يؤدي وفد قيادي في حلف شمال الأطلسي (ناتو) زيارة إلى الجزائر تتزامن مع حدة الضغوط المتزايدة عليها من قبل طرفي الصراع في الأزمة الأوكرانية. وتأتي هذه الزيارة بعد أيام من زيارة لوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الذي ترك وثيقة مشروع اتفاق معمق للرد عليه.
واستقبل رئيس أركان الجيش الجزائري الجنرال سعيد شنقريحة المدير العام للأركان العسكرية الدولية لمنظمة حلف شمال الأطلسي الفريق هانس وارنر وييرمان ودارت بينهما محادثات لم يتسرب منها شيء، إلا أن القراءات ذهبت إلى مناقشة الدور الجزائري المأمول من طرف الناتو.
وحرص الجنرال شنقريحة على تأكيد أن بلاده “تتبنى سياسة الحياد وتحرص على النأي بنفسها عن التجاذبات الحاصلة بين مختلف الأطراف، (وأنها) ستواصل التعاون مع حلفائها وشركائها، في إطار مصالحها الوطنية ومبادئها الراسخة”.
وشدد قائد أركان الجيش الجزائري على أن “الجزائر تدعم مبادرات المجتمع الدولي الهادفة للاستقرار السياسي وتنمية المنطقة، في ظل احترام القانون الدولي والقرارات الأممية، وأن الزيارة ستتيح للطرفين حصرا أكبر للتحديات الأمنية وسبل حماية المنطقة من حالة عدم الاستقرار”.
وقال مراقبون جزائريون إن تأكيد شنقريحة على الحياد يظهر أن وفد حلف الأطلسي قد مارس ضغوطا على الجزائر لتحديد موقفها ليس فقط من التدخل الروسي في أوكرانيا، ولكن من دور موسكو في أفريقيا بدءا بليبيا وصولا إلى مالي، في وقت تتحدث فيه تقارير إخبارية عن دخول روسيا إلى مالي عبر الجزائر في سياق المناكفة مع فرنسا.
وأشار المراقبون إلى أن سياسة الجزائر التي تقوم على إسماع كل ضيف الكلام الذي يروق له لم تعد ممكنة الآن، فروسيا تنتظر وضوحا تاما من الجزائر بشأن موقفها من القضايا المختلفة، ووفد حلف الأطلسي يريد وضوحا كذلك، وهو ما يجعل النظام الجزائري في أزمة حقيقية لن تفيد معها البيانات والوعود.
وجاءت زيارة وفد الناتو في أعقاب زيارة وزير الخارجية الروسي وتلميحه إلى وجود مشروع اتفاق تعاون استراتيجي معمق تكون موسكو قد وضعت خطوطه العريضة وتنتظر رد الجزائر على تفاصيله.
وأشاد الجنرال هانس وارنر وييرمان بالدور المحوري للجزائر في “الحفاظ على استتباب الأمن والاستقرار في المنطقة، من خلال تقديم المساعدة، في مختلف المجالات، لبلدان الجوار ومرافقتها في تسوية أوضاعها الأمنية”.
وكانت افتتاحية مجلة الجيش (لسان حال المؤسسة العسكرية الجزائرية) قد ذكرت في عددها الأخير بأن “الجزائر على استعداد للتكيف مع التطورات الدولية”، في تلميح للتعاطي مع التوازنات المستجدة على الصعيد الاستراتيجي. لكن المراقبين يحذرون من أن الجزائر لم تعد تستطيع اللعب على الحبال، وأن فكرة “التكيف مع التطورات” تفترض القدرة على المناورة والمراوغة وإظهار الموقف ونقيضه، وهو أمر لم يعد ممكنا الآن.
ويعتقد المراقبون أن الدول الغربية تريد معرفة موقف الجزائر ليس فقط في العلاقة مع روسيا والتعاون العسكري الموسع بينهما في مجال التسليح والدعم، ولكن أيضا وبالأساس أين ستقف الجزائر في المرحلة الحالية، مشيرين إلى أن الأمر لن يتوقف عند المطالبة بزيادة إمدادات الغاز، بل سيتعداها إلى تحديد موقف واضح من التدخل الروسي في أوكرانيا، وتقليص الخدمات التي تقدم لروسيا من أجل الانطلاق من الجزائر نحو تثبيت نفوذها في أفريقيا.
ويشعر الجزائريون بالإحراج من الكشف عن دورهم في تأمين انتقال فاغنر إلى مالي لأن ذلك من شأنه أن يوتر علاقتهم ليس فقط مع فرنسا، ولكن مع أوروبا والولايات المتحدة.
ومطلع أكتوبر الماضي فنّدت الخارجية الجزائرية ما ذكره موقع “موند أفريك” الإخباري الفرنسي من أن الجزائر اتفقت مع السلطات المالية على تمويل عمليات جلب ميليشيات فاغنر الروسية.
وقالت الخارجية الجزائرية في بيان إن هذه “الادعاءات لا أساس لها من الصحة، وصدرت من طرف وسيلة إعلامية معروفة بولائها لمصالح المديرية العامة للأمن الخارجي التابعة للاستخبارات الفرنسية، التي يقودها السفير السابق بالجزائر برنار إيميي”.
وتزامن تأزم علاقات الجزائر ومالي مع فرنسا مع الدعم الدبلوماسي الروسي للسلطات الانتقالية المالية. وفي الوقت الذي انتظر المتابعون للشأن الأفريقي تدخل الجزائر لتعويض تراجع النفوذ الفرنسي في باماكو، لم تقدم الجزائر على تلك الخطوة وتركت الساحة فارغة أمام فاغنر.
صحيفة العرب