وخلصت تلك المهمّة أساسا إلى عدم استكمال البنك المركزي إصدار النصوص الترتيبّية تفعيلا لمقتضيات القانون البنكي الفاسد عدد 48 لسنة 2016 وبعدم تحيين وانسجام مقتضيات بعض المناشير الصادرة عن البنك المركزي مع المعايير الدوليّة علاوة على نقائص في مستوى عمليّات الرقابة المستنديّة وعدم تغطية مهام التفقّد الميداني لجميع البنوك وكافّة مجالات الرقابة. كما لم يفعّل البنك المركزي صلاحيّاته التأديبيّة حيث لم يقم بتسليط عقوبات من أجل ارتكاب مخالفات تمّ الوقوف عليها ضمن مهمات التفقّد الميداني أو بمناسبة أعمال الرقابة المستنديّة على البنوك خاصّة مع عدم تفعيل لجنة العقوبات مما حال دون البتّ في المخالفات التي تندرج ضمن صلاحيّاتها.
تبعا لذلك، جاءت ملاحظات محكمة المحاسبات كالتالي :
1/ الإطار القانوني والترتيبي للرّقابة المصرفيّة
لم يتم إلى موفّى سنة 2019، استكمال إصدار وتحيين النصوص الترتيبّية المتعلّقة بالقانون البنكي على غرار ضبط الشروط التنظيمية في مجال الحوكمة والقواعد الخاصة بالبنوك والمؤسسات المالية ذات الأهميّة النظامية علاوة على الشروط التطبيقية للرقابة التكميليّة على المجمّعات. كما لم يتم مراجعة المذكّرة المتعلّقة بالبنود المرجعيّة لمهمة مراقبي الحسابات التي تضبط العنايات الواجب عليهم احترامها بمناسبة التدقيق في الحسابات.
ولوحظ عدم انسجام الإطار الترتيبي المنظّم للرقابة المصرفيّة مع بعض متطلبات المعايير الاحترازية الدولية بازل 2 وبازل 3 خاصة منها طريقة احتساب معيار كفاية رأس المال فيما يخصّ مخاطر القرض التي لا تزال تتماشى مع اتفاقيّة بازل 1 إضافة إلى عدم اعتماد معيار السيولة على المدى الطويل خاصّة وأنّ بعض الجهات الدوليّة المانحة تربط حجم و تكلفة مساعداتها بمدى احترام الدول لهذه المعايير.
وأدّى عدم وضوح بعض المقتضيات الترتيبية المنظّمة لنسبة الفائدة الفعلية الجمليّة وعدم ملاءمتها مع مقتضيات القانون عدد 64 لسنة 1999 إلى عدم صحّة احتساب البنوك لمعدّل هذه النسبة والمصرّح بها لدى البنك المركزي وهو ما من شأنه أن يؤثّر على صحّة احتساب هذا المعدّل من قبل البنك المركزي وبالتالي بالحدود القصوى لنسبة الفائدة المشطة التي تقابلها.
كما لم يتول البنك المركزي إصدار مناشير خصوصيّة تضبط العقوبات المتعلّقة بعدم احترام بعض معايير التصرّف الحذر على غرار النسبة القصوى لتأجير الودائع وبتجاوز الأسقف العليا المتعلّقة بمساهمة البنوك والمؤسسات المالية في رؤوس أموال الشركات.
ولئن قام البنك المركزي بإصدار مذكّرة داخليّة تنظّم طريقة احتساب الخطايا المستوجبة بخصوص المخالفات المتعلّقة بعدم احترام قواعد الحوكمة وبنظام الرقابة الداخليّة وبالتصرّف في مخاطر غسل الأموال، إلا أنّه لم يتمّ إصدار منشور في الغرض.
وتوصي المحكمة بضرورة التسريع في استكمال وتحيين الإطار الترتيبي بما يتماشى ومقتضيات القانون البنكي والقوانين المنظّمة للشروط البنكيّة.
