يتخذ عشرات المهاجرين الأفارقة القادمين من جنوب الصحراء، زقاقا بطول 200 متر قبالة مبنى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالعاصمة تونس، مأوى لهم، في انتظار حل يأتي من الأمم المتحدة.
فريق الأناضول زار الزقاق، حيث أخبره المهاجرون الأفارقة أن السبل تقطعت بهم وأنهم لا يجدون حلا لوضعهم الراهن سواءً من قبل السّلطات التّونسية أو المنظمات الدّولية، وفق تعبيرهم.
وأغلب المرابطين أمام المبنى الأممي هم من السودان وليبيريا وتشاد وسيراليون ونيجيريا والصومال وإريتريا، فيما فضل البعض عدم الكشف عن بلدانهم الأصلية.
قليل من الخضر والمعجنات
يقول إيمانويل (اسم مستعار) وهو ليبيري يبلغ 24 عاما، قدم إلى تونس عبر ليبيا منذ نحو 4 أشهر، إن “الوضع في الأسابيع الأخيرة بات أسوأ من قبل، حيث تقلصت المساعدات من الجمعيات المدنية ومن التونسيين”.
وتابع في حديثه لمراسل الأناضول: “بعض النساء بالمكان يغادرن صباحا لطلب المساعدات على أرصفة الطرقات القريبة، ثم يشترين بعض الخضر والمعجنات التي لا تكفي لسد جوعنا”.
من جهته قال مامادو (اسم مستعار حفاظا على أمنه)، مهاجر تشادي في بداية العشرينيات، إن “الموجودين بالمكان لم يعودوا قادرين على التجول حتى لمئات الأمتار، ولا يوجد شيء يوحي بحدوث انفراج قريب لمأساتنا”.
إعداد جماعي للطعام
مساء كل يوم، يتجمع المهاجرون حول طاولات أو قطع خشب أو بلاستيك على الأرض، ويضعون ما تم جمعه من خضروات، يطبخونها ثم تضاف إلى بعض المعجنات.
رائحة الطعام المنبعثة من أواني الطبخ، تستدعى الحاضرين إلى وسط الزقاق، حيث ينقسمون إلى ثلاث مجموعات في انتظار الحصول على وجبة قد تكون الوحيدة في بعض الأيام الصعبة التي يعيشونها.
البعض الآخر يكتفون بالقليل وينطلقون إلى الساحة قبالة الزقاق، يمضون الوقت أو يتناسونه بلعب كرة القدم أو كرة السلة آملين في أن تساعد المقابلات مع الصحفيين في حل أزمتهم وإيصال أصواتهم.
إسماعيل.. شقيق التونسيين
بعد الدخول لخطوات قليلة في الزقاق، توجد خيمة لشخصين وسط “المخيم”، تتواجد داخلها خديجة من سيراليون قدمت من ليبيا منذ أربعة أشهر بعد وفاة زوجها في أبريل/ نيسان لدى محاولته تجاوز الحدود وصولًا إلى التراب التونسي.
تحمل خديجة (في بداية الثلاثينيات من العمر) رضيعا يبدو الأصغر سنا بالمكان بين 6 أطفال لم تتجاوز أعمارهم ثلاث سنوات.
قالت خديجة إن اسمه إسماعيل، وإنه وُلد بالزقاق في 10 يوليو/ تموز الماضي، أي أنه يبلغ شهرا وأسبوعين اثنين من العمر.
تقول خديجة عن رضيعها: “هو شقيق التونسيين وابن البلد الذي ولد به، من حقه أن ينال قدرا من الحماية وألا يحدث معه ما يحدث الآن”.
وأضافت: “في بعض الأيام الماضية أغادر الزقاق لطلب المساعدة والحصول على علبة حليب مجفف لأن الرضاعة لا تكفي الرضيع بسبب سوء التغذية”.
وأوضحت: “أطلب مساعدة صغيري الذي يجب على البلد أن يحميه ويعتبره من أبنائه، فهو صغير ولا يجب أن يدفع ثمن عدم قدرتي على توفير ما يحتاجه”.
