وجه لاجئون سودانيون في مدينة صفاقس التونسية صيحة استغاثة للمنظمات الدولية والمجتمع الدولي من أجل مساعدتهم على تجاوز الوضع “البائس” الذي يعيشونه في إحدى حدائق المدينة.
ويتكدس مئات السودانيين الهاربين من أتون الحرب الدائرة في بلدهم في العراء بحديقة “الأم والطفل” بساحة “باب الجبلي” في صفاقس (شرق).
واختار اللاجئون مكانا قبالة حشد آخر من اللاجئين من إفريقيا جنوب الصحراء يعيشون في حديقة “رباط المدينة”، بالساحة نفسها.
فريق الأناضول زار مكان تجمع اللاجئين السودانيين وتحدث معهم، حيث كان الجو حارا واللاجئون يبحثون عن الظل تحت الأشجار القليلة بالحديقة.
“هربنا من الحرب”
رماح مهدي يوسف سنقولي، من مدينة كادوغلي عاصمة ولاية جنوب كردفان، قال: “الوضع في بلادي متأزم، حروب ومجاعات ونهب وضرب واعتداءات”.
وأضاف سنقولي: “اخترت أن أخرج من السودان وأهاجر، ولما خرجت وجدت أن الوضع متأزم أكثر من السودان في الدول العربية”.
ومتحدثا عن رحلته للوصول إلى تونس، قال: “مررت بست دول عربية، وكل الدول العربية شبيهة ببعضها البعض، وليست هناك حياة كريمة في إفريقيا”.
وحول وضعه في تونس، ذكر أنه مر عليه شهر في البلاد، وبين قائلا: “ننام في الشوارع، وأصبحنا منبوذين دون هوية.. الوضع لم يتغير”.
ومنذ منتصف أبريل/ نيسان يخوض الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” اشتباكات لم تفلح سلسلة هدنات في إيقافها، ما خلف أكثر من 3 آلاف قتيل، أغلبهم مدنيون، وأكثر من 4 ملايين نازح ولاجئ داخل البلاد وخارجها، بحسب الأمم المتحدة.
“أموت أو أصل”
وبخصوص ما يعتزم القيام به، قال المهاجر السوداني: “أنوي عبور البحر (هجرة غير نظامية) إما أموت أو أصل (إلى القارة الأوروبية)”.
وأعرب عن ثقته بأن الحياة أفضل في أوروبا، قائلا “أعرف أن كل المهاجرين في أوروبا يجدون حياة أفضل وكريمة”.
وزعم سنقولي أن “الإسلام موجود هناك (في أوروبا) وليس في الدول الإسلامية”، على حد قوله.
ومعربا عن يأسه من تحسن الأوضاع بالعالم العربي وإفريقيا، قال: “الوضع نفسه في تونس أو الجزائر أو المغرب أو مصر.. مررت بكل هذه الدول فعندما تكون مريضا لا تجد علاجا”، وفق تعبيره.
لا أطلب سوى العلاج
وتابع سنقولي، يائسا: “تقدمت لمفوضية اللاجئين والمنظمات الإنسانية والخيرية بطلبات، ولكن ليس هناك جديد، كله كذب في كذب وخدعة نعيشها”.
وقال متحسرا: “ليس هناك مصير واضح للإنسان الأسود”.
وحول العلاج الذي يطلبه، قال سنقولي: “تعرضت عام 2016 إلى إصابة خلال عملية مداهمة ونهب في كادوغلي، في قرية اسمها كاتلة”.
وأضاف: “المسلحون دخلوا البيت ونهبوه، لم يتركوا حتى التلفاز، وأطلقوا النار عليّ، ومنذ ذلك الوقت ذهبت إلى كل المنظمات ولم أجد علاجا”.
وتابع المهاجر السوداني: “لا أريد سوى العلاج، ولما أُعالَجُ أعود إلى السودان وطني بلدي.. فقط أُعالج من الالتهاب العظمي المزمن”.
