موقع المغرب العربي الإخباري :
وفقا لوثيقة حصلت عليها قناة الميادين، ستسعى الحكومة الجزائرية لجعل القمّة العربية المقبلة التي ستُعقد في العاصمة الجزائر، قمّة فلسطين، والدفاع عن القضية الفلسطينية، وإخراجها من دوامة الاشتباك العربي، وتضيف الوثيقة، أن القمة ستعمل على رأب الصدع في جدار العمل العربيّ المشترك، وبثّ روح العمل العربي المشترك، وعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، كما ستعمل القمة على الدفع بالتعاون العربيّ الأفريقيّ لتحصين القارة الأفريقية من التمدّد الإسرائيليّ، ودعم القضايا العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، بالرافعة الأفريقية وحلّ الأزمة الليبيّة..
بداية ينبغي التسليمُ بحسن طوية القيادة الجزائرية، وبأنها تكدُّ وتجتهد لعد قمة عربية تكون في مستوى تطلعات الجماهير العربية، وتحقق الآمال المعروضة عليها، لكن الرغبات المرجوة من القمة شيء، والوقائع العنيدة في الأرض، والتي قد تكبِّلُ القمة، وتحول دونها وتحقيق المرامي المبتغاة منها، شيء آخر، فالأمر يتجاوز إرادة الدولة الجزائرية، ولا يحقُّ حصرُ المشاكل التي قد تواجه القمة، في الدولة الجزائرية لأنها الجهة المنظمة للقمة، مشاكلُ القمة المقبلة تتجاوز الجزائر كدولة لوحدها، وهي تهمُّ جميع الدول العربية، وقد تكون من نصيب أي دولة عربية انعقدت القمة في هذه الظروف لديها.
فبقراءة متأنية للوثيقة المسربة عن المتوقع من القمة، لا يملك المرء إلا أن يتساءل، أي فلسطين تقصد الوثيقة الجزائرية التي ستكون القِمَّةُ العربيةُ، قمَّتَها؟؟ فنحن لدينا حاليا قيادتان فلسطينيتان، واحدة في رام الله برئاسة محمود عباس، والثانية في قطاع غزة يرأسها إسماعيل هنية، وفشلت جميع الوساطات في إنهاء الانقسام الفلسطيني، وليس هناك ما يؤشر على أن القمة ستنهيه.
ويبدو جليا أن القمة العربية ستقفز على هذا الانقسام، وستقدم الدعم لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وستنفض الغبار عنه، وستجدد له الشرعية، وتوفر له الغطاء اللازم للاستمرار في نهجه التفاوضي الذي يمضي فيه منذ ما يقرب الثلاثين سنة، دون الحصول على أي نتيجة، عدا ضياع الجزء الأعظم من الضفة الغربية التي غزتها المستوطنات، في غمرة التفاوض الذي لا يجدي، ولن ينتهي..
ففي الاتصال الهاتفي الذي أجراه في شهر يونيو الفائت، رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، بالرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ليقدم له التهاني بنجاح الانتخابات الجزائرية وتشكيل الحكومة، وجرى الاتصال، في أجواء الإعداد لمؤتمر القمة العربي بالجزائر، يبدو أن الرئيس الجزائري أدرك الغاية من المكالمة الهاتفية، فبادر إلى طمأنة عباس بالقول: (( الجزائر ستواصل الحفاظ على تعاملها مع فلسطين من خلال بوابة الشرعية الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس)). وطبعا سيكون هذا هو السقف الذي ستنعقد تحته القمة، ومن المؤكد أن القادة العرب الذين سيجتمعون في قمتهم بالجزائر لن يتجاوزوه، بل سيباركونه..
وإذا كانت القمة العربية ستَختصِرُ فلسطين، في رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وكأنها أضحت حكرا عليه، ومع الفساد الذي ينخر دواليب هذه السلطة، والقمع المنهجي لكل صوت معارض لخياراتها، القمع الذي بات ديدن أجهزتها البوليسية في تنسيقها الأمني مع أجهزة الكيان الصهيوني، وإذا كانت القمة ستتجاهل الإنجازات التي تحققها المقاومة في الأرض، وتضرب صفحا عنها، فإنها ستصبح، عمليا، قمةَ لتكريس الفساد في الإدارة الفلسطينية، والقمع في مؤسساتها الأمنية، والخيار الاستسلامي الفلسطيني..