“عين” الأمن
خلال الحديث إلى خديجة، لوحظ أنها وبقية الموجودين أصابعهم تحمل آثار حبر، وبالسؤال عن السبب قالوا إنهم بصموا على وثائق في المراكز الأمنية، قد تكون للتعريف بهوياتهم أو اعترافا منهم بالالتزام بمغادرة البلد في أقرب الآجال، دون تقديم توضيحات.
أحد العاملين بمبنى المفوضية الأممية قال للأناضول، إن التواصل مع الإعلام مرفوض من قبل المنظمة، لكنه أوضح أن الماكثين في الزقاق يتغيرون كل شهر إلى شهر ونصف، وأن المنظمة تساعد بتسهيل عودتهم إلى بلدانهم، ما عدا طالبي اللجوء من بلدان مثل السودان والنيجر وإريتريا.
طلبات لجوء كثيرة
وأشار المسؤول الذي رفض ذكر اسمه إلى أن “الطلبات تنهال على المنظمة سواء للجوء أو لتسهيل عودتهم إلى بلدانهم، إلا أن المساعدات من الجمعيات المدنية والمجتمع المدني تقلصت في الأشهر الماضية لأسباب غير واضحة”، بحسب تعبيره.
تطورات الأحداث في تونس بدأت بعد خطاب للرئيس قيس سعيّد في 21 فبراير/ شباط الماضي، دعا فيه إلى وضع حد لما قال إنه تدفق “أعداد كبيرة” من المهاجرين غير النظاميين من دول إفريقيا جنوب الصحراء إلى بلاده، معتبرا الأمر “عملا إجراميا يهدف لتغيير تركيبة تونس الديمغرافية”.
وفي وقت لاحق، أضاف سعيّد خلال لقاء بوزير الداخلية السابق توفيق شرف الدين إن “من يتحدث عن تمييز عنصري في تونس هو طرف يبحث عن الفتنة”، محذرا من المساس بالمقيمين في البلاد من دول إفريقيا بصفة قانونية.
في حديثه لمراسل الأناضول قال لامين (اسم مستعار)، مهاجر سوداني يبلغ 28 عاما: “وصلت إلى تونس من الجزائر منذ ستة أشهر، لا أعرف ماذا أفعل، فررت من الصراع في بلدي لأجد نفسي مهددا وغير آمن، لا أريد العودة وأطلب اللجوء”.
وتابع: “لست الوحيد الذي يمر بهذا الوضع، فكل الموجودين هنا والمئات بأماكن أخرى يستغربون صمت الجهات الرسمية في تونس، ونقص مساعدات المجتمع والمنظمات الدولية هنا”.
وأضاف المهاجر السوداني: “لا أملك حتى هاتفا للتواصل مع عائلتي قد يظنون أنني من ضمن غرقى المراكب التي نتابعها يوميا”.
وفي 12 يوليو/ تموز دعا وزير الداخلية التونسي كمال الفقي، المفوضية الأممية السامية لشؤون اللاجئين إلى “ضرورة دعم جهود الهلال الأحمر التونسي” في ملف الهجرة غير النظامية.
وبوتيرة شبه أسبوعية تعلن السلطات التونسية إحباط محاولات هجرة غير نظامية إلى سواحل أوروبا وضبط مئات المهاجرين، من تونس أو دول إفريقية أخرى.
وتعد محافظة صفاقس (جنوب) نقطة مهمة أمام المهاجرين غير النظاميين، للوصول إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية التي تبعد نحو 130 كيلومترا عن السواحل التونسية.
والشهر الماضي، تحدث سعيّد عن الوضع في صفاقس قائلا إن البلاد “لا تقبل أن يقيم على أراضيها من لا يحترم قوانينها، ولا أن تكون دولة عبور (باتجاه أوروبا) أو أرض توطين لمواطني دول إفريقية معينة”.
وذكر الرئيس التونسي أن “هناك شبكات إجرامية مسؤولة عن عمليات الهجرة غير النظامية إلى صفاقس”، بحسب بيان للرئاسة التونسية.
وتتعرض تونس لضغوط أوروبية متصاعدة لممارسة المزيد من الرقابة على شواطئها ومنع قوارب الهجرة من المغادرة.
الأناضول