عبَّر تونسيون من منطقتي العامرة وجبنيانة بولاية صفاقس (جنوب) عن غضبهم من استمرار تواجد مهاجرين غير نظاميين من جنسيات دول إفريقيا جنوب الصحراء على أراضيهم.
ورغم حملات أمنية تنفذها السلطات لإخراج آلاف المهاجرين غير النظاميين من غابات زياتين العامرة، إلا أنهم يستمرون بالتواجد في هذه الغابات دون أفق واضح لمغادرتها.
غضب الأهالي من تواجد المهاجرين فسره محمد بن فرح، ناشط بالمجتمع المدني في معتمدية العامرة، بأن “الوضع في العامرة منذ سنة ونصف شهد عدة تطورات في مختلف المجالات، فكل مجال ضُرب في الصميم، كالمجال التربوي والديمغرافي والاقتصادي والاجتماعي”.
وأضاف ابن فرح للأناضول: “نعيش مرحلة من التحولات الخطيرة جدا على النسيج المجتمعي في معتمدية العامرة ومعتمدية جبنيانة (مجاورة).. وصلنا مرحة لم يعد أحد مرتاحا لا أفارقة جنوب الصحراء (المهاجرون) ولا الأهالي”.
واعتبر أن “الوضع في العامرة وصل مرحلة خطيرة فقدنا فيها السيطرة الأمنية والاجتماعية على مجال جغرافي في جهتنا إلى درجة تصل الاحتلال”.
وتابع أن “العديد من المواطنين يشتكون من أنه لم يعد بإمكانهم الوصول إلى مزارعهم وزياتينهم، ووصلنا وضعا أن منازلهم ستُفتك منهم (تُسلب) من قِبل المهاجرين غير النظاميين”.
الأفارقة يعانون الإهمال
ورغم رفضه الوضع القائم، قال ابن فرح إن “الأفارقة يعانون الإهمال والتسيب والفوضى، ووضعهم الاجتماعي قاسٍ جدا، ويشكلون قنبلة موقوتة، خاصة مع توقع ارتفاع عددهم في الصيف”.
وحذر من أنهم “قد يصلون مرحلة رد فعل تهدد المواطن التونسي في عيشه وأملاكه وأرزاقه، خاصة في ظل غياب الحلول الناجعة في التعاطي مع الأمر”.
وأردف: “الآن الحلول الأمنية على أهميتها غير كافية في المنطقة، بل تزيد الأمر تعقيدا”.
و”في الحمايزية، منطقة تدخل فيها الأمن لإجلاء الأفارقة، الناس تقول كفى للتدخلات الأمنية وقنابل الغاز المسيلة للدموع وتهديم خيامهم، فهم يعيدون قطع أغصان الزياتين وقنوات الري لبناء خيام لهم”، كما زاد ابن فرح.
وتابع: “خسرنا فلاحتنا السقوية (المروية) وأشجارنا المثمرة، خاصة ثروة الزياتين، والناس لم تعد لها ثقة في المستقبل وتصورات الحكومة في معالجة الأمر، ونخشى الصيف المقبل، ولنا أحساس أن الأمر سيتعقد أكثر”.
ومضى قائلا: “نتصور أنه لو في أول الأمر استُمِع لصوتنا المنبه لهذه الظاهرة، لأمكن معالجة الأمر”.
ورجح ابن فرح أنه “بعد شهر (…) يمكن أن تفوق أعدادهم (المهاجرون غير النظاميين) أعداد الأهالي”.
وحذر من أنه “مع العطش والإجراءات التي تمس إنسانيتهم، بمنع الأكل والشراب وكراء المنازل لهم، ربما هذا يزيد في تغذية نزعة العنف داخلهم”.
وأردف: “لا ندري ماذا ستكون ردة فعلهم إذا جاعوا؛ لأنهم يعيشون ظروفا قاسية جدا في زياتيننا وعلى أراضينا”.
حل إنساني
و”الوضع ينذر بكارثة في القريب العاجل، إذا لم تقف كل الأطراف لنجد حلا جذريا”، حسب تحذير أطلقه ابن فرح.
واعتبر أن “الحل بالنسبة لنا في العامرة هو ترحيلهم من المكان، مع المحافظة على إنسانيتهم وكرامتهم، التي لا ينكرها أحد، فنحن لسنا عنصريين”.
واستدرك: “لكن قبل أن نفكر في حقوق هؤلاء، علينا أن نفكر في حقوقنا، وأن تكون لنا أرضنا ونضمن حقنا في استغلالها، الناس هنا تعبوا من أجل هذه الأراضي والزياتين، ولا يمكن أن نسمح في لحظة ما أن يستولي عليها الآخر”.
وتابع: “لنا عديد المناطق السقوية التي خسرناها؛ لأن المهاجرين غير النظاميين يقيمون خيامهم بالقنوات البلاستيكية وبلاستيك البيوت المحمية (صوب بلاستيكية)، والآن يقطعون أغصان الزيتون لبناء خيام لهم”.
وحول الحلول التي يطرحها المجتمع المدني، قال ابن فرح: “قبل ترحيلهم لبلدانهم أو إلى أوروبا، بجب إبقاؤهم في الحدود، فكل شبر من الأرض نحتاجه، وهي مناطق سقوية. هل نخسر أراضينا ونحن منطقة مهمشة بها نسبة كبيرة من الفقر وشباب معطل؟!”.