2/ آليات الرقابة المصرفيّة ومجالاتها
يمارس البنك المركزي رقابة مستنديّة تعتمد على المنهج القائم على المخاطر من خلال فحص واستغلال قائمة من الوثائق التي تتولى البنوك والمؤسسات الماليّة إرسالها بصفة دوريّة علاوة على تقارير مراقبي حساباتها. وألزم منشور الإفصاح البنوك والمؤسسات المالية بإرسال كافة وثائق الإفصاح بداية من موفى جوان 2018 باستخدام منظومة تبادل البيانات الالكترونية إلا أنّ بعض وظائف هذه المنظومة لا تزال غير جاهزة. ولم يتم تصميم فحوصات آليّة خاصة بمراقبة المطابقة أو التناسق بين البيانات الشهرية والبيانات الثلاثية والبيانات السداسية والبيانات السنويّة وذلك إلى موفّى سنة 2019.
وباستغلال المحكمة للمعطيات المدرجة بالمنصة الالكترونية للفترة من جوان 2018 إلى موفى سبتمبر 2019، تبيّن ضعف نسبة إرسال الوثائق بجميع أصنافها من قبل 20 بنكا حيث بلغ معدّل إرسال الوثائق الشهريّة والثلاثيّة والسنويّة على التوالي 70 % و32,5 % و 45 %. وهو ما من شأنه أن يحدّ من نجاعة عملية تقييم مختلف المخاطر من طرف مراقبي الإدارة العامة للرقابة المصرفية بالبنك المركزي.
ولم تتجاوز نسبة إنجاز مهمّات التفقّد الميدانيّ 75% من المهمات المبرمجة خلال الفترة 2015-2019 والتي ترجع أساسا إلى تنفيذ 40
وساهم النقص في عدد المراقبين الراجعين بالنظر للإدارة العامّة للرقابة المصرفيّة في تأخّر استكمال مكوّنات مخطّط الأعمال للفترة 2015-2020 من جهة، وعدم تغطية مهام التفقّد الميداني لجميع البنوك وكافّة مجالات الرقابة. علما وأنّ صندوق النقد الدولي أشار ضمن تقريره المنجز خلال سنة 2014 إلى ضرورة تدعيم هذه ا للإدارة بأربعين مراقبا.
كما تضمّنت تقارير التفقد الميداني المتعلّقة بمخاطر القرض وبنسبة الفائدة الفعليّة مخالفات تعلّقت بعدم تكوين مدّخرات كافية بخصوص مخاطر القرض تمّ تقديرها من قبل مراقبي البنك المركزي بمبلغ 146,6 م.د وكذلك بعدم احترام نسبة الفائدة الفعلية الجملية. علما وأنّ هذه التقارير أشارت إلى عدم إبداء أيّ تحفظات في هذا الشأن من قبل مراقبي حسابات هذه البنوك ضمن تقاريرهم.
كما لا تعكس إجابات البنوك على الاستبيان الخاصّ بتقييم منظومة التصرّف في مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب واقع هذه المنظومة لديها حيث أثارت تقارير التفقّد الميداني المنجزة في هذا المجال إخلالات لم يتم التصريح بها من قبل البنوك المعنيّة على غرار عدم احترام آجال تنفيذ قرارات تجميد الأموال وعدم احترام آجال التصاريح بالشبهة وعدم اتخاذ تدابير إضافية في صورة التعامل مع أشخاص يقيمون في مناطق مصنّفة من قبل مجموعة العمل المالي.
وتضمنّت تقارير التفقّد الميداني بخصوص نسبة الفائدة على الودائع المنجزة خلال الثلاثي الأول لسنة 2019 بخصوص 15 بنكا عدّة إخلالات حيث لم يحترم 14 بنكا النسبة القصوى المضبوطة في حدود 2% على الودائع تحت الطلب وعدم احترام 7 بنوك للنسب القصوى المصرّح بها لدى البنك المركزي على الودائع لأجل. وبلغ المبلغ الجملي للفوائد المدفوعة خارج السقف المحدّد قانونا بعنوان كلّ صنف منهما على التوالي 29 م.د و 13 م.د.
ويستدعي هذا الوضع مزيد تطوير آليّات الرقابة المستنديّة والعمل على استكمال جميع مكونات البرامج السنوية للتفقّد بما يمكّن من معاينة النقائص والإخلالات واتخاذ الإجراءات التصحيحيّة لتداركها في أفضل الآجال.
