يعتبر المسجد الأعظم أو ما يعرف بجامع الجزائر الكبير، واحدا من أهم الإنجازات المحققة في تاريخ الجزائر المستقلة، والتي تحتفل هذه السنة، بالذكرى الستين لاستقلالها، ليس بسبب حجمه والمرافق التي يتوفر عليها، كونه يعد ثالث أكبر مسجد في العالم، بعد الحرمين ” المكي والنبوي” بل لرمزيته التاريخية، واختيار مكان انجازه في منطقة المحمدية بالجزائر العاصمة، التي كانت خلال فترة الاحتلال الفرنسي تعرف باسم “لافيجري” نسبة لاسم أكبر المبشرين “الكاردينال شارل لافيجري”، الذي كان يقود أكبر مدرسة للآباء البيض في كامل إفريقيا، بهدف ضرب الدين الإسلامي وصد الجزائريين عن دينهم، وهو ما جعل السلطات الجزائرية وفور الحصول على الاستقلال، تقرر بعد تغيير تسمية المكان الذي يمتد من طول الخليج بالواجهة البحرية للعاصمة، بتسمية “المحمدية” تمجيدا لاسم خاتم الأنبياء والمرسلين، محمد صلى الله عليه وسلم، وفي رمزية لانتصار الإسلام على الصليب.
جامع الجزائر الكبير الذي تم بناؤه في الواجهة البحرية لمدخل العاصمة، يعد واحدا من أهم الإنجازات المحققة منذ الاستقلال، كونه صرح ديني وثقافي بامتياز، يجمع بين عدّة منشآت دينية وثقافية، فالإضافة لاحتوائه على فضاء للعبادة يتمثل في قاعة كبرى للصلاة تتسع لنحو 120 مصل وباحة كبرى للصلاة، فهو جامعة ومركز علمي كبير، يضم مكتبة تتسع لألفي شخص وتحتوي على نحو مليون كتاب في مختلف المجالات العلمية والدينية وكتب الشريعة، ناهيك عن المكتبة الرقمية الحديثة ومتاحف للفن والتاريخ الإسلامي، وكذا مدرسة لتعليم القرآن وتفسيره، وغيرها من المرافق الأخرى، التي تحتويها أجنحة الجامع الكبير، والذي كانت المنطقة التي بني عليها خلال فترة الاحتلال الفرنسي، رمزا للصليب وتحتوي على أكبر مدرسة في إفريقيا للأباء البيض بقيادة “شارل لافيجري”، وقد عمد المستعمر إلى مساعدته في توسيع تلك المدرسة، حتى تكون مصدرا لنشر المسيحية وطمس الهوية الإسلامية، ليس في الجزائر فحسب بل في كامل عموم إفريقيا، لكن مع بزوغ فجر الاستقلال تخلصت الجزائر من كل ذلك وبدأت بتغيير اسم المنطقة التي ظلّت تحمل اسم كبير المبشرين “شارل لافيجري” وتحويلها إلى أكبر رموز الإسلام سيد الخلق محمد صلى اله عليه وسلم، واختير لها من الأسماء “المحمدية”، كما فكر رواد الساسة والنخبة الثقافية والدينية، بجعلها منارة للإسلام وتحصين المرجعية الدينية للشعب الجزائري، والتي أرادت سلطات الاحتلال ضربها وطمس هويتها في هذا المكان، الذي تحول بعد ستون سنة من الاستقلال إلى مركز للإشعاع الإسلامي، تنتصب عليه أعلى مئذنة في العالم بعلو 268 متر، تظهر على بعد عشرات الكيلومترات، بالإضافة إلى القبة الحديدية المزدوجة والتي تعتبر الأعلى في العالم بعلو 70 مترا وقطرها 40 مترا محمولة على 680 عمود بالجامع الأكبر.
هذا الصرح الديني والمعلم الحضاري، يتربع على مساحة 25 هكتارا من الواجهة البحرية للجزائر العاصمة، واجه قبل الشروع في انجازه تكالبا فرنسيا من عدّة أطراف لم تستسغ فكرة هذا المشروع، الذي يعتبر أكبر مشروع حضاري أنجزته الجزائر منذ الاستقلال، ويربط هوية الشعب الجزائري التي أراد المستعمر طمسها خلال فترة الاحتلال، عن طريق كبير المبشرين “شارل لافيجري” الذي حاول بكل الطرق وبإيعاز من سلطات المستعمر استغلال الظروف المعيشية الصعبة للفقراء الجزائريين وترغيبهم في التخلي عن الدين الإسلامي مقابل الحصول على الغذاء، لكنه لم يجد لدى الجزائريين غير الصمود وازدادوا تمسكا بدينهم بل أن بعضهم فضل الموت جوعا على أن يترك دينه.
تحل اليوم الذكرى الستون للاستقلال وعبد المجيد تبون رئيسا للجزائري، بعدما كان له الحظ في الإشراف شخصيا على انطلاق مشروع الجزائر الأعظم، عندما كان وزيرا للسكن والعمران، حيث واجه وقتها الحملات الإعلامية التي شنتها وسائل الإعلام الفرنسية على فكرة المشروع، بل أنه رفض حتى مشاركة الشركات الفرنسية في انجاز هذا الصرح الديني والحضاري والمصنّف عالميا، ليقينه بأن مشروع جامع الجزائر ليس صرحا دينيا فقط وليس مسجدا كباقي المساجد بل هو في الأساس ذو أبعاد تاريخية مرتبطة مباشرة وبصفة وثيقة بعقيدة وهوية الجزائريين.
الشروق