وشدد على أنه “لا يمكن التفكير في التنمية أمام هذا الوضع المأزوم، لذلك نقول مستقبلنا مأزوم وأمامنا أيام صعبة، ولكن المجتمع المدني نبه من قبل، إلا أنه مُغيّب”.
وتساءل: “المنظمات الدولية التي تدفع لهم لماذا لا تدفع لهم في بلدانهم وتوفر لهم مسالك تنموية لتشجيعهم على الاستقرار في بلدانهم؟! ولماذا لم تغير طريقة التعامل معهم التي تغذي الحروب في تلك المناطق؟!”.
وأضاف أن الجميع يهرب من حروب، سواء كانوا سودانيين أو بوركينيين أو غينيين أو سنغاليين، ولهم حد أدنى من التدريب (القتال)، فتونس مقبلة على فترة سيئة جدا إذا لم توقف هذا المشروع (استمرار تواجد المهاجرين)”.
كوارث بيئية وصحية
ضحى بن سعيد، ناشطة بالمجتمع المدني في مدينة العامرة، اتفقت مع ابن فرح في مخاوفه من تبعات استمرار استقرار المهاجرين غير النظاميين في غابات الزياتين.
وقالت بنت سعيد للأناضول: “قلقون جدا، وهنا صرخة فزع للمواطنين، ونحن قادمون على كوارث بيئية وصحية”.
وأضافت: “نريد حلولا جذريا من رئيس الجمهورية (قيس سعيد)، الذي قال إن تونس ليست أرض توطين (للمهاجرين) ولن تكون أرض عبور (إلى أوروبا)”.
وتابعت: “السكان تعرضوا للسرقات والمضايقات والمداهمات. نريد أن يصل صوتنا إلى أعلى مستوى، لنا ثقة في دولتنا وأمننا ورئيسنا لإيجاد حلول لهؤلاء المهاجرين غير النظاميين الذين يتجولون بأسلحة بيضاء”.
العبور إلى أوروبا
بالوتا سيسي مهاجر غير نظامي التقاه مراسل الأناضول في غابة زياتين العامرة، وقال: “أتيت هنا منذ 9 أشهر ونعاني هنا.. غادرنا بلادنا لظروفنا الصعبة التي لا أريد تذكرها، لأغادر إلى أوروبا”.
سيسي اكتفى بالقول إنه “من غينيا” دون تفصيل أكثر، وأضاف: “عندما جئت إلى هنا لم أرد البقاء أكثر من شهرين أو ثلاثة لأعبر (البحر) المتوسط”.
وتابع: “هنا لا نأكل جيدا ولا نعيش في أحسن الظروف، ونتعرض للعنف من قبل إخوتنا الأفارقة”.
سيسي مضى قائلا: “نريد الإعانة الدولية لنخرج من هذا الوضع، حيث نتعرض للعنف والاعتداء وانعدام الأمن”.
وأضاف: “نعيش في بيوت قش بلا أبواب، وهناك نساء تعاني وأطفال، وهذا غير مقبول”.
كما قالت كاديات كامارا من غينيا كوناكري: “أنا هنا منذ 9 أشهر، ونتناول بصعوبة وجبة في اليوم، ونريد العبور (إلى أوروبا)، ولكن الدولة التونسية ترفض”.
وأضافت كامارا للأناضول: “نعاني كثيرا هنا، لا غذاء ولا أموال ولا شغل، وكلما يأتون إلى هنا يهينوننا كي نغادر”.
وتابعت: “نريد مرافقة المجموعة الوطنية (السلطات التونسية) والدولية لإخراجنا من هذا الوضع، ونطلب من الرأي العام الوطني والدولي أن ينظر لوضعنا وأين ننام”.
كامارا شددت على أن “الأطفال والنساء والرجال يعانون دون فرق أو تمييز (…) نريد تحرير الماء (السماح بالهجرة عبر البحر المتوسط).. مطلبنا هو العبور”.
والثلاثاء، أعلن وزير الداخلية التونسي كمال الفقي أن السلطات أحبطت، منذ بداية 2024، 3 آلاف و369 عملية هجرة غير نظامية وانتشلت 341 جثة، بالإضافة إلى إنقاذ 4 آلاف و336 مهاجرا غير نظامي.
وقال الفقي إن 52 ألفا و972 شخصا حاولوا، منذ بداية العام الحالي، اجتياز الحدود البحرية خلسة نحو أوروبا انطلاقا من السواحل التونسية، بينهم 48 ألفا و765 أجنبيا.
ومنذ فترة تشهد تونس تصاعدا لافتا بوتيرة الهجرة غير النظامية إلى أوروبا، خصوصا باتجاه سواحل إيطاليا، على وقع تداعيات الأزمات الاقتصادية والسياسية في البلد ودول إفريقية أخرى، لا سيما جنوب الصحراء.
وأعلنت المفوضية الأوروبية، في سبتمبر/ أيلول 2023، تخصيص مساعدات لتونس بقيمة 127 مليون يورو، تندرج ضمن بنود مذكرة تفاهم موقعة بين تونس والاتحاد الأوروبي، جزء منها للحد من توافد المهاجرين غير النظاميين.
المصدر : الأناضول