إمكانية التغلّب على حاجة الظروف من أجل جلب رؤوس الأموال العالمية والدّخول إلى التكنولوجيات الجديدة ثم غزو السوق الدولي. من خلال هذا التوجُّه فإنّ الأمور تتطلب إعادة النظر في دواليب الدولة وهياكلها.
والدّولة المقاولة والمستغلة ينبغي أن تتراجع تدريجيا وتترك المجال للقوة العمومية والتي من خلالها تواجه المهام الطبيعية للتحكيم والتعديل في الخدمة الاقتصادية الدّاخلية.
وعلى هذا الأساس، فإنّ هذه الحالة تتطلب من المتعاملين الاقتصاديين التعامل مع الدّور الإستراتيجي للنظرة الجديدة للتنمية، وهو ما يجعل بالضرورة تحويل القطاع العمومي إلى القطاع الخاص من خلال إستراتيجية محكَمة لنظام إنتاجي.
والهدف الأساسي هو تحسين سير المؤسسات وتعظيم خلق الثروات، وبالتوازن مع هذه الثنائية ما بين الحكومة والمقاولة.
ولهذا ينبغي أن تتوفر مجموعة من التطوُّرات والإصلاحات التي لها ارتباطات مع البيئة الاقتصادية التي تعمل على خلق نوع من مناخ الاطمئنان حتى يجلب للمستثمرين الوطنيين والأجانب من جهة، ومن جهة أخرى فإن تراجع مصداقية الدّولة في هذا الإطار بسبب الإرث البيروقراطي للاقتصاد المسيَّر لازال يشكل تهديدا ينبغي القضاء عليه للدّخول إلى اقتصاد السوق والحصول على السيولة المنتظرة.
وفي المجال المالي ينبغي تطوير والتأقلم مع النظام البنكي العالمي لأنه يعتبر من المحاور الأساسية لترقية وتفضيله، لأنه في حضن هذا المناخ فإنّ وتيرة التنمية عليها أن ترتبط بالنظام العالمي، فالهدف هو الوصول إلى نظام بنكي محكم ومتوازن مع متطلبات الوساطة المالية المطلوبة من خلال التوجه إلى اقتصاد السوق للرّأسمال.
إنّ الوضعية المالية للبنوك العمومية في مجال الهيكلة هي ضعيفة، لهذا ينبغي إتباع إستراتيجية إجمالية للخوصصة.
أمّا في المجال المالي، فإنّ ذلك ينبغي أن يكون محكما وذلك يفرض صرامة في التطبيق من أجل محاربة التهرب المالي والجبائي، ولا يتسنى ذلك إلا من خلال وضع نظام معلوماتي وإتّصالاتي أكثر حداثة ومن دون بيروقراطية سلبية.
كما أنه ينبغي وضع سياسة عامّة واضحة المعالم وذلك من خلال سن قانون جديد يكون إطارا للتخطيط التوجيهي.
كما أنّه يمكن إتباع طريقة عمل لجمع كل المعلومات بشكل كلي وبسيط التنظيم وتطبيق سياسة واضحة ذات توجه خاص للاقتصاد ومن ثمّ تعمل وزارة الاقتصاد على حل مشكلة من عدّة جوانب التي كانت تعاني منها الدولة.
إستراتيجية الخوصصة
إنّ القطاع العمومي الاقتصادي عرف عدة محاولات للإصلاحات والتي انبثقت من خلالها عدَّة حلول وخاصة منها فتح رأسمالها للشراكة من جهة، وتلك التي لها علاقة برؤوس الأموال الحقيقية للدّولة من جهة أخرى.
إنّ هذه الأوامر كانت تهدف في الأساس إلى توجيه القطاع العمومي الاقتصادي في قناة القطاع الخاص.
هنا ينبغي التركيز وبقوّة على أنّ الخوصصة عملٌ سياسي يتطلب معارفَ وأهدافا ينبغي الوصول إليها بإستراتيجية أكثر واقعية. إنّ النظرة إلى مختلف النصوص التي عرفها هذا المجال لم تدَع أي مجال للشك في قبول الفكرة، غير أن الحاجز النفسي تمّ القضاء عليه من خلال بعض مراكز القرار وبعض القوانين المنظِّمة للاقتصاد، مع هذا فإنّ الدّولة من خلال قراراتها بقيت بعيدة عن تحقيق مكانة للخوصصة وتوفير المصداقية لها.
ومن هذا المنطق، فانه أصبح ضروريا أكثر من أي وقت مضى تحديدُ الأهداف ووضع التعاريف الضرورية للخوصصة من أجل إعطائها المكانة المرموقة بالقرارات السياسية الضرورية.
