عكس مقال اثنين من أعضاء الكونغرس الأميركي زارا تونس مؤخرا تناقضا واضحا بشأن تقييم ما يجري في تونس، فهما يقرّان بأن الأزمة الاقتصادية هي أولوية تونس حاليا. لكن بدلا من تأكيد ضرورة الدعم الأميركي لمساعدتها يريان أن الحل يكمن في العودة إلى الديمقراطية، وكأن الأزمة سياسية وليست اقتصادية.
وكتب كريس كونز وديفيد برايس مقالا في مجلة “فورين بوليسي” جاء فيه أن إصلاحات الرئيس قيس سعيد “كلفت تونس الكثير من تقدمها الديمقراطي دون مواجهة تحدياتها الاقتصادية”، لكنهما يقترحان لمعالجة الأزمة الاقتصادية أن يقوم الرئيس سعيد بـ”إجراء إصلاحات هيكلية جادة وتأمين دعم شعبي واسع”.
وكونز هو عضو مجلس الشيوخ عن ولاية ديلاوير وعضو في لجنة المجلس للعلاقات الخارجية. وبرايس ممثل عن المنطقة الرابعة بولاية نورث كارولينا.
ومن الواضح أن عضويْ الكونغرس اللذين زارا تونس مؤخرا والتقيا بقيس سعيد يقدمان قراءة قاصرة لما يجري في تونس، فهما يعيبان على الرئيس التونسي سيطرته على السلطة واحتكار مختلف الصلاحيات، لكنهما في الوقت نفسه يطالبان بإصلاحات اقتصادية لخروج تونس من وضعها الصعب، وهو ما يؤكد التناقض في الموقف الأميركي من تونس؛ فالأزمة اقتصادية ولا علاقة لها بـ”الديمقراطية” كما تراها واشنطن.
وقال مراقبون تونسيون إن واشنطن تعرف أن المشكلة في تونس اقتصادية وأن حلها يكمن في مساعدتها على التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي لتتمكن من بدء الإصلاحات وربح الوقت، وأن الولايات المتحدة يمكن أن تساعد في دعم هذا المسار بسبب موقفها القوي داخل الصندوق، لكنها تذهب في اتجاه آخر هو الضغط بهذه الورقة لتحصيل تنازلات من قيس سعيد.
ويرى المراقبون أن موقف الولايات المتحدة تضمّن الكثير من التناقضات بشأن إجراءات قيس سعيد منذ يوليو 2021؛ فهي لا تريد الديمقراطية بصورتها السابقة التي سيطرت عليها الفوضى بشكل أضعف الدولة وأعاق كل محاولات الإصلاح، وفي الوقت نفسه كانت تسجل ملاحظات ومؤاخذات على كل خطوة يخطوها قيس سعيد، وهو ما يعني الاعتراف بالوضع الحالي مع طلب إجراء تعديلات وتحسينات، لكن أعضاء الكونغرس لا يفوتون فرصة الدفاع عن “أصدقاء أميركا” في تونس ممن باتوا خارج المشهد السياسي.
ولا يمكن تحميل قيس سعيد وحكومته مسؤولية الأزمة الاقتصادية، فهي من مخلفات عشر سنوات من الفوضى لم تسع فيها مختلف الحكومات لتنفيذ الإصلاحات، خاصة أنها اتفقت بشأنها مع صندوق النقد ثم تراجعت في أكثر من مرة، وهو ما جعل الصندوق يتحمس لوجود قيادة قوية لتنفيذ هذه الإصلاحات.
وأعلنت الحكومة التونسية الجمعة أن وفدا رسميّا سيلتقي في بداية الأسبوع المقبل مع ممثلين عن صندوق النقد الدولي في واشنطن، بهدف التوصل إلى اتفاق حول قرض جديد. ويضم الوفد وزيرة المالية والاقتصاد سهام البوغديري، ومحافظ البنك المركزي مروان العباسي، وعددا من المختصين الذين اشتغلوا في الفترة الماضية على برنامج الحكومة الاقتصادي.
وجاء في مقال كونز وبرايس أن تعزيز “الاقتصاد التونسي يتطلب إحياء الديمقراطية”، وأن الدراسات تشير إلى أن “التحول الديمقراطي يمكن أن يزيد الناتج المحلي الإجمالي للبلد بنسبة 20 في المئة بمرور الوقت”.
وقال عضوا الكونغرس “رغم أنه من الممكن تنفيذ الإصلاحات دون ديمقراطية، فإنه من الأرجح ألا تحدث إلا إذا كان المسؤولون قد وصلوا إلى السلطة بموجب تفويض شعبي وخاضعين للمحاسبة”، وهو الأمر الذي يتماشى مع قيس سعيد الذي يحوز إلى حد الآن على شعبية واسعة قياسا بأي شخصية سياسية أخرى في البلاد. كما أن إجراءاته تحظى بدعم شعبي مكثّف بفضل تمسكه بمكافحة الفساد السياسي والمالي، وهو مطلب أغلب المواطنين الذين يريدون محاسبة الطبقة السياسية المتخلية عن مآل المال العام وخاصة عن إغراق المؤسسات الحكومية بعشرات الآلاف من الوظائف.
ولم يُعرف من خلال المقال ما إذا كانت الولايات المتحدة ستساعد تونس على الخروج من أزمتها أم أن مساعداتها ستظل معلقة إلى حين حلول موعد الانتخابات التشريعية التونسية في ديسمبر القادم، واختبار استعداد قيس سعيد للقبول بمعارضين في البرلمان بالرغم من أن الأحزاب التي تريد واشنطن إشراكها قد أعلنت عن مقاطعتها للبرلمان، ومن بينها حزب حركة النهضة الإسلامية.
وأشار المقال إلى حصول اتفاق مع السلطات التونسية منذ 2016 على منح تونس ما قيمته 500 مليون دولار لتطوير الموانئ ودعم البنية التحتية ضمن برنامج تحدي الألفية، مضيفا أن هذا الاتفاق “يخضع الآن للمراجعة بسبب إجراءات (قيس) سعيد، وأن مجلس إدارة مؤسسة تحدي الألفية سيتخذ قرارًا نهائيًا بشأن ما إذا كان سيعيد تخصيص التمويل هذا الخريف” لتونس.
وخُتِم المقال بحضّ ضمني للتونسيين على التحرك ضد إجراءات قيس سعيد. وقال عضوا الكونغرس “يجب على الشعب التونسي وقادة المجتمع المدني أن يعلنوا أنهم لن يتسامحوا مع أي اعتداءات أخرى على الديمقراطية. ويجب أن يحاسبوا سعيد على التزاماته العلنية بحماية الفضاء المدني وإجراء انتخابات برلمانية شاملة وشرعية بحلول نهاية هذا العام”.
صحيفة العرب