لا يزال صدى إقالة رئيس هيئة مكافحة الفساد عماد بوخريص يتردد في الشارع التونسي، لاسيما أن متابعين للشأن السياسي في البلاد يرجحون وجود نية لتجميد عمل الهيئة بسبب التجاذبات السياسية التي امتدت إليها.
ولطالما كانت الجهود الرامية لمقاومة الفساد محل جدل بسبب نتائج حملة الدولة للقضاء على الظاهرة التي تنامت بعد انتفاضة 14 يناير 2011، لكن اليوم بدا واضحا أن الصراع بين الرئاسات الثلاث قد شمل تلك الحملة وبات يهدد بتقويضها في ظل الصراع على هيئة مكافحة الفساد.
وعكس استقبال الرئيس قيس سعيد لرئيس الهيئة المقال القاضي عماد بوخريص ذلك الصراع، حيث وجه سعيد اتهامات واضحة للمشيشي ومن ورائه حزامه البرلماني والسياسي بتعمد استبعاد كل من يكافح الفساد.
وقال سعيد في لقائه ببوخريص إنّ “إعفاءه كان متوقعًا لأنه أثار جملة من القضايا وقدم جملة من الإثباتات المتعلقة بعدة أشخاص”.
لكن ما أعقب قرار الإقالة من تحركات سلط الضوء مجددا على وجود إرادة سياسية من عدمها في مكافحة الفساد، لاسيما أن الهيئة الموكولة إليها هذه المهمة أضحت ميدانا جديدا للتجاذبات السياسية.
والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد أُحدثت في 14 نوفمبر 2011، وتتولى اقتراح سياسات لمكافحة الفساد وإصدار مبادئ توجيهية عامة، كما تبدي رأيها في مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بمكافحة الفساد.
وتجمع الهيئة البيانات المتعلقة بالفساد وتسهل الاتصال بين الجهات الفاعلة وتنشر ثقافة مكافحة الفساد.
ولا تحل الهيئة محل أي هيكل رقابي آخر قائم لأنها تتلقى الطلبات والمعلومات المتعلقة بقضايا الفساد، وتحقق فيها ويجب عليها إحالتها إلى العدالة.
وأرغم مؤخرا قرار مجلس القضاء العدلي الذي أنهى إلحاق القضاة العدليين بالمؤسسات العليا للدولة هشام المشيشي على تعيين الكاتب العام لهيئة مكافحة الفساد أنور بن حسن رئيسا للهيئة في خطوة أثارت جدلا.
وجاء ذلك بعد أن كان المشيشي قد عين القاضي عماد بن الطالب خلفا لعماد بوخريص “الذي دُعي إلى مهام أخرى”، حسب ما جاء في بيان لرئاسة الحكومة التونسية.
ويرى مراقبون أن هناك إرادة سياسية لوضع حد لعمل الهيئة الذي قد يُحرج الطبقة السياسية التي تتستر على بعض الشخصيات النافذة في البلاد.
وقال المحلل السياسي محمد صالح العبيدي إن “ما تقوم به الحكومة من قرارات ارتجالية في علاقة بهيئة مكافحة الفساد يثبت أنها باتت مصدر قلق لها، ما يعني ضرورة وضع حد لها”.
وأضاف العبيدي في تصريح لـ”العرب” أن “الأمر لم يعد يتعلق بمساعدة الهيئة في القيام بمهامها، بل أصبحت هناك إرادة سياسية واضحة في التحكم في الهيئة ما يعني مباشرة مصادرة قراراتها وتوجيهاتها وحتى محاولة لإحداث فراغ داخلها على خلفية تواتر الحديث عن وجود ملفات هامة يمكن للهيئة أن تحركها، وهي ملفات لشخصيات نافذة معنية بها وهذه الشخصيات لديها حماية من أطراف سياسية، المفروض أن الهيئة مستقلة لكن اليوم أصبحت السلطة التنفيذية تتدخل فيها بشكل مبالغ فيه”.
وأوضح “هذه التدخلات في هيئة مكافحة الفساد تهدد بإجهاض الجهود الهادفة لوضع حد لظاهرة الفساد التي أصبحت بكل أسف تنخر كل المجالات”.
وكان رئيس الهيئة المُقال عماد بوخريص قد هدد في تصريحات سابقة أدلى بها في مارس الماضي بإحالة ملفات ثقيلة لسياسيين نافذين إلى القضاء وهو ما فاقم الجدل الذي أحاط بقرار إقالته، حيث رأت أوساط سياسية أن ذلك القرار مردّه خشية المساس بهؤلاء السياسيين.
وقال رابح الخرايفي الباحث في القانون الدستوري إنّ “تصريح رئيس الهيئة بوخريص بشأن ملفات السياسيين أزعج لوبيات الفساد في الحزام السياسي للحكومة الذي تحرك ليُقيله قبل أن يحيل هذه الملفات إلى القضاء”.
وأوضح أن ”هناك تقديرًا من اللوبي بأن الهيئة أصبحت أداة في يد رئيس الجمهورية لمكافحة الخصوم”.
وتابع “هناك فرضية أخرى مسكوت عنها وهي محاولة حشر رئيس الجمهورية مرة أخرى في الزاوية لمراكمة المشاكل لكي يبرز مرة أخرى كمعطل لعمل المؤسسات في حال رفض أن يؤدي رئيس الهيئة الجديد أداء اليمين أمامه”.
وبالرغم من سن العديد من التشريعات منذ 2011 في إطار حملة الدولة لمحاصرة الظاهرة إلا أن جهودها لم تنجح بعد في وضع حد لها.