يُعرب الكثير من التونسيين عن مخاوفهم اتجاه أي اتفاق قد تتوصل إليه الحكومة التونسية مع صندوق النقد الدولي حول إجراءات اقتصادية تقشفية، ستكون لها انعكاسات اجتماعية لا مفر منها على شرائح واسعة من المجتمع.
وفي الواقع، فإن الأنظار تتجه إلى المفاوضات التقنية بين تونس وصندوق النقد وذلك من أجل الحصول على قرضٍ بقيمة 4 مليار دولار. وفعلياً، فإن هذا القرض هو أعلى مبلغ تقترضه تونس منذ الاستقلال، ويتوجب على السلطات مقابل موافقة المانحين الدوليين على المبلغ، تنفيذ اصلاحات اقتصادية تخيف الكثير من المواطنين، خصوصاً أن جزءاً منها يرتبط برفع الدعم عن المواد الاساسية والتخفيض في كتلة الأجور بنسبة 15%.
وتأتي هذه المفاوضات وسط أزمة مالية تعيشها البلاد التي سجلت عجزاً بنسبة 11.5% في نهاية العام 2020، ونسبة نمو سلبية للاقتصاد في حدود 8.8% بسبب تداعيات أزمة “كورونا”.
الطبقة الوسطى تتلاشى
وفي تقرير جديد له، سلّط موقع “ذا ناشيونال” الضوء على الهواجس التي يعيشها التّونسيون، خصوصاً أن هناك مخاوف كبرى من تلاشي الطبقة الوسطى.
وفي حديثها، تقول سيدة تدعى يثرب الهاجري أنها “تعرف أين يذهب كل دينار من راتبها الحكومي المتواضع”، وتقول: “هناك تكلفة معالجة طبيين لابني (12 عاماً) وإنترنت إضافي لابنتي (14 عاماً) للقيام بالأعمال المدرسية بسبب تعليق الدروس الحضورية في تُونس، فضلاً عن مصاريف البنزين الخاصة بسيارة زوجي”.
ولفتت الهاجري (41 عاماً) التي تعمل موظفة في وزارة التعليم العالي، إلى أنّ فاتورة الطعام كبيرة جداً، وهي تساهم في استنزاف الراتب، وتقول: “راتبي يكاد بالكاد يكفي لطعام الأسرة”.
وتعدّ الهاجري وعائلتها جزءاً من الطبقة الوسطى المتلاشية في تُونس التي تعاني من التراجع الاقتصادي، وحالياً، فإن عائلات تلك الطبقة تواجه أزمة جديدة، خصوصاً أن السلطات تفكر في اعتماد اجراءات تقشف تشمل رفع الدعم عن المواد الأساسية مثل الغذاء والوقود.
ووسط ذلك، كشفت وثيقة مسربة عن الخطة الواضحة للحكومة التّونسية لإلغاء دعم المواد الغذائية بشكل كامل في إطار زمني ضيق.
وتعليقاً على هذا الأمر، قال فاضل كابوب، أستاذ الاقتصاد المشارك في جامعة دينيسون بولاية أوهايو والذي يتابع الاقتصاد التونسي عن كثب: “هذا يعادل إراقة الدماء في العصور الوسطى”.
ولفت كابوب إلى أنّ عقوداً من السياسات الاقتصادية السيئة التي ركزت على الصادرات ذات القيمة المضافة المنخفضة والعمالة الخارجية، تركت تونس في مأزق. وأضاف: “لقد نشأ عجز تجاري هائل على مدى سنوات، الأمر الذي ترك تونس من دون أمن غذائي مع وجود ثغرات في الميزان التجاري”.
وعملياً، فقد أدى هذا العجز إلى إضعاف العملة التونسية، وأجبر الحكومة على دعم السلع الأساسية التي يتم استيرادها لإبقاء الفئات الفقيرة قادرة على الاستمرار. غير أن الحكومة الآن تجادل بأن الإعانات تفيدُ بشكل غير عادل الأثرياء والفقراء، وأن المدفوعات النقدية المباشرة للأسر الأشد فقراً ستخدم الاقتصاد بشكل أفضل، وفق ما ذكر موقع “ذا ناشيونال“.
وإزاء هذا المشهد، برزت آراء جديدة للنقاد حول فعالية تلك المدفوعات النقدية للفقراء. وقال آرام بلحاج، أستاذ الاقتصاد في جامعة الاقتصاد والإدارة التونسية في نابل” “يحتاج الاقتراح إلى معايير واضحة للأهلية وقاعدة بيانات كبيرة شفافة من المستوى المحلي إلى المستوى الوطني. ولكن سواء أعجبك ذلك أم لا، فإن الدعم هو أداة لحماية القدرة الشرائية للأفراد، ولا يمكن استبداله بالمدفوعات النقدية”.
إلى ذلك، تقول السيدة انتصار قسارة (28 عاماً) وزوجها محمد سالمي إن ميزانيتهما بالكاد تكفي لغطية تكاليف الطعام والنقل والأدوية وغيرها من المستلزمات.
وتضيف: “لا يوجد أمن مالي أو اجتماعي.ماذا لو تعرض أحدنا لحالة طبية طارئة؟ كيف نأتي بالمال لتغطية ذلك؟”.
وتابعت: “لقد صُدمت بسعر لتر من الحليب أمس. كان يبلغ 1120 مليماً (0.40 دولاراً أمريكياً) والآن يبلغ 1350 مليماً (0.42 دولاراً أمريكياً). إذا قطعوا الدعم، فسيعيش الجميع في فقر”.
وأظهرت أحدث دراسة أجراها المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية (ITES)، التابع للرئاسة التونسية، أن الطبقة الوسطى في تونس تقلصت من أكثر من 70% من السكان في العام 2010 إلى 55% في عام 2018. والآن، فإن اتجاه هذا التقلص سيتسارع.
ووسط ذلك، فإنّ الكثير من الأشخاص يخشون انفجار الشارع بسبب رفع الدعم، وهو الأمر الذي يذكر بسيناريو الاحتجاجات التي اندلعت بعد أن تم تخفيض الدعم على السميد عام 1984.
أخبار الآن