3/ تسليط العقوبات
لم يقم البنك المركزي بتسليط عقوبات على عدّة مخالفات تمّ الوقوف عليها ضمن مهمات التفقّد الميداني أو بمناسبة أعمال الرقابة المستنديّة والتي تعلّقت أساسا بمجالات الحوكمة والرقابة الداخليّة ومجال مكافحة غسل الأموال وإسناد قروض بنسبة فائدة مشطّة والمغالاة على نسبة تأجير الودائع. وقد قدّرت المحكمة مبلغ العقوبات غير المسلّطة في مجالي الحوكمة والرقابة الداخليّة بما يناهز 123,125 م.د وفي مجال مكافحة غسل الأموال بحوالي 47,8 م.د. كما لم يقم البنك المركزي بنشر قرارات العقوبات التي تمّ تسليطها من قبل محافظ البنك المركزي على البنوك خلافا لما يقتضيه القانون البنكي.
ولم يتمّ تفعيل لجنة العقوبات المنصوص عليها بالقانون البنكي وهي لجنة مستقلّة من بين صلاحيّاتها تسليط العقوبات على البنوك التي تتعمّد التصريح الخاطئ بمعطيات للبنك المركزي وتخالفا أيضا المقتضيات القانونية والتنظيمية المتعلقة بالمعاملات مع الأشخاص المرتبطين بالبنوك والمؤسسات المالية وكذلك على مراقبي الحسابات المخلّين بالالتزامات المنوطة بعهدتهم بمقتضى القانون البنكي.
وتوصي المحكمة بالحرص على تفعيل منظومة العقوبات بما يدعم السلطة التأديبيّة للبنك المركزي وبالتالي ضمان احترام البنوك للشروط الترتيبيّة والقانونيّة المنظّمة للقطاع البنكي.
4/ الإطار الترتيبي المنظّم لرقابة البنك المركزي
لئن تم إصدار جملة من المناشير التطبيقية للقانون البنكي(3) المشار إليه أعلاه، إلاّ أنّ العديد من المناشير الأخرى لم يتم إصدارها أو تحيينها وذلك إلى موفّى سبتمبر 2019.
من ذلك لم يتولّ البنك المركزي ضبط الشروط التنظيمية في مجال الحوكمة خلافا لما نصّ عليه الفصل 40 من القانون البنكي حيث لا تزال حوكمة البنوك ينظّمها المنشور عدد 19 لسنة 2006 في 28 نوفمبر 2006 المتعلّق بالرقابة الداخليّة والمنشور عدد 6 لسنة 2011 والمؤرخ في 20 ماي 2011 والمتعلّق بتدعيم قواعد الحوكمة الرّشيدة في مؤسّسات القرض والتي لم تعد تتماشى مع المتطلّبات التي جاء بها القانون البنكي لسنة 2016 خاصّة فيما يتعلّق بتطوير أداء هياكل الحوكمة ومزيد توضيح مشمولات كل من مجلس الإدارة والهيكل التنفيذي والعلاقة بينهما ومراجعة معايير اختيار الأعضاء المستقلّين لمجلس الإدارة وإخضاع أعماله لتقييم دوري وكذلك ضبط قواعد الحوكمة الخاصّة بالبنوك الإسلاميّة. علما وأنّه تمّ برمجة الانتهاء من مراجعة المناشير المتعلّقة بالحوكمة والرقابة الداخلية في إطار المخطّط الخماسي المذكور آنفا في موفّى السداسيّة الأولى من سنة 2018.
كما لم يضبط البنك المركزي القواعد والمؤشّرات الخاصة بالبنوك والمؤسسات المالية ذات الأهميّة النظامية ونشر قائمة في الغرض وذلك بالرغم من أهميّتها في التأثير على سلامة القطاع المصرفي و
كما نصّ القانون البنكي على إخضاع البنوك والمؤسسات المالية المنتمية لمجمّع مالي إلى رقابة تكميليّة يجريها البنك المركزي على مستوى هذا المجمّع بغرض تقييم الوضعية الماليّة للمجمّع خاصة في مجال ملاءمة الأموال الذاتيّة لمخاطره وتركّز وتوزيع المخاطر المتعلّقة بنشاطه والمعاملات الماليّة بين المؤسّسات المنضوية تحته وقواعد الحوكمة ومنظومة الرقابة الداخليّة لديه. كما أوكل نفس القانون للبنك المركزي مهمّة ضبط الشّروط التطبيقيّة لهذه الرقابة وتحديد طرق ومجالات تطبيق قواعد التصرّف الحذر على أساس مجمّع. إلا أنّه لم يتم تفعيل هذه المقتضيات بالرغم من برمجة إنجازها في موفّى سنة 2019 ضمن المخطّط الخماسي آنف الذكر. ومن شأن عدم إصدار مناشير تضبط الشروط التطبيقية لإنجاز الرقابة التكميليّة على المجمّعات وضبط طرق ومجالات تطبيق قواعد التصرّف الحذر على أساس مجمّع، أن لا يمكّن البنك المركزي من تقييم جميع المخاطر المحتملة لهذه المجمّعات والمتأتيّة من المؤسسات المنضوية تحته بالتالي من مدى تأثيرها على الصلابة الماليّة للقطاع البنكي.
