تشهد العلاقات بين تونس والولايات المتحدة الأميركية توترًا في الآونة الأخيرة، خاصة بعد سلسلة تصريحات صادرة عن جهات أمريكية. آخر هذه التصريحات كان لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، والتي أدلى بها مباشرة بعد الاستفتاء على مشروع الدستور التونسي الجديد، معبرا عن قلقه حينها بشأن مستقبل الديمقراطية الناشئة في البلاد.
إضافة الى ذلك جاءت تصريحات مماثلة أثارت القلق لدى شرائح تونسية، خصوصا تلك التي صدرت عن المرشح لمنصب السفير الأمريكي الجديد في تونس جوي هود.
المواقف الأمريكية لقيت رفضًا من قطاعات تونسية وازنة على غرار الاتحاد العام التونسي للشغل الذي – على الرغم من الفتور في العلاقات بينه وبين رئيس الجمهورية بسبب الاختلافات بشأن سيرورة المسار الاستثنائي والحوار الوطني وغيره- ، عبّر صراحة عن “رفض السفير الأمريكي الجديد الذي يسعى إلى فرض التطبيع على تونس وتحويلها إلى ولاية تابعة للولايات المتحدة”.
وقد أعاد رئيس الجمهورية التونسي قيس سعيد مؤخرا، التأكيد على “سيادة تونس وعلى الرفض القاطع لأي تدخل في اختيارات الشعب التونسي”، وأضاف خلال لقائه وزير الخارجية التونسي أن “بلده دولة حرة مستقلة ذات سيادة، ملتزمة بمبادئ القانون الدولي وحريصة على احترام الشرعية في الداخل نفس حرصها على احترام الشرعية الدولية”.
والمعلوم أن هذه التصريحات والمواقف الأمريكية باتت متكررة منذ 25 تموز/يوليو سنة 2021، والتي أصدر خلالها قيس سعيد سلسلة من التدابير الاستثنائية التي اعتبرتها واشنطن “تقوّض التجربة الديمقراطية التونسية”، بحسب قولها.
ويذكر أن الدبلوماسية التونسية تاريخيا كانت ترفض التدخل بالشأن الداخلي، فقد سبق للرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة أن رفض تدخل نظيره الأميركي ريتشارد نيكسون في مسألة انتهاج التونسيين لتجربة اقتصادية اشتراكية، ورد عليه بلهجة حازمة وصارمة كتلك التي هدد بها السفير الأمريكي في تونس عام 1985، حيث طلب الرئيس التونسي الراحل إبلاغ الرئيس الأمريكي رونالد ريغن أن تونس ستقطع علاقاتها بالولايات المتحدة إن هي استعملت الفيتو في مجلس الأمن ضد قرار يدين الكيان الصهيوني على إثر قصف طيران الكيان لمنطقة حمام الشط التونسية استهدافا لمنظمة التحرير الفلسطينية التي كانت تتخذ من تونس مقرا لها. وامتنعت واشنطن يومها عن التصويت، ولم تستعمل حق النقض وأدين الكيان الصهيوني على تلك الجريمة النكراء على غير العادة، بعد أن دأبت واشنطن على إسقاط كل قرارات مجلس الأمن التي تدينه من خلال حق النقض.
تونس التي كانت مكتفية اقتصاديا بما تنتج في ذلك الزمن ولا تجنح كثيرا إلى التوريد، وبثرواتها الطبيعية الكافية لشعبها على محدوديتها، والتي كان سعر صرف دينارها في القمة في تلك الأيام الخوالي، ولا تضطر إلى الدين، ليست تونس اليوم المتعبة المنهكة المثقلة بالديون والتي تنتظر الموافقة على قرض من صندوق النقد الدولي. لذلك فان البعض يرى أن التوتر مع الولايات المتحدة سيزيد تأزيم الوضع الاقتصادي الداخلي، خاصة ان واشنطن هي الضامن الوحيد لتونس بعد الثورة أمام الصناديق المانحة.
وكالات