قال الباحث الأمريكي الشهير جيمس دورسو، أن هناك عدة أسباب تجعل واشنطن مجبرة على توطيد العلاقات مع الجزائر، باعتبارها دولة محورية في سوق الطاقة وكذا في ترسيخ السلام بالمنطقة، رغم مواقفها كبلد مستقل في سياسته الخارجية.
وكتب الباحث مقالا في موقع “أويل برايس” المتخصص في الطاقة إن: الجزائر مستعمرة فرنسية سابقة ومنتج رئيسي للنفط والغاز الطبيعي وتصدر 85٪ من غازها إلى أوروبا. ترسم الدولة مسارًا مستقلاً، ولا تتدخل في الشؤون المحلية، ولها علاقات وثيقة مع روسيا والصين. الجزائر من أشد المنتقدين لإسرائيل ، وعارضت الغزو الأمريكي للعراق في 2003 و 2011 تدخل حلف شمال الأطلسي في ليبيا، وشجبت اتفاقات إبراهيم، التي اعترفت بادعاء المغرب المجاور سيطرته على الصحراء الغربية، وتحافظ على علاقات مع حكومة الأسد في سوريا.
وحسب دوسو وهو ضابط متقاعد من البحرية الأمريكية، وباحث في عدة مراكز دراسات: وفقًا لخدمة أبحاث الكونجرس الأمريكية، “تمتلك الجزائر المرتبة 11 – و16 – أكبر احتياطيات مؤكدة من الغاز الطبيعي والنفط في العالم، على التوالي، وكانت عاشر أكبر منتج للغاز الطبيعي اعتبارًا من عام 2019. وثالث أكبر احتياطيات الغاز الصخري القابلة للاسترداد”.
وأضاف: تمتلك الجزائر رابع أكبر اقتصاد في إفريقيا بإجمالي ناتج محلي 2021 بقيمة 167.98 مليار دولار. وارتفع دخل النفط والغاز بنسبة 70٪ في النصف الأول من عام 2022، ومن المتوقع أن يصل دخل الطاقة إلى 50 مليار دولار بحلول نهاية العام.
وشدد: أفاد البنك الدولي أن الاقتصاد الجزائري “توسع بنسبة 3.9٪ على أساس سنوي خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2021، بعد الانكماش بنسبة 5.5٪ في عام 2020″، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى زيادة الطلب الأوروبي على الغاز. وتمثل الهيدروكربونات 95 في المائة من عائدات التصدير وحوالي 40 في المائة من الدخل الحكومي.
وحسبه، بدأت علاقة الجزائر مع الولايات المتحدة ببداية بطيئة في الستينيات لكنها كانت إيجابية بشكل عام. في الخمسينيات من القرن الماضي، ودعمت إدارتا ترومان وأيزنهاور فرنسا في الجزائر، لكن الرئيس كينيدي أيد استقلال الجزائر.
وحسب الكاتب، فشلت عقلية أمريكا “إما أن تكون معنا أو مع الإرهابيين” في مراعاة التعاون السابق والعلاقات الإيجابية. يبدو أن واشنطن غير قادرة على تصديق أن أمة ما قد تفضل رعاية مصالحها الخاصة أولاً، وترى أن أي إحجام عن وضع نفسه في موضع عبودية لأمريكا هو انحياز لعدو اليوم.
على سبيل المثال، فشل البنتاغون في تجنيد فيتنام كحليف عسكري ضد الصين، متناسيًا، أو اختار تجاهل، أن معارك فيتنام الأخيرة من أجل التحرير، أولاً من فرنسا، ثم من أمريكا، قد تدفع البلاد ضد خيار التحالفات العسكرية.
وتساءل: إذن، لمن يعمل أعضاء الكونجرس الأمريكي؟
وأوضح: قد يكون لديهم قلق مشروع بشأن العائدات التي تحصل عليها روسيا من الجزائر، على الرغم من أن صفقة الأسلحة بقيمة 7 مليارات دولار تتضاءل بجانب الأموال غير المحدودة التي تمنحها واشنطن لكييف. يمكن أن يكونوا يروجون لمقاولي الدفاع الأمريكيين للاستيلاء على المبيعات الجزائرية، على الرغم من أن توقع قيام الجزائر بتخريب مخزونها بالكامل من المعدات الروسية هو نفس تفكير التمني الذي قرر أن تكون فيتنام حليفًا للولايات المتحدة ضد الصين المجاورة.
