يسعى السلفيون للسيطرة على المشهد الديني من خلال أنشطتهم داخل المساجد وعلى مواقع التواصل وبدأوا في التسلل إلى المؤسسات الثقافية والعامة للقيام بمحاضرات دينية وأنشطة تهدد مكاسب الدولة المدنية في تونس.
ويحذّر مراقبون من مخاطر تلك الدروس التي تنشر أفكارا متطرّفة وتستهدف الأطفال والشباب، وسط دعوات ملحّة إلى زيادة تحصين المجتمع منها بمراجعة مقومات الخطاب الديني ومقاصده.
ويقول مراقبون إن النجاحات الأمنية النوعية لا تكفي للتصدي لظاهرة الإرهاب الذي ينشأ كأفكار متطرفة وعنيفة، لذلك تكثّف هذه “الجماعات” من أنشطتها من خلال المحاضرات الدينية وإلقاء الدروس في الجهات التونسية، وهو ما يستدعي يقظة أمنية ومجتمعية بالأساس.
وعبّر المرصد الوطني للدفاع عن مدنية الدولة الاثنين عن رفضه الشديد لتظاهرة الداعية والعضو القيادي في حزب النور السلفي المصري شريف طه يونس بقصر العلوم بالمنستير (وسط شرق) وبمشاركة جمعيات قال إنها “مشبوهة” وأمام جمع وصفهم بـ”المتشددين دينيّا”، معتبرا أن المحاضرة منافية لمبادئ مدنية الدولة.
وشريف طه يونس هو داعية مصري كان ألقى يوم العشرين من أغسطس الجاري محاضرة تحت عنوان “طفلي لا يحفظ” بقصر العلوم في المنستير وهو ما أثار ردود فعل مختلفة ذهبت جلها إلى أن ذلك تهديد للدولة المدنية ومكاسبها.
وذكّر المرصد في بيان صادر عنه نشره بصفحته على فيسبوك بأن “قصر العلوم بالمنستير مرفق عام يتبع وزارة التعليم العالي” وبأنه “أنشئ لبثّ الفكر النقدي المُتطوّر المرتكز على العلوم الحديثة وليس لبثّ الخطب الرجعية وللترويج للكتب الصفراء”.
وتساءل عما “إذا كانت السلطات الإدارية والأمنية ووزارة التعليم العالي قد سمحت بهذه التظاهرة أم أنها تمّت بمبادرة شخصية من مدير قصر العلوم المعروف بانتمائه السياسي”.
وطالب المرصد الرئيس التونسي قيس سعيد بـ”وضع حدّ لنشاط الجمعيات التي قال إنها إرهابية”، داعيا إلى إغلاق مقر جمعية العلماء المسلمين والذي قال إنه “معروف بوكر القرضاوي والمُصنّف إرهابيا في العديد من دول العالم”.
وأكد أن “كل ما يتنافى مع مبدأ مدنية الدولة ومع بثّ الفكر التقدمي الحداثي هو عمل من شأنه أن يزيد في تأخّر المجتمع وفي دفعه إلى العنف والإرهاب”، مشددا على أنه “عمل لا يستجيب لتطلعات الشعب التونسي ولا للمسار التاريخي الطبيعي الذي يُفترض أن يكون الركيزة الأساسية لسياسة الدولة”.
ويرى خبراء أن مكافحة الإرهاب في تونس باتت مهمة وطنية مشتركة تتداخل فيها مختلف الوزارات والمؤسسات وفق مقاربات أمنية وتربوية وثقافية شاملة، تراقب محتويات الخطاب الديني وتؤسس لاحترام مدنية الدولة.
وقال العميد المتقاعد والرئيس السابق للجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب مختار بن نصر إن “تونس لديها إستراتيجية لمكافحة الإرهاب ومحل اهتمام كل الوزارات المعنية على غرار وزارة الداخلية والتربية والشؤون الثقافية ضمن مخطط عمل شامل لمجابهة مخاطر الارهاب”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أنه “يجب تخصيص برنامج كبير في التربية المجتمعية، ومنع الأحزاب المتطرّفة التي تتوخى الدين لبلوغ السلطة من الوصول إلى أهدافها، وكل حزب من هذه الأحزاب يهدف إلى الإقناع بتأسيس دولة الخلافة، ولذلك وجب التجنّد وتفعيل الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب التي تتضمن أبعادا تربوية وثقافية وتنموية”.
