شهدت تونس في الآونة الأخيرة عددا من جرائم القتل التي استهدفت النساء سواء في العاصمة أو في المدن والأرياف الداخلية، وهو ما جعل المجتمع سواء من خلال وسائل الإعلام أو مواقع التواصل يطلق صيحة فزع. فتعددت المناشدات بضرورة تدخل الدولة لوضع حد لهذه الظاهرة باعتبارها المسؤولة بالدرجة الأولى عن السلم الاجتماعي وتحقيق الاطمئنان والسكينة في صفوف المجتمع.
وتظهر البيانات الرسمية وعديد التقارير في تونس ازدياد حالات العنف المسلط على النساء وذلك بشكل ملحوظ ولافت خاصة في الأوساط الأسرية. وتؤكد الأرقام في هذا الإطار بأن ما يقرب من 75 في المئة من حالات العنف المبلغ عنها على خلال الأعوام الماضية تستهدف النساء، أو تتعلق بحالات تكون النساء ضحايا لها.
توفير الحماية للنساء
وتكشف هذه الأرقام عن مدى استفحال هذه الظاهرة المسكوت عنها في المجتمع التونسي – الذي كان في طليعة الدول في المحيط العربي والإسلامي والمتوسطي التي طورت المنظومة القانونية لحماية النساء وإقرار المساواة. فبلد راضية حداد وبشيرة بن مراد ومجيدة بوليلة وغيرهن من المناضلات والرائدات التونسيات، يسجّل مؤخرا معدلات مرتفعة في حالات العنف الأسري والمجتمعي والتي تستهدف النساء، ما يتطلب وضع رؤية واستراتيجية متكاملة لتغيير العقلية وتوفير الحماية للنساء.
وقد دفع هذا الواقع المرير مجموعة من الجمعيات المدافعة عن حقوق المرأة لإطلاق حملة تحت شعار «أوقفوا قتل النساء» حذرت خلالها من تصاعد ظاهرة العنف المسلط على المرأة داخل المجتمع التونسي وخصوصا وسط الفضاء العائلي، والذي وصل إلى حدّ تهديد حقّها في الحياة.
أسباب مترابطة
رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية راضية الجربي أكدت لـ«القدس العربي» أن أسباب العنف الأسري في تونس عديدة ومتعددة ومترابطة، موضحة بالقول إن: «العمل داخل الأسرة والمجتمع التونسي منذ نشأة الجمهورية التونسية سنة 1957 عوضا عن النظام الملكي، كان يقوم بالأساس على حماية المرأة كزوجة وكأم ومن وجهة نظر تخص علاقة المرأة بزوجها فيما يتعلق بكل المسائل التي تهمّ الزواج والطلاق. ولكن العلاقات ما بين النساء والرجال بشكل عام بمعنى المواطنة والمواطن لم نشتغل عليها كثيرا وهي مرتبطة بالأساس بمسألة المساواة والحقوق التامة لكل طرف داخل الأسرة وخارجها أو في المجتمع بشكل عام». وتتابع محدثتنا: «العلاقات المجتمعية والإنسانية للنساء لم نشتغل عليها كثيرا، لذلك فإن العلاقات داخل الأسرة وخارجها يطغى عليها شيء من التسلط والنزعة الأبوية والذكورية ونحن لم نعمل على الحد منها والقطع معها.
وعليه فإن العلاقة الثنائية بين المواطن والمواطنة وليس بين الزوج والزوجة تسقط داخل الأسرة والبيت وتنقلب عادة إلى صراعات مردّها العلاقة بينهما على مستوى تصريف المال وإدارة شؤون البيت أو أخذ القرار داخله أو مساعدة الزوج لزوجته أو نيل فسحة من الحرية في أخذ بعض القرارات التي تهم علاقتها بأبنائها وأسرتها ووالديها.
فهنا تقع إشكالات من هذا القبيل، ولذلك تدخل المشرّع للحد من قضايا الطلاق والعنف المبنية على المسائل المادية وذلك بالقانون المتعلق بتصريف الأموال أو الاشتراك في الملكية. ولكن حتى مع هذا القانون لم يقع حد للمشاكل المالية بشكل نهائي ولكن بقيت مشاكل أخرى منها العنف الجسدي وأحيانا تسلط بعض أفراد الأسرة على الزوجة بسبب عقلية (سي سيد) والتي ما تزال موجودة داخل الأسرة التونسية».
هذه المظاهر – حسب الجربي – تساهم جميعها في تفشي العنف ضد النساء، إلى جانب الوضعية المالية الهشّة للنساء في تونس. إذ تشهد كل المنظمات الرسمية أن نسبة البطالة مرتفعة جدا في صفوف النساء، وحتى الحاصلات منهن على شهادات عليا هن في وضع بطالة، وهذا يجعل العلاقات داخل البيت فيها رئس ومرؤوس باعتبار التبعية المالية. وتضيف محدثتنا: «وانتشار العمل الهشّ في صفوف النساء يجعل منهن منهكات خارج البيت ومستغلات داخل البيت. وهذا الانهاك الصحي والارهاق باتت له تداعيات فيما بعد على العلاقة داخل الأسرة. ولا يمكن ان ننسى بأن نسبة الأمية مرتفعة في صفوف النساء رغم أننا اشتغلنا على محو الأمية وتعليم الفتيات لكن الأرقام مخيفة ومؤلمة، فنسبة تفشي الأمية خاصة في المناطق الريفية أكثر من 50 في المئة، وتنتشر الأمية بالخصوص لدى النساء وهذه الأرقام تعكس سبب تفشي العنف داخل الأسرة». وتتابع: «لانه عندما نتحدث عن عنف أسري، فإن ذلك لا يتعلق فقط بالعنف بين الزوج والزوجة بل بالعلاقة أيضا بين أخ وأخته وأب وأبنته إلى غير ذلك. وهذه العلاقات الأسرية مهما كانت طبيعتها ونوعها، فإنها تخضع لتأثير الأوضاع الاقتصادية والثقافية. وفي أول خلاف أو إشكال تترجم غالبا إلى عنف مادي وفي غالب الأحيان إلى عنف معنوي يكون أشد وطأة على النساء ويتمثل في تقزيم شخصية المرأة وهدمها ونلاحظ ذلك من خلال التشكيات التي تأتي للاتحاد الوطني للمرأة سواء في العاصمة أو في مختلف مناطق الجمهورية».
مراجعة هيكلية وحملات توعية
والحلول في رأي الجربي، على المستوى بعيد المدى والمتوسط تبدأ بالعمل بالأساس على ترسيخ قيم حقوق الإنسان بين المواطن والمواطنة. ولا بد أن تنكبّ المدرسة التونسية على تربية الناشئة والجيل الجديد على مبدأ المواطنة والمساوة والحقوق الإنسانية للنساء. ولا بد من توعية أبنائنا بان المساواة هي قيمة إنسانية وكلنا سواسية أمام القانون وليس هناك فرق بين أنثى وذكر إلا بنوع الجنس.
أما على المستوى الآني، فتقول رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية إن «لا بد من ان تعمل الدولة على إيلاء مكانة أكبر للنساء على مستوى أخذ القرار. لأن تغيير العقلية يمرّ بكسر القوالب العامة لأن الرجال هم القوامون والرؤساء لذلك يجب إيلاء النساء أهمية وتنصيبهن في مواقع القيادة حتى نكسر الحاجز».
القدس العربي