وخلافا للفصل 94 من القانون البنكي، لم يتم ضبط الشروط التنظيميّة المتعلّقة بقبول وتعيين مراقبي الحسابات وتحديد معايير الاختيار حسب حجم وصنف الشركة الماليّة. كما لم تتمّ مراجعة وتحيين المذكّرة عدد 23 لسنة 1993 والمتعلّقة بالبنود المرجعيّة لمهمة التدقيق في الحسابات لتتلاءم مع التعديلات التي تضمّنها القانون البنكي في مجال الرقابة على الحسابات وذلك في ظلّ توسّع مجال تدخّل مراقبي الحسابات ليشمل العديد من المجالات على غرار رقابة المدخّرات الجماعيّة المنصوص عليها بالفصل العاشر مكرّر من المنشور عدد 24 لسنة 1991 ومراجعة التصاريح الثلاثيّة المتعلّقة بمعايير التصرّف الحذر المنصوص عليها بالفصل السابع من المنشور عدد 6 لسنة 2017 بالإضافة إلى عدم وضع المعايير الخاصّة بتقييم أداء مراقبي الحسابات والتي تضمّنها مخطّط الأعمال 2015-2020 المذكور آنفا.
ومن جهة أخرى، لم يتم إصدار منشور يضبط نسبة وإجراءات استخلاص البنك المركزي لمبلغ سنوي يخصص لتطوير الرقابة البنكية يتمّ توظيفه على البنوك والمؤسسات المالية والمنصوص عليه بالفصل 73 من القانون البنكي بما من شأنه أن يوفّر موارد إضافية تسمح بتحديث وسائل العمل من تجهيزات وتطبيقات علاوة على دعم مجهود تكوين المراقبين.
كما لم يقم البنك المركزي بإصدار منشور يضبط نموذج خطاب الضمان في الفارق بين رأس المال الأدنى والمنحة المرصودة بالنسبة للبنوك المنتصبة بالبلاد التونسية في شكل وكالات متفرعة عن بنوك أجنبية مقرّها الاجتماعي بالخارج وذلك كما يقتضيه الفصل 189 من القانون البنكي.
وعلاوة على عدم ملاءمة الإطار الترتيبي مع مقتضيات القانوني البنكي، فقد مكّن فحص النصوص الترتيبيّة المنظّمة للقطاع البنكي وتقارير التفقّد الميداني المنجزة من قبل البنك المركزي من الوقوف على نقائص بخصوص بعض المناشير.
فلئن أصدر البنك المركزي منشور عدد 6 لسنة 2017 المتعلّق بالإفصاح والذي يضبط الوثائق والملاحق الواجب إرسالها إلى البنك المركزي من قبل البنوك والمؤسسات المالية، إلا أنّ نموذج الملحق عدد 5 المتعلّق بإحصائيات التصاريح بالشبهة لم يتضمّن بيانات حول المناطق الجغرافية المستهدفة من العمليات الماليّة المسترابة والقطاعات التي تشملها وكذلك صفة المستفيدين من هذه العمليات.
كما نصّ منشور الإفصاح السابق ذكره على إلزام البنوك بإصدار إجراء كتابي يبيّن مسار عمليّة الإفصاح والروابط الوظيفية والهيكلية بين الإدارات المتدخلة وتحديد المسؤوليات لكل إدارة علاوة على منح المسؤول عن الإفصاح ونائبه الصلاحيّات والوسائل اللازمة لإنجاز مهمّته، إلا أنّ هذا المنشور لم يلزم البنوك بإرسال الإجراء الكتابي المنظم للإفصاح وقرار تكليف مسؤول الإفصاح ونائبه والصلاحيّات الممنوحة له إلى البنك المركزي بالرغم من أنّ توفير هذه الوثائق من شأنه أن يساهم في تقييم المخاطر المتعلّقة بمصداقية البيانات وسرعة توفيرها.