وأفاد: “منذ 2016 لا أعرف مصير أسرتي، جاءت منظمة أممية في كودا (منطقة سودانية) وعالجتني، واستقر بي الحال في تونس بعد مشقة ورحلة ومعاناة من مدينة تبسة في الجزائر (شرق) إلى غاية ما وصلت إلى صفاقس”.
تنقصنا المساعدات
مهاجر آخر في حديقة “الأم والطفل”، الحاج محمد أحمد، عرّف نفسه أنه من السودان، وقال: “نحن في هذا المكان، والذي دفع بنا إليه هي الحروب”.
وأضاف أحمد: “الشباب هنا ليس لهم مسكن ولا مأكل، وأنتم تشاهدون كيف نسكن، ومنذ 4 أيام لم نتلق أي مساعدة”.
وتابع: “نشكر تونس، رغم وضعها الصعب استقبلتنا، التعامل الأمني كان جيدا، لكن تنقصنا مساعدات إنسانية، ونتمنى من الأمم المتحدة وكل الدول التي ترعى الشؤون الإنسانية أن تهتم بقضية الشعب السوداني، فلولا المشاكل لما أتينا إلى هنا”.
وحول وضعهم الصعب في صفاقس قال أحمد: “ننام هنا على الكرتون (ورق مقوى) وعلى البلاط، والإنسان إذا تغدى لا يتعشى، نتمنى من المنظمات أن تدبر لإخواننا سكنا وتغيّر وضعنا”.
وأضاف: “نهرب من الحرب والتشريد ثم نسكن في وضع صعب، حتى قضاء الحاجة بالطابور، والآلاف يستعملون 3 حمامات تغلق بعد الظهر.. حتى بمقابل لا وجود لحمام”.
وتابع: “لا أحد يجد فراشا يرقد عليه ولا بطانية يتغطى بها”، وأردف متسائلا: “أين الانسانية؟!”.
بطاقات اللجوء
أحمد تحدث عن رغبة اللاجئين السودانيين بالحصول على بطاقات لجوء نظرا للحرب في بلاده، قائلا “هناك أناس يريدون استخراج بطاقة لجوء ولكن المدة تطول”.
وأضاف: “نحن في وضع صعب جدا، الشعب السوداني مدمر ولا يعرف إلى أين يذهب، والأهل مدمرون يضربهم الطيران وبيوتهم أحرقت”.
وعبّر أحمد عن أمله في أن تصل رسالته “لكل الجهات المختصة، وتوفر السكن للشباب، لأن الوضع محرج ومأسوي”.
وقال: “نحن أكثر من ألف سوداني، ومعنا إخوتنا من (دولة) جنوب السودان”، وأردف: “نريد أن يهتم الجميع بحالنا، نحن من إفريقيا، ومسلمون، ووضعنا في السودان أسوأ”.
وتابع: “دخلت إلى تونس على الأقدام من ليبيا، فالوضع المأساوي جعلنا نخاطر بحياتنا”.
وأشار إلى أنه “ركبت البحر لتحسين ظروفي، ووصلت إلى المياه الدولية وأرجعوني.. حاولت ثلاث مرات كلها بمقابل (لمهربي البشر)”.
وتعاني صفاقس من وجود أعداد كبيرة من المهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء الراغبين باجتياز الحدود البحرية باتجاه أوروبا، حيث لا تبعد المدينة كثيرا عن سواحل مالطا وجزيرة صقلية الإيطالية.
وقدر وزير الداخلية التونسي كمال الفقي، عدد المهاجرين غير النظاميين في صفاقس، بنحو 17 ألف إفريقي مهاجر، من إجمالي 80 ألفا مهاجر في كامل البلاد.
ومنذ فترة تشهد البلاد تصاعدا لافتا في وتيرة الهجرة غير النظامية إلى أوروبا، على وقع تداعيات الأزمات الاقتصادية والسياسية في البلد الإفريقي ودول أخرى.
المصدر: الأناضول