لم ينته الجدل في تونس بشأن مشروع اتفاقية صندوق قطر للتنمية، والتي وصفتها المعارضة بأنها تمس بالسيادة التونسية.
وترى الأحزاب المعارضة في البرلمان أن ما تضمنه الاتفاقية يمس بالسيادة التونسية، فيما فسرها أحد البرلمانيين بأنها ليست اتفاقية دولية حتى ينظر فيها البرلمان التونسي، وأن هذا الإجراء غير دستوري.
فيما يرى البعض أن الرئيس التونسي يمكنه رفض التوقيع على الاتفاقية، كما يمكن الطعن عليها من قبل 30 نائبا لعدم دستوريتها، رغم التصويت عليها في الجلسة العامة.
من ناحيته قال البرلماني التونسي حاتم المليكي، إن العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع قطر وكل الدول العربية الشقيقة مرحب بها وتتفاعل معها إيجابيا.
وأضاف في حديثه لـ”سبوتنيك”، أن الاتفاقية أمضيت من الجانب القطري من طرف المسؤول على صندوق التنمية القطري، وهو مؤسسة حكومية وليست دولة، مما ينزع عنها طابع الاتفاقية الدولية التي تستوجب إمضاء ممثلين عن الدولتين.
وأضاف في حديثه لـ”سبوتنيك” أن الاتفاقية لا يمكن أن تتضمن امتيازات غير مطابقة للقانون التونسي، خلافا للاتفاقيات الدولية التي تتجاوز قيمتها القانونية قوانين الدولة التونسية.
وأوضح أنه بالتوازي وبالنظر لكونها لا تكتسي طابع الاتفاقية الدولية، فلا يجوز للبرلمان التونسي النظر فيها، أو المصادقة عليها، وأن جلسة المصادقة التي أجراها البرلمان تعتبر غير دستورية ووجب الطعن فيها.
من ناحيتها قالت الحقوقية التونسية وفاء الشاذلي، إن الاتفاقية وقع عرضها على المجلس الوزاري عام2018 لكنه رفضها، لأنها ليست في صالح تونس.
وأضافت في حديثها لـ”سبوتنيك” أن الاتفاق أحيل مجددا في العام 2019، ووقعت الحكومة عليها في ظل معارضة من بعض الوزراء، إلا أنه كان لا بد من مصادقة البرلمان عليها.
وأوضحت أنه بتاريخ 12يونيو 2019 وقع وزير التنمية والاستثمار زياد لعزاري من الجانب التونسي ومدير عام الصندوق القطري للتنمية خليفه بن جاسم الكواري، على الاتفاق بهدف تمويل مشاريع تنموية، في مجالات الطاقة والتربية والتكوين والبحث العلمي والصحة، الفلاحة، الموارد الطبيعية، الصيد البحري، السياحة، السكن، الصناعة، وتكنولوجيا الإعلام والاتصال، التمكين الاقتصادي.
بحسب الحقوقية التونسية فإن الفصل السادس ينص علي أن مكتب صندوق قطر للتنمية، له الحق في التعاقد واكتساب الأموال المنقولة وغير المنقولة والتصرف فيها، ويمكنه أيضاً المشاركة كشركات أو صناديق استثمارية تابعة له وفقاً للتشريع التونسي، وهو ما يعني إمكانية تملك عقارات فلاحية دون رخصة.
وينص الفصل الثامن بحسب الشاذلي، على أن ممتلكات المكتب وأمواله ثابتة كانت أو منقولة، يتم إعفاءها من الضرائب المباشرة وغير المباشرة، ويتم إعفاءها من الرسوم الجمركية والأداءات المستوجبة عند الاستيراد والتصدير، إضافة لإعادة تصدير المواد التي لم يقع استخدامها دون دفع أي رسوم أو أي أداءات بحرية.
أما الفصل التاسع فيعطي الصندوق حق “استرجاع القروض ومصاريف التشغيل غير المستعملة مع الفوائد بالدولار الأمريكي، وللصندوق أن يقوم بتحويلها من الجمهورية التونسية إلى أي دولة أخرى أو أي عملة أخرى دون قيد أو شرط مع مراعاة الإجراءات البنكية العادية”.
وترى أن الاتفاقية ناقضت الفضل الخامس من القانون التونسي للاستثمار لعام 2016، من الناحية القانونية، حيث ينُص بحرية المستثمر في امتلاك العقارات غير الفلاحية واستغلالها لإنجاز عمليات الاستثمار المباشر، أو مواصلتها مع مراعاة مجلة التهيئة الترابية.