وشدد: تعود علاقات الجزائر مع موسكو إلى الخمسينيات عندما قدم الاتحاد السوفيتي المساعدة للجزائر في حربها من أجل الاستقلال، وفي عام 1960، وكان السوفييت أول من اعترف بالحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية.
وحسبه، لاحظت الجزائر بلا شك أن الولايات المتحدة هددت مؤخرًا بقطع الدعم عن المملكة العربية السعودية، أكبر زبائنها للأسلحة، عندما اختلفت مع تكتيكاتها في اليمن. وفي عام 2013 ، أبطأت واشنطن تسليم طائرات الهليكوبتر إلى الحكومة العسكرية المصرية التي أطاحت بحكومة الإخوان المسلمين برئاسة محمد مرسي. لذا لابد أن الجزائر تفكر حول ما إذا كانت هذه هي الطريقة التي يعامل بها الأمريكيون أصدقائهم …
وقال: قد يعتقد السياسيون الأمريكيون أنهم يدافعون عن إسرائيل، على الرغم من أن دفاع الجزائر عن القضية الفلسطينية وهذا ليس جديدا.
وشدد: نأمل أن تحتكم واشنطن إلى العقل ولن تنفر من دولة يسعى الاتحاد الأوروبي معها إلى “شراكة استراتيجية طويلة الأمد” للغاز الطبيعي والكهرباء. وتسعى فرنسا لإصلاح العلاقات من خلال التعاون الاقتصادي، رغم أن الصين الآن أكبر شريك تجاري للجزائر.
وتابع: إذا كانت أوروبا تتوقع المزيد من الطاقة من الجزائر أو أي مكان آخر في إفريقيا، فقد تضطر إلى تكديس بعض الأموال لتمويل التوسع في الإنتاج، أو المشاركة في خط أنابيب الغاز عبر الصحراء بطول 1500 ميل والذي سيرسل الغاز النيجيري إلى أوروبا عبر الجزائر.
وحسبه، إحدى الدول التي ستستثمر في الجزائر هي الصين، وقد تتعلم أوروبا معنى “الدفع مقابل اللعب”.
وشدد: ستنسق الجزائر خططها التنموية الوطنية مع مبادرة الحزام والطريق الصينية، وأعلن البلدان توقيع الخطة الخمسية للتعاون الاستراتيجي الصيني الجزائري الشامل (2022-2026).
وفقًا لذلك، فإن أي استثمارات في مجال الطاقة من قبل بكين ستكون حصريًا لصالح الصين. وتعمل الصين الآن على تطوير ميناء الحمدانية المركزي في الجزائر، وهو أكبر وأول ميناء للمياه العميقة في الجزائر وثاني ميناء للمياه العميقة في إفريقيا.
كما ساعدت الصين في استكمال الطريق السريع بين الشرق والغرب الذي يبلغ طوله 750 ميلاً والذي يربط الجزائر بالمغرب وتونس المجاورتين، وتعمل حوالي 1000 شركة صينية في الجزائر، وقد سهلت طريقها إلغاء متطلبات قاعدة “51/49”.
وأوضح: يمكن لواشنطن أن تسبب الكثير من المشاكل، لكن الجزائريين سيلاحظون أن غزوها للعراق تحت ذرائع كاذبة، والهجوم على نظام القذافي في ليبيا المجاورة ، زعزع استقرار المنطقة ، وحفز تدفق اللاجئين الذي زعزع استقرار أوروبا فيما بعد.
وأكد أن: جهود أمريكا الفاشلة في المنطقة ستثبت أنها تنبيه للجزائريين والعرب الذين عانوا كل الألم ولا مكسب من تدخلات واشنطن، بمساعدة شريكها الأصغر، أوروبا.
