لا يزال السرطان داء يضرب بقوّة في الجزائر ويحصد أرواح كثير من المرضى كان بالإمكان إنقاذهم لو أن اكتشاف المرض تمّ في وقت مبكر، كما يؤكده جميع الأطباء والمختصون في مجال الأورام.
وتعد الوقاية والكشف المبكر رهانا وتحديا كبير يرفعه الأطباء والسلطات الصحية ضمن مخطط السرطان الجديد 2023- 2030 من أجل اكتشاف إصابات في المرحلة الأولى والثانية اللتين تمنحان حظوظا أكبر في الشفاء والعلاج الأنجع مع تحسين نوعية الحياة، بعيدا عن الآثار الجانبية للعلاج الكيميائي والإشعاعي.
وأكّدت في هذا السياق البروفيسور قندوز حميدة المختصة في جراحة الأورام وبالتحديد جراحة الثدي أنّ مستوى الوعي بداء السرطان لدى الجزائريين قد ارتفع كثيرا مقارنة بالسنوات الماضية، غير أنّه لا يزال أقل من التطلّعات المأمولة، خاصة ما تعلّق بمراحل اكتشاف المرض والتي غالبا ما تكون في المرحلة 3 و4.
وأوضحت البروفيسور قندوز، في تصريح لـ”الشروق”، بمناسبة إحياء اليوم العالمي لمكافحة السرطان المصادف للرابع فيفري من كل عام أنّ الجراحة لا تزال الحل الأول في علاج مرضى السرطان ببلادنا، بالنظر إلى الحالات التي تصل إلى مختلف المؤسسات الصحية، وقالت المختصة أنّ الوقاية هي السّلاح الأوّل لمواجهة السّرطان ومحاربته فبعض أنواع السرطان يمكن الشفاء منها إذا اكتشفت مبكرا.
وركّزت البروفيسور قندوز على ضرورة تعزيز التكوين لدى الأطباء العامين الذين قد لا يشخّصون بدقّة بعض الأعراض التي تصيب مرضاهم، رغم أنّ هؤلاء يبذلون جهدهم في التوجه نحو الأطباء وإجراء كافة التحاليل، داعية إلى مزيد من المشاركة في الدورات التكوينية من أجل الاطلاع على مستجدات التشخيص والتكوين.
وتحدّثت الدكتورة أمينة عبد الوهاب المختصة في الأورام أنّ الكشف المبكر ساهم في معرفة حالات جديدة كثيرة، غير أنّ الأطباء يأملون في الحصول على نتائج سريعة أكثر.
وقالت الدكتورة عبد الوهاب “لاحظنا وجود وعي لدى النساء في ما يخص الكشف عن المرض، غير أن الخوف يبقى من أهم عوائق الكشف..الخوف من الموت والخوف من الاستئصال ومن نظرة المجتمع باعتبار أن الثدي رمز أنوثة المرأة فأحيانا تخاف من استئصاله، البعض يخاف من عدم الزواج أو عدم الإنجاب أو حتى الطلاق وإن لم يكن بنفس الحجم المروج له لكنه يبقى ضمن مسببات الخوف.”
وأضافت “الحياء أحيانا من الكشف عن الثدي ونظرة المجتمع للمرض قد يجعل المريض يخفي الإصابة بالسرطان وكأنها عيب، فكلما اكتشفت مبكرا كلما كانت الحظوظ مرتفعة للشفاء والعيش بصحة جيدة”.
أكدت جميلة نذير المديرة الفرعية للأمراض غير المتنقلة بوزارة الصحة أنّ السرطان يصيب النّساء في الجزائر أكثر من الرّجال بنسبة 25 ألف امرأة مصابة مقابل نحو 22 ألف لدى الرجال ويمثل سرطان الثدي المرتبة الأولى لدى النساء بأكثر من 60 بالمائة من السرطانات الأنثوية وبـ 15 ألف إصابة جديدة سنويا، يليها سرطان القولون والمستقيم وبعده سرطان الغدة الدرقية.
وبالنسبة للرجال يتقاسم سرطان الرئة والقولون والمستقيم المرتبة الأولى بعده سرطان البروستات الذي يمكن تفاديه نهائيا بالتشخيص المبكر، وعليه فإن سرطان القولون والمستقيم هو الأكثر انتشارا لدى الجنسين بأكثر من 6500 إصابة جديدة سنويا.
وقالت نذير أن الصالون الوطني للسرطان سمح للمنظمين ووزارة الصحة بالوقوف على بعض الجوانب التي ستبني عليها استراتيجيتها الوقائية فالوقاية كما قالت هي ركيزة ومحور مخطط السرطان للعام 2023-2030، حيث سجل على مدار الأيام الثلاثة إقبال كبير من قبل المواطنين الذين توافدوا بكثرة للاطلاع والكشف وكان لهم احتكاك مع مختلف الأطباء في المؤسسات الصحية الوطنية المشاركة في الحدث.
أكّدت حميدة كتّاب الأمينة العامة لجمعية الأمل لمساعدة مرضى السرطان “بيار وماري كوري” أنّ اكتشاف السرطان لدى الجزائريين يتم بشكل مفاجئ جدا ويكون في مراحل متقدمة قاتلة، فغالبا ما يعلم المريض بالأمر على إثر تحاليل للخضوع لعمليات جراحية أو أثناء فحوصات طبية.
وتأسّفت كتّاب للمآسي التي يحدثها سرطان القولون والبروستات في بلادنا خاصة أنه يمكن تفاديهما بالنظر إلى طول مدة تطورها التي لا تقل عن 10 سنوات منذ بداية ظهور بعض الأعراض.
ولفتت كتّاب الانتباه إلى مشكل كبير جدا يتعلق بنقص تكوين الأطباء العامين وتحيين معطياتهم العلمية وعدم اطلاعهم على الطرق العلاجية والتشخيصية الجديدة، مستشهدة في ذلك بسرطان القولون الذي عادة ما يساء تشخيصه ويعالج على أساس أمراض قولون.
وقالت كتّاب أن التشخيص المبكر خاصة في سرطان الثدي يسمح للمرأة بعدم استئصال الثدي وبالتالي لا تتعرض إلى كثير من المضاعفات الأخرى وحتى بعض الأعراض النفسية التي قد تصاب بها.
الشروق