يقال ان الجزائر أعلنت حزمة قرارات لصالح فلسطين في مقابل سياق تصعيدي خطير يمارسه كيان الاحتلال الاسرائيلي على اتجاهين يستهدف الاول تصفية القضية الفلسطينية والثاني إيجاد موطئ قدم له في منطقة المغرب العربي والشمال الإفريقي.
تل ابيب تعتبر توسيع علاقاتها بالدول العربية المطلة على البحر الاحمر ذات ضرورة قصوى للتخلص من عزلتها الجيوسياسية في الشرق الأوسط، اضافة الى الأهمية الاستراتيجية لتغلغلها في القارة الافريقية واقترابها من مضيق باب المندب الذي يفصل أفريقيا عن شبه الجزيرة العربية والذي يوفر للكيان االاسرائيلي متنفسا عبر البحر الأحمر، وسيطرة تامة على مفترق الطرق البحرية التجارية العالمية.
الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أعلن في السابع من كانون الاول/ديسمبر الجاري وعقب استقباله لنظيره الفلسطيني محمود عباس، عن اعتزام بلاده استضافة مؤتمر جامع للفصائل الفلسطينية “ما يعتبر مكسبا فلسطينيا مهما على صعيد محاولة تجاوز الخلاف الفلسطيني الداخلي وإعادة الحيوية للقضية الفلسطينية وتفعيل العلاقة الفلسطينية الجزائرية”، كما كشف تبون عزم الجزائر على منح شيك بـ100 مليون دولار لدولة فلسطين، وتخصيص 300 منحة دراسية في الجامعات الجزائرية لطلاب فلسطينيين.
سامي أبو زهري عضو المكتب السياسي لحركة “حماس” أعرب عن تقدير الحركة العالي للدعوة الجزائرية لعقد لقاء فصائلي في الجزائر، معتبرا ان الجزائر تمثل دولة متقدمة في مواجهة حملات التطبيع، وتتعرض لضغوط كبيرة، وتدفع أثمانا جراء موقفها الأصيل من التطبيع.
وهنا يجدر القول بنا ان الجزائر لا توجد لها علاقات ثنائية تجمعها بالغدة السرطانية التوسعية “اسرائيل”، وان الجزائر تشكل ركنا قويا صارما من اركان مقاطعة الجامعة العربيّة لهذا الكيان المحتل غير الشرعي ولا تعترف رسميا به وترفض دخول أراضيها أيّ شخص يحمل جواز سفر إسرائيلي أو أي جواز سفر آخر لديه تأشيرة دخول من “إسرائيل”.
المواقف الجزائرية المشرفة لم تقتصر على سعيها لإستضافة مؤتمر جامع للفصائل الفلسطينية، بل ايضا تسعى للم شمل العرب وقد أكد تبون الذي يزور تونس حاليا أهمية الوحدة العربية في ظل تعرض المنطقة لخطر التقسيم، وان القمة العربية المقبلة المقررة في الجزائر ستكون جامعة للصف العربي، فيما شهدت زيارته لتونس توقيع 27 اتفاقية ومذكرة تفاهم في المجالات الأمنية والاقتصادية والثقافية، اضافة الى تقديم الجزائر قرضا لتونس بقيمة 300 مليون دولار.
على صعيد آخر، توجد مشاكل دبلوماسية بين الجزائر وجارتها المملكة المغربية منذ سنوات، زادت حدتها في الأشهر الأخيرة خصوصا بعد اعلان برنامج تعاون في ديسمبر 2020 واستئناف العلاقات الدبلوماسية بين الكيان والمغرب على أساس صفقة مقايضة أمريكية مغربية، تقتضي زيادة نمط ونوعية التقارب التطبيعي المغربي الاسرائيلي، إذ تستميت”اسرائيل” من اجل تعزز تواجدها ونفوذها في الساحل الإفريقي الشمالي لإضعاف الجزائر من جهة وللتوسع الى عمق القارة الافريقية من جهة اخرى، وذلك بالتنسيق مع المغرب، ما ادى ذلك إلى اتخاذ العديد من القرارات الجزائرية السريعة العاجلة بينها غلق المجال الجوي بين البلدين الجارين.
يقول الأكاديمي والمحلل السياسي الأردني وليد عبد الحي في حوار سابق له مع وكالة الأنباء الجزائرية، انه لا يستبعد “تخلي المغرب في وقت لاحق عن رئاسته للجنة القدس رغم رمزية هذه الرئاسة”، و”أن يعمل المغرب على إفشال السعي الجزائري لإلغاء منح ‘إسرائيل’ صفة المراقب في الاتحاد الإفريقي”، والاهم من كل ذلك يرى عبد الحي، ان الكيان الاسرائيلي يعطي اهمية قصوى لعلاقته بمملكة المغرب لما تقوم به الاخيرة من “مهمة التجسس على الأوضاع الداخلية في الجزائر وهو أمر توليه إسرائيل أهمية كبيرة”.
الجزائر وبطبيعة تاريخها الجهادي المشرف ضد المحتل الفرنسي وتاريخ تضحياتها الجسام من اجل استقلالها ترفض وبقوة تطبيع العلاقات مع كيان محتل مغتصب لارض عربية اسلامية ولا يمتلك اي صفة شرعية في كينونة وجوده الاستعماري الطارئ، وبذلك يشكل موقف الجزائر الدبلوماسي والسياسي مانعا من تعميق تغلغل “اسرائيل” في المنطقة، لذا يعمل الكيان الاسرائيلي جاهدا من اجل توظيف مملكة المغرب كريكزة للتوغل للشمال الافريقي ولاضعاف الجزائر وحكومته.
وخير تعبير عن المواقف الجزائرية المشرفة ما قاله وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة في مقابلة مع صحيفة ‘القدس العربي’ أواخر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، ان بلاده “اصبحت تشعر الآن أنها دولة في مواجهة مع الكيان الصهيوني الذي كنا نرسل قواتنا لقتاله مع الأشقاء العرب، بعد أن أصبح على حدودنا ويوقع اتفاقات عسكرية وأمنية واستخباراتية مع الجار والأخ والصديق”.
وكالات