موقع المغرب العربي الإخباري :
تنعقد القمة العربية في الجزائر في ظروف خاصة و تراكمات لتحديات قديمة و أخرى جديدة و في ظل تحولات إقليمية و دولية متسارعة ، إن كل هذه الظروف مجتمعة تعطي لهذه القمة أهمية تاريخية و استراتيجية بالنسبة للقادة العرب بحيث تكون الإستجابة في مستوى هذه التحديات و هذا يتطلب من الجميع قراءة صحيحة للأحداث و أخذ زمام المبادرة و تحقيق تطلعات الشعوب العربية و ترتيب البيت العربي من جديد و إيجاد حلول عربية للمشاكل العربية من خلال الجامعة العربية و مؤسساتها و في طليعتها الملف السوري و اليمني و الليبي ، هذا من الناحية السياسية و الأمنية، كما يمكن للجامعة العربية أيضا أن تلعب دورا كبيرا في مساعدة الدول العربية التي تعاني هشاشة إقتصادية و اجتماعية من أجل الإستقرار مقل لبنان و المغرب و تونس و موريتانيا ، ولكن لا بد قبل ذلك أن نتساءل :
كيف استطاعت الجزائر ضمان إنعقاد هذه القمة و نجاحها ، و ما هي دلالة إختيار تاريخ إنعقاد هذه القمة في الفاتح و الثاني من شهر نوفمبر ، و ما هو المنتظر من هذه القمة بالنسبة للشعوب العربية و المثقفين و الفاعلين السياسيين و أصحاب الرأي و صناعه ؟
و قبل الإجابة على هذا السؤال لا بد أن نُذكر بالمعطيات التالية :
إن نجاح الجزائر في استضافة هذه القمة العربية لم يكن سهلا على الإطلاق ، لأن ذلك ناهيك عن الجوانب التنظيمية و اللوجستيكية يتطلب جهودا سياسية معتبرة و عمل دبلوماسي مكثف و رؤية عميقة و حكيمة من أجل تقريب وجهات النظر بين القادة العرب و العواصم العربية من أجل إعادة ترتيب البيت العربي كما أسلفت سابقا و صياغة رؤية عربية مشتركة ، هذا البيت العربي الذي تصدع بفعل ثورات الخراب العربي المفتعلة و مشروع الشرق الأوسط الجديد الأمريكي _ الصهيوني الذي كان يستهدف تفكيك الدول الوطنية العربية و إضعافها بالإضافة إلى بعض القوى الإقليمية المرتبطة تاريخيا بمحاور معادية للعرب و القضية الفلسطينية و التي كانت تشوش على إنعقاد هذه القمة و تشكك في انعقادها و استعملت في ذلك كل الوسائل من أجل بلوغ أهدافها ، و لكن العودة القوية للجزائر و تموقعها الجديد على الساحة الدولية و الإقليمية و العربية أفشل كل هذه المخططات الخبيثة و الدنيئة و سقطت أوراقها في الوحل مثل أوراق الخريف الصفراء الميتة .
_ إن اختيار الفاتح من نوفمبر لانعقاد هذه القمة العربية لم يكن صدفة ، و لكن هذا التاريخ له رمزية قوية عند الجزائريين أولا و كذلك عند الشعوب العربية و الإفريقية و العالم ، لأن ثورة التحرير المباركة ساهمت في تحرير الكثير من هذه الشعوب كما التف حول هذه الثورة كل الأشقاء العرب و كانت الثورة محل فخرهم و اعتزازهم و الشعور بوحدتهم و تكاملهم لأن الجزائريين لم يكونوا يحاربون فرنسا وحدها بل الحلف الأطلسي بكامله كما تغنوا بانتصارها و مجدها باعتبارها أرض المليون و نصف مليون شهيد ، و من جهة أخرى فإن هذه الثورة إلتف حولها أحرار العالم من سياسيين و قادة و زعماء العالم و مثقفين و أدباء و فلاسفة و رجال قانون و كان صوتها يدوي في المحافل الدولية .