وبخصوص نسبة الفائدة المشطّة التي ينظّمها أساسا القانون عدد 64 لسنة 1999 والأمر عدد 462 لسنة 2000، فقد نصّ الفصل الأوّل من القانون عدد 64 آنف الذكر على أنّه يعتبر قرضا مسندا بنسبة فائدة مشطّة كلّ قرض اتفاقي مسند بنسبة فائدة فعليّة جمليّة تتجاوز عند إسناد القرض بأكثر من الخمس معدّل نسبة الفائدة الفعليةّ المطبّقة خلال السداسيّة السابقة من قبل البنوك والمؤسسات المالية.
ويتولى البنك المركزي طبقا لمقتضيات المنشور عدد 3 المؤرخ في 27 مارس لسنة 2000، وبالنّسبة لكل سداسيّة وكلّ صنف من القروض تحديد معدّل نسبة الفائدة الفعليّة التي تقابل المعدّل الحسابي البسيط لنسب الفائدة الفعليّة الجمليّة المتداولة خلال نفس السداسيّة والمصرّح بها من قبل كلّ البنوك. وجاء بالفصل 6 من نفس هذا المنشور بأن توجّه مؤسسات القرض إلى البنك المركزي تصريحا بعد نهاية السداسي الأوّل أو الثاني من كل سنة يتضمّن نسبة الفائدة الفعليّة طيلة الخمس أشهر للسداسيّة المعنيّة.
وعلاوة على ذلك، نصّ الفصل 2 من القانون عدد 64 سالف الذكر على أنّه يتمّ احتساب كلّ العمولات المباشرة وغير المباشرة مهما كان نوعها المرتبطة بإسناد القرض وذلك عند احتساب نسبة الفائدة الفعليّة الجمليّة. وأدّى حصر البنك المركزي لهذه العمولات ضمن قائمة محدّدة بالمنشور عدد 3 لسنة 2000 آنف الذكر إلى عدم احتساب 5 بنوك لبعض العمولات الأخرى والواجب احتسابها على غرار عمولة خلاص الأقساط.
كما أدّى عدم التنصيص بصفة دقيقة وواضحة ضمن الفصل عدد 2 من المنشور عدد 3 آنف الذكر على المبالغ المعنيّة بالتصريح إلى اعتماد بعض البنوك على القروض الجديدة الممنوحة في حين أنّ البعض الآخر يعتمد على أقساط القروض غير المسدّدة والجارية. كما أدّى عدم وضوح عبارة “عند إسناد القرض” ضمن نفس المنشور إلى اختلاف التواريخ المعتمدة لاحتساب نسبة الفائدة الفعليّة الجمليّة نتج عنه اعتماد تاريخ صرف القرض من قبل بعض البنوك في حين أنّ البعض الآخر اعتمد على تاريخ قرار الموافقة على القرض.
ومن ناحية أخرى ، ولئن يتولى وزير الماليّة بمقتضى قرار ينشر بالرائد الرسمي للجمهوريّة التونسيّة نشر معدلات نسب الفائدة الفعليّة وكذلك حدود نسب الفائدة المشطّة التي تقابلها لتعتمد كمرجع بالنسبة للسداسيّة الموالية وفق ما نصّ عليه الفصل 5 من الأمر عدد 462 لسنة 2000 آنف الذكر، إلاّ أنّه لوحظ أنّ نشر قرارات وزير الماليّة المتعلّقة بمعدّلات نسب الفائدة الفعليّة وكذلك حدود نسب الفائدة المشطّة التي تقابلها يتمّ بصفة متأخّرة مقارنة بتاريخ بداية السداسي المعني حيث تراوحت مدّة التأخير بين 53 و105 يوما. وهو ما يؤدّي إلى إسناد قروض بنسب فائدة فعليّة لا تتناسب مع السداسي المعني.