وأشارت إلى أن المعضلة تكمن في أن مقر صندوق قطر للتنمية نص في أحد فصوله على أن الدولة التونسية ليس لها حق الاعتراض على الاستعانة بالجانب القطري بأي شريك أجنبي في عملية الاستثمار وتمويل المشاريع.
بما يعني أنه يمكن الاستعانة بأعداء تونس، وقد يفتح هذا الباب أمام المستثمرين الذين تعتبرهم تونس أعداءً لها، وربما تنظر لهم أنهم أتو بمنطق تدمير البنية ونسيج تونس وضرب الأمن والاستقرار بين الدول.
ونددت الشاذلي بما يمكن أن يترتب على الاتفاقية من خلال السماح لأي أجنبي دون أن توافق عليه الدولة التونسية، أو تبدي رأيها وهو ما يمس بالسيادة التونسية بشكل صارخ.
وشددت على أن بعض الترتيبات دوبرت بليل، وأن البعض يريدون الدخول إلى تونس من خلال هذا الصندوق، والسعي لضرب السيادة الوطنية التونسية.
وبحسب الشاذلي فإن الاتفاقية تريد أن تدخل مشاريع ليس للدولة التونسية الحق في الاعتراض عليها، وأن الصندوق قد يستثمر في أشياء تُضر الدولة التونسية.
ومضت بقولها: “بعض الأطراف تدعي أنها وقع الاعتداء عليها، وأنها ضد تمرير هذه الاتفاقية، وبهذه الطريقة يكونوا شحنوا المناخ بالعنف، وشاركوا بعضهم البعض في مسرحية سيئة الإخراج، حتى يتم التصويت عن بعد، ويمنعوا عملية النقاش لهذه الاتفاقية وبذلك تمر مرور الكرام”.
ويعمل مكتب صندوق قطر بتونس منذ عام 2016 بمقتضي مذكرة تفاهم، إلا أن العمل عبر اتفاقية دولية يعني أن لها قوة قانونية بعد الدستور، بحسب الشاذلي.
ومضت بقولها: “الإشكالية أن تصبح قوتها وإلزامها القانوني أقوي حتي من القوانين الأساسية، ومن هذه القوانين الأساسية ما يمنع تمليك الأجانب للأراضي الفلاحية، وهو ضرب للجلاء الزراعي الذي سنته تونس في عهد الراحل الحبيب بورقيبة، وقد تم طرد المستعمر الفرنسي ومنعه من تملك الأراضي الزراعية، فعندما نقول جلاء زراعي “فهذا الجلاء تم بدم التونسيين” واليوم تريد حركة النهضة ومعارضيها بالسر من تمرير اتفاقية استعمارية بامتياز، وذلك يذكرنا بالجلاء الذي تم بتونس 1964.
كما لفتت إلى أن “منح الاتفاقية امتياز عدم التقاضي أمام القضاء التونسي هو ضرب للقانون التونسي، وهو ما يطرح تساؤلات هامة، فهل تعتبر تونس القضاء غير مؤهل للنظر في القضايا التي تنتج عن ممارسة نشاطهم على ترابنا التونسي؟… هذه الاتفاقية “نعتبرها اتفاقية خيانة”.
وطالبت بضرورة أن ينخرط رئيس الدولة في ما وصفتها بـ “المؤامرة”، حيث يعول على حسه الوطني قبل السياسي في رفض هذه الاتفاقية.
ومضت بقولها : “ننتظر الآن الرئيس عدم المصادقة عليها من قبل الرئيس وهذا بإمكانه من الناحية القانونية، كما بإمكان الرافضين من الكتل أن يعترضوا ويطعنوا بعدم دستوريتها أمام هيئة مراقبة القوانين، بمعني أنه يمكن لثلاثين عضواً الطعن فيها وتمرير عريضة إلي مكتب المجلس للرفض لعدم دستوريتها، وتمر إلي هيئة دستورية القوانين للنظر فيها”.
وتعود الاتفاقية المثيرة للجدل تعود إلى عام 2016، عندما منحت قطر 250 مليون دولار لتونس للمساهمة في تمويل مشاريع تنموية، وتم توقيع مذكرة تفاهم آنذاك بخصوص إنشاء مكتب لصندوق قطر للتنمية بتونس وهو ما رفض البرلمان التونسي التصويت له في 2019.
سبوتنيك