تحديد الأهداف بوضوح
. تستجيب الخوصصة لكثير من الأهداف التي لا يمكن أن تكون بالضرورة متطابقة. لهذا، ينبغي إعادة النظر في سلّم الترتيبات لبرنامج الخوصصة بطرق مركزة ومعبِّرة، وفي هذا الصدد يمكن الإشارة إلى بعض النماذج التي لا يمكن أن تكون عرضة للإستحواذ على العقار العمومي: بالنسبة للجزائر، فإنّ الأهداف حسب ما ورد أعلاه يمكن أن تكون متنوّعة ومتكيفة حسب النشاط الاقتصادي للمؤسسة التي هي موضوع الخوصصة. إنه لجديرٌ بالذكر أنّ الخوصصة ليست غاية إيديولوجية، بل هي وسيلة للعودة إلى التنمية وخلق العمالة المطلوبة حول عشرة محاور أساسية:
1- بلوغ أكبر فعّالية للاقتصاد وبالتالي خلق النمو والعمالة.
2- مفاضلة خصائص السير الاقتصادي على الخصائص السياسية.
3- رفع الإجراءات الإدارية العقيمة.
4- تخفيف الضغوط على الميزانيات على المدى المتوسط يمكن أن يقلص من وزن الدّيون العمومية والضغوط الملائمة للدّولة إذا كانت إيرادات الخوصصة موجّهة لمواجهة الدّيون أو إلى مصاريف الاستثمار.
5- المشاركة في المجال التنافسي وتحديث المجالات المالية. الخوصصة تقدّم أولوية تدعيم رأسمالية البورصات والعمل على رفع عدد المعاملات والصفقات وتحسين سيولة السوق، ومن ثمّ إمكانية جلب الاحتياط الأجنبي.
6- تشجيع شفافية العمليات ومحاربة البيروقراطية.
7- محاربة الأعمال النقابية العقيمة.
8- السماح بترقية بعض المؤسسات في المجال التجاري بالنسبة للمستثمرين الأجانب.
9- تطوير المساهمة الشعبية ومساهمة الأجراء في رأسمال مؤسساتهم (يمكن الاستفادة من تجربة الخوصصة البريطانية والفرنسية).
10- تشجيع فرق من المستثمرين لتطوير طبقة متوسطة.
إنّ نمطية الليبرالية ينبغي أن تعمل على تحويل القطاع الخاص من خلال النشاطات المؤسساتية، وهو ما يمكن التعبير عنه بـ:
– رفع القيود للدخول إلى السوق لفسح المجال أمام المستثمرين وخاصة الجدد منهم.
– إعادة التنظيم الدّاخلي بالنسبة للمؤسسة التي تمت خوصصتها (مع مقاييس المؤسسات التنافسية الدّولية).
– إنّ الهدف الأساسي للمرحلة الانتقالية اقتصاديا يتطلب وضع وتدعيم آليات لاقتصاد السوق. إنّ الخوصصة في الجزائر ينبغي أن تكون موجّهة بأهداف ذات أولوية للسيطرة على جميع المجالات.
والخلاصة أن الخوصصة تعامل للهيكلة الإجمالية للاقتصاد وتخص المؤسسة بصفة كاملة وليست كأجزاء ولها علاقة مع كل المحاور. إن نجاح مثل هذا النمط يرتكز على الحوار والتشاور عن طريق استخدام مجال معلوماتي فعال ومتوفر لجميع المواطنين.
إن تجربة مختلف المنظمات التي تداولت على الجزائر تتطلب تصحيحات من أجل رفع كل القيود.
إن بداية تطبيق نمط الخوصصة أعطى نتائج يمكن تلخيصُها في عدم وجود تمثيل سياسي بعيدا عن التنسيق بين كل العوامل وعدم إبراز الأدوار الحقيقية لكل الأطراف المعنية. بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ التطبيق قد أعطى تفوُّقا نوعيًّا بإعطائه الرئاسة ليس فقط في المجال الاستثماري أو المشاركة بالنسبة للحكومة حتى ترفع كل القيود، بل إنَّ عدم وضوح وجود نصوص قانونية للصلاحيات السياسية التي من اللازم تطبيقها بكل حيادية من خلال وكالة للخوصصة تكون مستقلة ومتكوِّنة من مختصِّين لهم من الكفاءة والنزاهة وبمهمة مؤقتة وهي غير موجودة إلى اليوم.
إن نجاح مثل هذا النمط المعقد هو بالأساس يعتمد على الشفافية.
وفي النهاية ينبغي تحديد وبدقة البرنامج المسطر من قبل الحكومة وتوجيهات المؤسسات المالية الدولية واحترام الرزنامة التابعة لذلك.
المصدر الشروق