والأخطر هو أنه سينتج عن قرار القمة هذا، تزكيةٌ لاستمرار الحصار على المقاومة وخنقها، لأن تجديد شرعية عباس، وتقوية موقفه، ونفوذه، يؤدي إلى أن يظل رئيسا للسطلة وممعنا في تعنته، وتشدُّدِهِ أمام خصومه، والمناوئين له من الفلسطينيين، الذين هم المقاومون، وهنا ستلتقي القمة العربية، مع ما تخطط له وتنفذه في الأرض تل أبيب وواشنطن، في حرصهما على بقاء عباس في منصبه..
يتمنى المرء التوفيق للقمة العربية في مسعاها الرامي إلى عودة سورية إلى الجامعة العربية، لكن هل جميع الدول العربية مع هذه العودة؟ هل الذين أنفقوا عشرات المليارات من الدولارات من أجل تغيير النظام الحاكم في دمشق، وعجزوا عن ذلك، مستعدون لقبول عودة بشار الأسد إلى مقعد سورية في الجامعة، وأن يصافحوه، ويجالسوه، ويتبادلون وإياه الرأي والمشورة، بتلقائية وصفاء ومودة، وكأن لاشي وقع؟ أليس في ذلك إقرار صريح منهم بالعجز والهزيمة؟
إننا نعاين الآن أن كل محاولات الانفتاح من جانب بعض العواصم العربية على العراق، واللقاءات التي تُعقد مع حكامه، يكون على رأس أولويات أهدافها، إبعاد العراق عن إيران وسورية، فكيف لمن لا يزال يعمل على عزل العراق عن سورية، القبول بعودة دمشق إلى جامعة الدول العربية، وأن تصبح في الحضن العربي؟
وإذا افترضنا أن الدول العربية وافقت على أن تعود سورية إلى الجامعة؟ هل ستقبل بذلك الولايات المتحدة الأمريكية وتسمح بحدوثه؟ فليس خافيا أن العديد من الدول العربية النافذة في الجامعة، تتلقى التعليمات من واشنطن، ولا تتخذ القرارات المهمة إلا إذا حصلت على الضوء الأخضر من البيت الأبيض، وواضح أن الإدارة الأمريكية، وبتحريض من الدولة العبرية، ليست موافقةً لحدود الساعة على العودة السورية للجامعة، ويشهد على ذلك قانون قيصر، بل لقد أعربت الإمارات العربية المتحدة عن رغبتها في إعادة علاقاتها الدبلوماسية الكاملة والعلنية مع سورية، ولكن بضغط من واشنطن، أعادت أبو ظبي هذه العلاقات، في حدودها الدنيا، وفي جنح الظلام، من غير أن ترافقها بتغطية إعلامية، وبإجراءات وتدابير مالية لإنعاش الاقتصادي السوري المختنق بالتدمير والحصار الغربي الأمريكي.