ومن شأن عدم وضوح بعض المقتضيات الترتيبية المنظّمة لنسبة الفائدة الفعليّة الجمليّة وعدم ملائمتها مع ما ورد بالقانون عدد 64 آنف الذكر أن يترتّب عنه عدم صحّة احتساب البنوك لمعدّل هذه النّسبة والمصرّح بها لدى البنك المركزي والذي يؤثّر بدوره في صحّة احتساب معدّل هذه النّسبة من قبل البنك المركزي وبالتالي في الحدود القصوى لنسبة الفائدة المشطّة التي تقابلها.
ويدعى البنك المركزي إلى الإسراع باستكمال الإطار الترتيبي المنظّم للرقابة المصرفيّة وتحيينه وتجاوز النقائص المتعلّقة خاصّة بطريقة احتساب نسبة الفائدة الفعليّة بما يمكّن من تعزيز رقابته على البنوك والمؤسسات المالية وخاصّة البنوك النظاميّة والمجمّعات الماليّة طبقا للمتطلبات التي جاء بها القانون البنكي.
5/ انسجام الإطار الترتيبي مع المعايير الدوليّة
نصّ الفصل 42 من القانون عدد 35 لسنة 2016 المتعلّق بضبط النظام الأساسي للبنك المركزي على أن يعرض المحافظ وجوبا مشاريع المناشير قبل إمضائها على لجنة مكلّفة بمراقبة المطابقة لتبدي رأيها القانوني بخصوص مدى تطابقها للتشريع والتراتيب والمعايير الدوليّة الجاري بها العمل. إلاّ أنّه لوحظ عدم الانسجام التّام للإطار الترتيبي للرّقابة المصرفيّة المتعلّقة بالحوكمة والرّقابة الداخليّة وقواعد التصرّف الحذر الجاري بها العمل مع المعايير الدولية الاحترازيّة في إطار اتّفاقيّة بازل 2 و3 حيث لا تزال طريقة احتساب معيار كفاية رأس المال فيما يخصّ مخاطر القرض المنصوص عليها بالمنشور عدد 6 لسنة 2018 المتعلّق بمعايير كفاية الأموال الذاتيّة، تعتمد على المعايير المضمّنة باتفاقيّة بازل 1 بالرغم من برمجة اعتماد الطريقة المعياريّة للدعامة الأولى لاتفاقيّة بازل 2 المتعلّقة بالحدّ الأدنى من متطلبات رأس المال لقياس مخاطر القرض من قبل البنوك ضمن البرنامج الخماسي آنف الذكر وذلك بغرض تطبيق معايير تتماشى أكثر مع القيمة الفعليّة للمخاطر المحتملة انطلاقا من سنة 2018.
أما فيما يخصّ الدعامة الثانية لاتفاقية “بازل 2” والمتمثّلة في الرقابة الاحترازية والتي ترتكز أساسا على امتلاك البنوك والمؤسسات المالية لإجراءات تسمح بتقييم داخلي لكفاية رأس المال مقارنة بالمخاطر وكذلك لإجراءات خاصّة بتقييم التصرّف في المخاطر الجمليّة لنسبة الفائدة في محفظة البنك، فقد تمّ ضمن مخطّط الأعمال 2015-2020 برمجة إرسائها مع نهاية السّداسي الثاني لسنة 2018 إلا أنّه لم يتم إنجاز هذه التعهّدات إلى حدود موفّى ديسمبر 2019.
وبخصوص مدى الانسجام مع اتفاقيّة بازل 3، ولئن تولّى البنك المركزي في سنة 2014 إصدار منشور خاص بنسبة تغطية السّيولة على المدى القصير للجنة بازل الذي يفرض على البنوك الاحتفاظ بأصول ذات درجة سيولة عالية لتغطية التدفق النقدي لديها حتى 30 يوما، إلاّ أنّه لم يقم بوضع معيار السيولة على المدى الطويل الذي يأخذ بعين الاعتبار مخاطر السيولة على أساس المدى الزمني إضافة إلى مختلف آجال عناصر الأصول و الخصوم بما يمكّن من التحكّم في مخاطر السيولة على المدى الطويل. علما وأنّه تمّ ضمن مخطّط الأعمال 2015-2020 آنف الذكر برمجة إرسائه خلال السّداسي الأوّل لسنة 2016. وقد اكتفى البنك المركزي بفرض نسبة قروض على الودائع في حدود 120 % بعنوان كلّ ثلاثيّة وذلك بمقتضى المنشور عدد 10 لسنة 2018.