لكن في الواقع ، قد تكون أوروبا مدافعًا فعالًا عن الجزائر في واشنطن، إذا تمكنت من جعل الإدارة تفهم أن مصلحة أمريكا في أوروبا آمنة يخدمها على أفضل وجه أن تكون الجزائر ودية مع الولايات المتحدة ولكنها مستقلة، وتسعى فقط للتقدم بنفسها من خلال علاقات الاحترام المتبادل مع الشركاء العمليين.
الخارجية الأمريكية: الجزائر رائدة إقليميا في تعزيز الأمن والاستقرار
ومطلع نوفمبر 2022، أكدت الخارجية الأمريكية، أن واشنطن مستعدة لتعزيز التعاون والشراكة مع الجزائر في مختلف المجالات باعتبارها دولة رائدة إقليميا في تعزيز الاستقرار والأمن
وجاء ذلك في بيان لمكتب الشرق الأدنى بالخارجية الأمريكية بعد لقاء نائبة مساعد وزير الخارجية الرئيسية ياعيل لمبرت بوزير الخارجية رمطان لعمامرة على هامش مشاركتها في افتتاح أشغال القمة العربية.
وجاء في البيان: تفخر الولايات المتحدة بشراكتها مع الجزائر، الرائدة الإقليمية في تعزيز الاستقرار والأمن.. التقت نائبة مساعد وزير الخارجية الرئيسية ياعيل لمبرت مع وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة لتعزيز الشراكة طويلة الأمد والعلاقات الثقافية وتوسيع التعاون في المصالح المشتركة.
ويوم 5 أكتوبر 2022، أكدت سفيرة الولايات المتحدة إليزابيث مور أوبين، أن علاقة واشنطن بالجزائر “قوية ومتنامية”، في رد غير مباشر على قضية أعضاء الكونغرس، الذين رفعوا لائحة لوزير الخارجية بشأن ما سمي مشتريات السلاح الروسي.
ونشرت أوبين تغريدة عقب لقائها وزير الخارجية رمطان لعمامرة جاء فيها: يسعدني دائمًا مقابلة وزير الخارجية رمطان لعمامرة ومناقشة العلاقة الثنائية القوية والمتنامية بين الولايات المتحدة والجزائر .
ويعد هذا التصريح أول رد رسمي أمريكي، من مسؤولة في الخارجية الأمريكية، على رسالة السناتورات، بالتأكيد على حرص بلادها على علاقة قوية مع الجزائر.
وتجاهلت الجزائر هذه اللائحة من السيناتورات، الذين تحركهم لوبيات معروفة بعدائها للجزائر، حيث لم يصدر أي رد رسمي حولها.
ويوم 22 سبتمبر 2022، وصفت ويندي شيرمان، نائبة وزير الخارجية الأميركي، علاقات الولايات المتحدة الأمريكية مع الجزائر بـ “المتينة والدائمة”.
ونشرت شارمان تغريدة حول لقاء جمعها بوزير الخارجية رمطان لعمامرة على هامش أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة جاء فيها “كان شرف لي لقاء وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، للحديث عن قضايا الأمن الإقليمي وحقوق الإنسان وشراكتنا الإقتصادية، أتطلع إلى مواصلة تعميق علاقتنا القوية والمستدامة”.
ويوم 21 سبتمبر 2022، وصفت الخارجية الأمريكية، الجزائر بأنها شريك قوي لواشنطن من أجل تعزيز السلام والاستقرار في المنطقة وفي القارة.
ونشرت الخارجية تغريدة عقب لقاء بين وزير الخارجية رمطان لعمامرة ومساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى السفيرة باربرا ليف بنيويورك جاء فيها: الجزائر شريك قوي للسلام والاستقرار في المنطقة وفي القارة.
وحسب الوزارة فإن لقاء ليف مع لعمامرة على هامش أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة كان “لمناقشة التعاون بين الولايات المتحدة والجزائر بشأن الاستقرار الإقليمي والسلام وقمة جامعة الدول العربية المقبلة”.