وتابع بن نصر “إذا لم نهتم بالجانب العلمي والثقافي فستكون المدارس محل استقطاب، ووزارة الداخلية تعلمنا بصفة متواترة بمثل هذه الأنشطة المتطرفة والعنيفة، وتم في السنوات الأخيرة التفطّن إلى مدارس ورياض أطفال تبثّ هذه الأفكار، وهذا من شأنه أن يصنع جيلا متطرّفا ومواليا لتلك الأفكار والجماعات ويصوغها على رفض الآخر والقطع مع مقومات الدولة المدنية”.
وتحاول الجمعيات المتخفية بغطاء ديني استقطاب الأطفال والشباب على مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت وفي المساجد، واستغلال الظروف النفسية والاجتماعية للفئات المستهدفة.
وأفاد كريم شنيبة المتخصص في الحركات الدينية “معلوم أن قطاع الطفولة من أكثر المجالات حساسية وتعقيدا نظرا إلى هشاشة هذه الفئة العمرية فكريا ونفسيا، لذلك يجب التعامل مع المواد التعليمية أو التثقيفية الموجهة للطفل بكثير من الجدية والحذر بما في ذلك الخطاب الديني الموجه للطفل، وعليه فإن الدروس والمحاضرات التي تلقى على مسامع الأطفال لا بد أن تكون من طرف مختصين وبمتابعة وإشراف من الجهات الرسمية”.
وأضاف لـ”العرب” أن “هذا ما يحيلنا على مدى مشروعية الأنشطة التي تقدمها بعض الجمعيات على غرار ما وقع مؤخرا بالمنستير، حيث تجدر الإشارة إلى أن الخطاب الديني أو الدعوي الموجه لعامة الناس لا يتطابق مع احتياجات الطفل ومستوى إدراكه، بالإضافة إلى مرجعية الشيخ المدعو الفكرية التي تتعارض مع تراثنا وموروثنا الفقهي والعقدي”.
وأردف شنيبة “هذه في تقديري محاولة لزرع بذور التطرف والراديكالية لدى هؤلاء الأطفال وهذا ليس بجديد على تيارات الإسلام السياسي التي ما انفكت تسعى بكل الطرق لتوظيف الخطاب الديني واستغلال النزعة الإيمانية لدى الكثيرين للوصول إلى غايات ومآرب سياسية ومادية بحتة، وهذا ما يجب على كل القوى المدنية التصدي له بكل جدية وأخص بالذكر وزارة الشؤون الدينية التي تعتبر المسؤول الأول عن الخطاب الديني”.
وفي وقت سابق عبّر المرصد الوطني للدفاع عن مدنية الدولة عن استغرابه من انطلاق “اتحاد علماء المسلمين” في التسجيل لمجموعة من الدورات التدريبية، في وقت كانت الدعوات تطالب بغلق مقر هذه المنظمة.
وحذّر المرصد في بيان له من “خطورة المضامين التي يروجها هذا الاتحاد، المُصنّف إرهابيّا من قبل العديد من دول العالم، والتي تتعارض مع المبادئ الدستورية المدنية ومع القوانين التونسية خاصة في مجال الأحوال الشخصية، وإلى ما تحتويه من فكر ظلامي سلفي ومن حثّ على التكفير والعنف، ممّا يبعث في شبابنا روح الكراهية والإرهاب”.
وقال منير الشرفي رئيس المرصد في تصريح لإذاعة محلية “طالبنا بغلق مقري الاتحاد في تونس وصفاقس (جنوب) لكن لم تتم الاستجابة لهذا الطلب بسبب المساندة التي كان يحظى بها من الحزب الحاكم (في إشارة إلى حركة النهضة)، لهذا نوجّه النداء إلى رئيس الجمهورية قيس سعيّد الذي شنّ حربا ضدّ الفساد لكنه لم يتخذ أي إجراء بخصوص الفساد السياسي وسيطرة الإسلام السياسي على الدولة”.
وتعرضت تونس لأعنف الهجمات الإرهابية في تاريخها على الإطلاق عام 2015 عندما شن مسلحون ثلاث هجمات كبرى في فترات متباعدة، استهدفت متحف باردو وفندقا بسوسة وحافلة للأمن الرئاسي في العاصمة تونس، مخلفة 13 قتيلاً من عناصر الشرطة ونحو 60 سائحاً أجنبياً.
صحيفة العرب