كما لم يتم إرساء “احتياطي رأس المال لمواجهة التقلبات الدوريّة “يهدف إلى امتصاص تدهور المحيط الاقتصادي الذي يصل إلى 2,5 % من الموجودات المرجحة بالمخاطر. كما لم يتم إقرار تطبيق مؤشّر “الرافعة المالية” في حدود 3 % كما نصّت عليه اتفاقيّة “بازل 3 ” بالرغم من برمجة اعتمادهما مع بداية سنة 2018 على مستوى المخطّط الخماسي.
ولم يقم البنك المركزي بإرساء إطار عملياتي لاختبارات التحمّل يتمّ اعتماده من قبل البنوك والمؤسسات المالية لتقييم مدى قدرتها على امتصاص الصدمات المتأتية من محيطها الخارجي وذلك بالرغم من أنّه تمّت برمجة الانتهاء من إرسائه في موفّى 2019 وبالتّالي لا يمكن معرفة قدرة صمود البنوك في حالة وقوع أزمات مالية.
ونصّ المبدأ الثاني من المبادئ الأساسية للرقابة المصرفية الفعّالة للجنة بازل على أنّه يجب على السّلطة الرقابيّة أن تحظى بموارد كافية لممارسة الرقابة والإشراف، إلا أنّ عدد المراقبين بالبنك المركزي لم يقع تدعيمه إلاّ في حدود 6 مراقبين خلال الفترة 2014-2019 في حين أنّ صندوق النقد الدولي أشار ضمن تقريره المنجز خلال سنة 2014 إلى ضرورة الترفيع في عدد المراقبين بالإدارة العامة للرقابة المصرفية بأربعين مراقبا.
ويدعى البنك المركزي إلى مزيد تطوير المنظومة الترتيبيّة لتتماشى مع متطلبات المعايير الاحترازية الدولية بما من شأنه أن يدعم ثقة المودعين وأن يضمن صلابة القطاع المصرفي خاصّة وأنّ بعض المنظمات الدوليّة على غرار صندوق النقد الدّولي والبنك الدّولي تربط حجم مساعداتها ومستوى نسبة الفائدة الموظّفة على هذه المساعدات بمدى احترام الدّول لهذه المعايير.
6/ الإطار الترتيبي والقانوني للعقوبات
أتاح الفصل 169 من القانون البنكي لمحافظ البنك المركزي تسليط عقوبات وخطايا ماليّة تجاه البنوك والمؤسسات المالية التي تخالف الأحكام المتعلّقة بقواعد التصرّف الحذر والحوكمة والرقابة الداخليّة وقواعد الرقابة الداخلية المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب علاوة على تلك التي لا تتقيّد بالمقتضيات التنظيميّة المتعلّقة بتسهيل إجراءات الرقابة عليها.
ولئن تمّ ضبط كيفيّة احتساب الخطايا المترتّبة عن عدم احترام معايير الحوكمة والرقابة الداخلية وقواعد الرقابة الداخلية المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بمقتضى المذكرة الداخلية للبنك المركزي الصادرة في 28 ديسمبر 2017 إلا أنّه لم يتم إصدار منشور في الغرض يضبط كيفية احتساب الخطايا المسلّطة على مخالفة المعايير النوعيّة وهو ما من شأنه أن لا يضمن موضوعيّة طريقة احتساب العقوبات و تقدير المدخرات الواجب تكوينها من طرف البنك المخالف بعنوان الخطيّة .
وضبط الفصل 75 من القانون البنكي مجموعة من الأسقف العليا المتعلقة بمساهمة البنك أو المؤسّسة الماليّة في رؤوس أموال الشركات. وباعتبار أنّ هذه الأسقف تندرج ضمن قواعد التصرّف الحذر والتي تجعل مخالفها عرضة للعقوبات المنصوص عليها بالفصل 169 من نفس القانون، إلاّ أنّه وبخلاف ما تمّ اعتماده في خصوص المعايير المتعلّقة بملاءة الأموال الذاتيّة لم يقم البنك المركزي بضبط كيفيّة احتساب الخطيّة بخصوص تجاوز هذه الأسقف وهو نفس الحال بالنسبة للمخالفات المتعلّقة بعدم احترام النسبة القصوى لتأجير الودائع تحت الطلب.