تشير الوثيقة إلى أن القمة العربية ستعمل على رأب الصدع في جدار العمل العربيّ المشترك، لتحقيق التضامن العربي المأمول لدعم القضية الفلسطينية، لكن، لقد اجتمع العرب في مؤتمر القمة ببيروت، واتفقوا متضامنين بالإجماع على المبادرة العربية التي جعلت التطبيع مرهونا بالانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة سنة 1967، والإقرار بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وعلى رأسها إنشاء دولته المستقلة، لكن العديد من الدول العربية خرقت مبدأ التضامن هذا، وهرولت للتطبيع مع الكيان الصهيوني، فهل ستُلزِمُ القمة العربية المنعقدة في الجزائر الدول المطبعة بالتراجع عن التطبيع؟؟ لا أظن أن الأمر ممكن. فأي مضمون سيكون لأي عمل عربي مشترك بعد القمة، وقراراتها الصادرة عنها لا يتم التقيد بها؟؟
تطمح القمة العربية المرتقبة تبعا للوثيقة المنشورة إلى (( الدفع بالتعاون العربيّ الأفريقيّ لتحصين القارة الأفريقية من التمدّد الإسرائيليّ، ودعم القضايا العربية))، ينبغي أولا أن يوجد تعاون عربي/ عربي، وعَقِبَهُ يجوز لنا الحديث عن تعاون عربي إفريقي، ويتعين أن يكون المجال العربي مغلقا بالكامل في وجه إسرائيل، وحينئذ يمكن للعرب الانتظار من الأفارقة إغلاق أبوابهم أمام الإسرائيليين، أما إذا كانت دول عربية عديدة ووازنة تطبِّعُ مع الكيان الصهيوني، وتفتح سفاراته في عواصمها، وسفاراتها في عاصمته، وتبرم معه صفقات ومشاريع اقتصادية بمبالغ مالية خيالية، فكيف نريد وقتها نحن العرب من دول إفريقية، ربما أفقر منا، رفض التطبيع مع الدولة العبرية، خصوصا إذا كان التطبيع معها، سيتيح لهذه الدول إمكانية الحصول على دعم مالي من أمريكا وأوروبا؟؟؟
استنادا للوثيقة المذكورة، تريد القمة العربية حل الأزمة الليبية، لكن من الذي خلق هذه الأزمة؟ أليسوا العرب هم الذين أعطوا الضوء الأخضر عبر جامعتهم العربية إلى الناتو لتدمير ليبيا وبثِّ الفوضى الدموية المرعبة في ربوعها؟؟ فكيف للذين دمروا ليبيا وسلموها للمجاميع التكفيرية الإرهابية تعيث فيها فسادا أن يحلُّوا أزمتها؟
ثم لماذا الوقوف عند الأزمة الليبية بمفردها؟ لماذا لا تتناول القمة المرتقبة الأزمة اللبنانية؟ ألا يعيش لبنان واحدا من أبشع الكوارث الاقتصادية بسبب الحصار الأمريكي المفروض عليه، لأن لديه مقاومة هزمت الكيان الصهيوني، وباتت موسا في حلقه، لا هو قادرٌ على رميها ولا بلعها؟ لماذا لم تدرج القمة الوضع الاقتصادي اللبناني الكارثي ضمن أولوياتها؟ ولماذا تمارس دول عربية معروفة نفوذها في لبنان لمنعه من تشكيل الحكومة؟
وماذا عن الأزمة التونسية؟ هذا البلد العربي الذي كان شعبه السباق لإنجاز الثورة، وعبّر بعد نجاحها في إسقاط بنعلي عن تمسكه بعروبته ودينه الإسلامي، ومساندته للقضية الفلسطينية، ألا يستحق هو كذلك أن يكون محط اهتمام القمة العربية في هذه الظروف السياسية والمالية الحرجة التي تمر منها تونس، لمساندتها من أجل تجاوز مشاكلها؟؟ وماذا عن الأزمة اليمنية؟ أليست أرض اليمن هي منبع العرب وأصلهم، ومنها انتقلوا إلى جهات مختلفة من الجغرافية العربية؟ ألا يعتبر شعبها واحدا من أكثر الشعوب العربية إخلاصا للقضية الفلسطينية ولكل القضايا العربية والإسلامية؟ هل تمَّ التسليم بأن الوضع اليمني المفجع يظل على حاله، دون اهتمام من القمم العربية؟؟
ولا داعي للتذكير بالأزمة القائمة حاليا في العلاقات المغربية الجزائرية، وهل سيشارك المغرب في مؤتمر القمة المنعقد بالجزائر، أم أنه سيغيب عنها، لأن علاقاته مقطوعة بالبلد الذي ينظم القمة؟ وألا يخيم هذا الغياب على أشغال المؤتمر، ويشير إلى أن الصدعَ لا يزال قائما في جدار العمل العربي المشترك، الصدعُ الذي رفعت القمةُ رأبَهُ عنوانا لها؟؟؟
كاتب مغربي
انسخ الرابط :
Copied