إن هذا الزخم الذي يتفرد به هذا التاريخ الرمزي أي أول نوفمبر و الذي أصبح علامة فارقة في التاريخ العالمي المعاصر لا شك بأنه سوف يعطي لهذه القمة مرجعية وطنية و قومية و إنسانية و نكهة خاصة و ذخرا و ذخيرة و حافزا قويا لمواجهة كل المشاكل العالقة و حلها لأن هذه القمة و في هذا الظرف التاريخي الإستثنائي هي قمة تضامن و تلاحم و مصير ، إما البقاء أو الفناء ، كما كان شعار ثورة التحرير المباركة ، إما النصر أو الإستشهاد ، إن هذه العقيدة الوطنية الجزائرية هي التي يجب إستلهامها اليوم من أجل التحرر و الإنعتاق و إعادة بناء و تشكيل الشخصية العربية القومية الجديدة على أسس صحيحة و متينة و دائمة .
إن نجاح الدولة الجزائرية و دبلوماسيتها القوية في تتويج مسار المصالحة الوطنية الفلسطينية في بيان الوحدة و الإتحاد و من المكان الذي أعلن فيه الرئيس الراحل ياسر عرفات قيام الدولة الفلسطينية و برعاية الرئيس عبد المجيد تبون شخصيا كان له صدى كبير و ترحيب إيجابي على المستوى العربي و العالمي ، بما في ذلك القوى الكبرى ممثلة في الإتحاد الأوروبي أو الأمم المتحدة ممثلة في السيد الأمين العام ، و الأهم في ذلك هو الصدى الإيجابي لهذه المصالحة لدى الشعب الفلسطيني المرتبط عاطفيا و تاريخيا بالجزائر التي احتضنت ثورته و قضيته منذ البداية و لازالت إلى اليوم لأنه في المقاربة السياسية الجزائرية إذا توحد الفلسطينيون سوف يتوحد العرب و أن الوحدة الفلسطينية هي المفتاح للوحدة العربية .
و قبل الختام علينا أن نتساءل و التساؤل مشروع : ما هي الأولويات التي ينتظرها المواطن العربي و المثقف العربي على الخصوص من هذه القمة ؟
إن أولوية الأولويات هي أن تعود القضية الفلسطينية إلى مكانتها الأصلية باعتبارها القضية الأساسية للعرب و القضية المحورية في الصراع العربي الإسرائيلي و أملنا أن يتخذ القادة العرب قرارات حاسمة في هذا الشأن تكون في مستوى تطلعات الشعب الفلسطيني و الشعوب العربية و الإسلامية ، لأنه لا يمكن تصفية القضية الفلسطينية و الدليل على ذلك هو فشل كل المخططات التي نسجت من أجل ذلك سواء صفقة القرن أو التطبيع مع الكيان الصهيوني من طرف بعض الأنظمة العربية منفردة و هذا يتعارض مع مبادرة السلام العربية التي أعلنت عنها الجامعة العربية في بيروت و هي ملزمة للجميع و التي تتضمن الأرض مقابل السلام و هي المبادرة التي تتمسك بها الجزائر كمرجعية و حيدة لحل النزاع العربي الإسرائيلي ، كما يمكن أن نؤكد من جهة أخرى أن الجزائر كدولة إقليمية و محورية كبرى في المنطقة و ذات تأثير واسع كان لها دور كبير و حاسم في فرملة التطبيع مع الكيان الصهيوني سواء في المنطقة العربية أو الإفريقية و هذا عندما أعلن رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون لاءاته الثلاثة التي زلزلت الكيان الصهيوني و عملائه بقوله : ( لن نطبع و لن نهرول و لن نبارك هذا التطبيع ) .
و أخيرا و ليس آخرا ، و كرؤية إستشرافية للمستقبل ، يمكننا أن نقول أن التوتر الذي تعرفه أوروبا و العالم من خلال الحرب الروسية الأوكرانية ينذر و ينبئ بتحولات عميقة و تشكل نظام عالمي جديد ، نظام عالمي يعتمد على تعدد الأقطاب و في ذلك فرصة تاريخية للعرب من أجل التموقع الإستراتيجي كقوة عربية متضامنة و موحدة سياسيا و اقتصاديا و عسكريا لأن العرب بإمكانياتهم الطبيعية و البشرية و الحضارية لا يؤثرون و لا يغيرون في الأحداث إلا إذا كانوا موحدين و تحركوا ككتلة واحدة و هذا هو الدرس الذي يجب أن نتعلمه من التاريخ و من الأحداث المعاصرة و الذي يمكن أن يكون شعارا فكريا و مخطط عمل لهذه القمة الواعدة .
أستاذ جامعي – معسكر
انسخ الرابط :
Copied