ولئن حدد الفصل 169 من القانون البنكي المخالفات التي تندرج في مجال اختصاص محافظ البنك المركزي، إلاّ أنّ الفصل 170 لم يوضّح كيفية تطبيق الخطية القصوى من حيث انطباقها على كل صنف من المخالفات على حدة أو على كل المخالفات بصفة مجتمعة.
وقد اعتبر البنك المركزي ضمن ردّه أنّ “التأويل الأقرب إلى الصواب انطلاقا من الصيغة التي اعتمدها المشرع التونسي بهذا الفصل هي أنّ الخطية القصوى المقدرة بـنسبة 15 %من رأس المال الأدنى يمكنها أن تنطبق على أي مخالفة من المخالفات الوارد تعدادها بالفصل 169.”
وأدّى عدم تفعيل لجنة العقوبات إلى عدم البتّ في مخالفات تدخل في مجال اختصاص هذه اللجنة والتي تمّت معاينتها على إثر عمليات التفقّد الميداني للبنك المركزي. وتتعلّق هذه المخالفات بعدم احترام 8 بنوك مقيمة لمعيار توزع المخاطر المتعلق بالأشخاص المرتبطين بالبنوك والمؤسسات المالية.
7/ المقترحات العاجلة لشبكة المدونين الأحرار
بالنظر لخطورة الاعمال المشار اليها اعلاه والتي تمثل قطرة من محيط الفساد المستشري صلب البنك المركزي الذي بقي صندوقا اسود طيلة اكثر من 60 سنة وباعتبار ان محافظ البنك المركزي يتم تعيينه من قبل رئيس الجمهورية باقتراح من رئيس الحكومة كما نص على ذلك الفصل 78 من الدستور، نطلب من قيس سعيد العمل على اخضاع التصرف المالي والاداري للبنك المركزي لرقابة محكمة المحاسبات باعتبار انه مسئول طبقا للفصل 72 من الدستور على السهر على احترام الدستور وبالاخص الفصل 10 منه الملزم للدولة بمكافحة الفساد ومنع كل ما من شانه المساس بالسيادة الوطنية وكذلك على اعفاء مروان العباسي الذي الحق اضرارا جسيمة بتونس من مهامه. كما على رئيس الجمهورية ان يتقدم بمبادرة تشريعية لتحوير القانون الفاسد عدد 35 لسنة 2016 المتعلق بالنظام الاساسي للبنك المركزي وبالاخص الاحكام الفاسدة والمضرة المتعلقة بتعيين مراقبي حسابات البنك المركزي الذين عادة ما يصادقون دون تحفظ على حسابات البنوك المنهوبة والتي ينخرها الفساد والذين يجب تحميلهم المسؤولية المدنية والجزائية والذين لا فائدة ترجى من وراء تقاريرهم الضحلة والتافهة رغم ما يتقاضونه من مبالغ مالية كبيرة خارج اطار جدول الاتعاب المصادق عليه بمقتضى قرار وزاري مشترك فاسد وغير شرعي مخالف للفصل 265 من مجلة الشركات التجارية صادر عن وزير المالية ووزير التجارة وهذا له تاثير كبير على استقلاليتهم كما اشارت الى ذلك محكمة المحاسبات بالصفحة 194 من تقريرها عدد 32 لسنة 2021 المتعلق بالاشراف على القطاع البنكي. كما على رئيس الجمهورية ان يتقدم بمبادرة تشريعية لتحوير القانون الفاسد عدد 48 لسنة 2016 المتعلق بالبنوك والمؤسسات المالية الذي تمت صياغته على مقاس مافيا النهب. ايضا، على قيس سعيد ان يعمل على اخضاع كل البنوك العمومية وذات المساهمات العمومية المنهوبة لرقابة محكمة المحاسبات الى حدود 31 ديسمبر 2020 ويحيل تقاريرها الرقابية الى القطب القضائي الاقتصادي والمالي وذلك بغاية ايقاف النزيف المتواصل داخل تلك البنوك باعتبار انه لم يتم استئصال الفاسدين الذين يتمعشون من ورائها كمسئولين وكأعضاء بمجالس ادارتها بما في ذلك متقاعدي وزارة المالية.
د. الصحبي العمري