يتكرر انقطاع الكهرباء والمياه في تونس، وتتعطل خطوط الاتصالات الهاتفية مرات في مناطق عدة، خصوصاً تلك النائية. وينتج ذلك أحياناً من سوء الأحوال الجوية أو أعطال تقنية أو تنفيذ أشغال وإصلاحات في الشبكات، لكنها قد ترتبط أيضاً بمشكلة انتشار ظاهرة سرقة أسلاك وأنابيب نحاس صغيرة لتهريبها خارج البلاد أو بيعها في السوق السوداء.
وتقف وراء السرقات عصابات تتحرك ليلاً غالباً، وتشمل عملياتها خصوصاً أسلاك كهرباء وخطوط اتصالات تستخرج النحاس منها وتبيعه إلى تجار ومهربين. وقد تفشت الظاهرة خلال السنوات الأخيرة، إذ أحبطت أجهزة الأمن مئات من عمليات تهريب النحاس عبر الحدود البرية أو الموانئ.
وعموماً، ترد الشركة التونسية للكهرباء والغاز على شكاوى المواطنين الخاصة بانقطاع الكهرباء بالقول إنها “ترتبط بأعمال تخريب تطاول الشبكات، خصوصاً في المناطق النائية والقرى التي لا تشهد حركة كبيرة ليلاً، ما يسمح بسرقة العصابات الأسلاك”. وتشدد على ضرورة التصدي للسرقات التي تعطل منشآتها الحيوية وتُكبدها خسائر كبيرة سنوياً، لا سيما أنّ تونس لا تصنّع النحاس وتستورده عبر موازنات بالعملة الصعبة.
وكانت الشركة التونسية للكهرباء والغاز حددت في تقرير أصدرته العام الماضي خسائرها من سرقات كابلات الكهرباء بأكثر من 3 ملايين دولار خلال 9 سنوات تشمل مصاريف الصيانة واقتناء تجهيزات جديدة.
ويتحدث مسؤول في الشركة التونسية للكهرباء والغاز يدعى عبد الكريم عامري لـ”العربي الجديد” عن “تلقي اتصالات كثيرة من المواطنين للتبليغ عن انقطاع التيار الكهربائي، وتعطل الشبكة. ولدى قيامنا بالمعاينة المطلوبة لكشف طبيعة الإصلاحات اللازمة، نكتشف مرات أنها ناتجة من قطع أسلاك الكهرباء وسرقتها من أجل استخراج النحاس منها، في ظاهرة شهدت ارتفاعاً كبيراً خلال السنوات الأخيرة”. يضيف: “تحصل السرقات غالباً خلال الليل، وفي مناطق لا تشهد حركة كبيرة. ونحن نعوّل على مراقبة أجهزة الأمن سير الحركة ليلاً من خلال عمليات التفتيش التي تقوم بها، وكذلك المسارات الحدودية باعتبار أنّ غالبية النحاس المسروق يهرب إلى خارج البلاد”.
بدورها، لم تكن شركة اتصالات تونس في منأى عن سرقات كابلات النحاس، إذ أوضحت في بيان أنها تضاعفت ثلاث مرات خلال الأشهر العشر الأخيرة مقارنة بعام 2020. وتحدثت عن تعرض بلديات في مناطق مختلفة لسرقات كبيرة لكابلات النحاس وعمليات تخريب، مثل تلك في محافظة منوبة التي تجاوزت خسائرها 200 ألف دولار. وأكدت الشركة أنّها تنسق مع السلطات الأمنية عمليات التدخل ضد السرقات عند الضرورة، وتستخدم كاميرات لمراقبة أماكن الشبكات في محاولة لتقليص حجم الخسائر الكبيرة التي تتكبدها سنوياً، والتأثير السلبي للسرقات على خدمة مزودي الإنترنت والاتصالات. وكشفت أنها تعمل لوضع مشروع ضخم يهدف إلى استبدال الشبكة بأخرى تستخدم الألياف البصرية.
وفيما تمرر إمدادات شبكة الاتصالات تحت الأرض وليس عبر أعمدة مثل الكهرباء، وتحفظ أسلاكها في أنابيب بلاستيكية أو نحاسية مع تخصيص أغطية من حديد لفتحها كلما اقتضت الحاجة إلى إصلاح الشبكة في حال تعطلها، يرى المسؤول في شركة اتصالات تونس، محمد بسابس، في حديثه لـ”العربي الجديد” أن “هذه الأمور تسهّل عمليات سرقة الأسلاك عبر فتح الأغطية وفك الأنابيب النحاسية، من دون الحاجة إلى تسلق أعمدة الكهرباء التي تتطلب معدات. وقد حصل ذلك فعلياً في مناسبات عدة ما تسبب في انقطاع شبكة الاتصالات والإنترنت”.
يضيف: “تبحث الشركة اليوم عن بدائل تقدّم خدمات أفضل، وتتصدى لمشاكل السرقات، وبينها في مواقع مشاريع كبيرة ومنشآت عامة ومواقع بناء يجرى تشييدها، علماً أن النحاس يجرى تذويبه لتشكيل سبائك أو يجمع في لفافات كبيرة. وقد دهم جهاز الحرس الديواني أخيراً مستودعاً في منطقة قرب تونس العاصمة، وضبط فيه كميات مهمة من قطع النحاس في شكل أسلاك وقوالب تتجاوز قيمتها 100 ألف دولار”. ويقول ضابط في الشرطة رفض الكشف عن اسمه لـ”العربي الجديد” إن أشخاصاً يشكلون عصابات تتضمن متخصصين للقيام بسرقات، ويوزعون المهمات بين قطع الأسلاك بدقة لتفادي حوادث الصعق الكهربائي، وتذويب النحاس لتكوين سبائك أو لفافات كبيرة، ونقله إلى مخازن توجد غالباً في مناطق نائية أو في قرى زراعية من أجل بيعها للمهربين. وتكتشف أجهزة الأمن المخازن التي تجري عمليات تجميع النحاس فيها قبل بيعه وتهريبه، فيما يتصدى جهاز الحرس الديواني تحديداً لعشرات محاولات التهريب عبر الموانئ أو الحدود البرية مع ليبيا والجزائر”.
العربي الجديد