تبلغ نسبة البطالة في تونس 4ر18 % في إحصاءات تخص الربع الثالث من عام 2021 وتمثل أكثر من 762 ألف عاطل. وتقدر نسبة العاطلين من حاملي الشهادات العليا قرابة الثلث من إجمالي العاطلين.
تونس 28 تشرين ثان/ نوفمبر (د ب أ) – لا تفوت فاطمة الطرابلسي فرصة المشاركة في الوقفات الاحتجاجية الداعية إلى تشغيل العاطلين ولا سيما المطالبة بتطبيق “قانون 38” المثير للجدل.
جاوزت فاطمة عقدها الرابع ومع أنها تحصلت على شهادتها الجامعية في تخصص الإدارة منذ العام 2007، إلا أنها لا تزال ترزح تحت وطأة البطالة.
وتأمل اليوم بأن يجري تطبيق القانون 38 الذي صدر في 2020 والذي يتيح أولوية توظيف العاطلين من خريجي الجامعات ممن طالب بطالتهم أكثر من عشر سنوات في القطاع العام.
لكن هذا القانون الذي مثل بارقة أمل للعاطلين مهدد بالاندثار ما يمثل انتكاسة جديدة لأكثر من 60 ألف من خريجي الجامعات.
وتقول فاطمة في وقفة احتجاجية بشارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة لوكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ) “إذا لم أتمتع بحق العمل في سن 43 فمتى سأعمل؟ متى يحق لنا التفكير في المستقبل وأمام أفق واضح؟”.
اضطرت فاطمة للانفصال عن زوجها بسبب الأوضاع الاجتماعية الصعبة وإحالة زوجها على البطالة بعد افلاس الشركة التي كان يعمل بها. وحتى الارتباطات الجديدة لم تنجح في أن تدفعها الى بداية حياة جديدة.
وتقول فاطمة بنبرة يأس “لا أحد يرضى اليوم بزوجة عاطلة. الوضع الاقتصادي صعب والمعيشة اليومية مكلفة”.
ومثل فاطمة يحلم الآلاف من الشباب العاطل في تونس والحاملين لشهادات عليا منذ سنوات، بفرصة عمل لبناء حياتهم الخاصة ولكن الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تتخبط فيها البلاد جعلت أحلامهم بعيدة المنال.
وفي حين كان خريجو الجامعات القدامى يتطلعون الى بداية تطبيق قانون 38 فإن الرئيس قيس سعيد الذي تولى إقراره بعد مصادقة البرلمان عليه، قال إن القانون لا يعدو أن يكون مطية لبيع الأوهام واحتواء الغضب.
كان سعيد قد جمد البرلمان وأوقف العمل بمعظم مواد الدستور بعد خلافات سياسية ودستورية متكررة تمهيدا لإصلاحات واسعة تشمل نظام الحكم والقانون الانتخابي.
ويتهم سعيد الأحزاب بتضليل العاطلين وتأجيل أزمتهم عبر قانون يفوق قدرات الدولة في التوظيف. كما وجه اتهامات مبطنة للحكومات السابقة بارتكاب فساد إداري وممارسة المحسوبية في التشغيل على نطاق واسع مكنت الآلاف من الانتفاع بوظائف بمؤسسات الدولة بشهائد مزورة ودون وجه حق.
وقال سعيد إن الآلاف تقدموا إلى الوظائف بشهادات تحمل أختاما غير صحيحة بتواطؤ جهات لم يسمها. وأضاف أن عددا منهم جرى إحالته إلى القضاء.
ويقول محمد الحرشاني خريج آداب ولغة عربية لـ(د. ب. أ) “نحن ضحايا الفساد والمعارك السياسية. لا أحد يهتم لحالنا. لقد أثبتوا جميعا أنهم فاشلون ولكننا لن نتخلى عن حقنا الأساسي في العمل”.
عمل محمد منذ تخرجه في 2005 في عدة أعمال عرضية، في المقاهي وفي سوق الخضار، بمرتب زهيد ودون ضمانات اجتماعية حتى يتسنى له مساعدة اخويه الأصغر سنا لمواصلة دراستهما.
ويقول محمد لـ (د. ب. أ) “كان أملنا في الثورة التي قامت على الحرية والكرامة والشغل، لكن الحكومات قتلت أحلامنا واستنزفت سنوات عمرنا. لو توفرت لي الفرصة لرحلت إلى أوروبا. لكن بعد وفاة والدي لا يمكنني ترك إخوتي من دون عائل”.
وتبلغ نسبة البطالة في تونس 4ر18 % في إحصاءات تخص الربع الثالث من عام 2021 ي وتمثل أكثر من 762 ألف عاطل. وتقدر نسبة العاطلين من حاملي الشهادات العليا قرابة الثلث من إجمالي العاطلين.
ومن أجل الضغط على الحكومة والرئاسة حتى يتم تطبيق قانون 38 بدأ عدد من العاطلين اليائسين بتنفيذ اعتصامات في مقرات الولايات والدخول في اضرابات عن الطعام.
وداخل مقر ولاية القصرين تمسك نحو 60 معتصما بتنفيذ إضراب عن الطعام حتى تنفيذ مطلبهم أو الموت. وتقول المتحدثة لتنسيقية “الانتداب حقي” أشواق العلاني، إن ستة معتصمين تدهورت صحتهم ونقلوا عبر سيارات الاسعاف الى المستشفى.
ولا يبدو الرئيس قيس سعيد الذي يقدم نفسه نصيرا للشباب والعاطلين متحمسا لتطبيق القانون 38، ولكنه بدلا من ذلك يقترح نوعا جديدا من المشاريع الاستثمارية يطلق عليها “الشركات الأهلية” لاستقطاب خريجي الجامعات العاطلين.
ويقول سعيد “لا بد من انتدابات حقيقية تمكن الشباب من خلق الثروة في إطار قانوني مختلف عن الأوهام الكاذبة”.
ويقترح الرئيس تمويل هذه الشركات عبر الأموال المنهوبة من خزائن الدولة والتي تعمل السلطات على استعادتها لكن ليس واضحا نسب نجاح الجهود القضائية في استعادة تلك الأموال.
كما لا يتضمن القانون التجاري التونسي أي اشارة لهذا النوع من الشركات الأهلية. وينظر لها خبراء الاقتصاد كنوع من الاقتصاد الاجتماعي والتضامني.
ويوضح الأستاذ الجامعي والباحث في مجال الاقتصاد آرام بلحاج إن مفهوم ”الشركات الأهلية’ غامض ويطرح تساؤلات حول طبيعة هذه الشركات. ماهي معايير المشاركة في هذه الشركات؟ أي أهداف لها؟ هل ستكون ربحية أم اجتماعية؟”.
وقال الخبير الإقتصادي عز الدين سعيدان “ماهو موجود في قانون الإقتصاد الإجتماعي والتضامني يختلف عن الشركات الأهلية. إن هذا الصنف معمول به في بعض البلدان من العالم”.
وأوضح سعيدان أن الشركات الأهلية عادة ما تكون محلية ودورها الإشراف على المشاريع المزمع إنجازها على المستوى المحلي لفترة زمنية محدودة.
المصدر وكالات