يستعد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون لزيارة بكين، بعد نحو أربعة أسابيع على زيارته إلى موسكو، بحثا عن استثمارات صينية، لعلها تساعد الجزائر في الخروج من دائرة الاعتماد على المحروقات التي تشكل 90 في المئة من عائدات البلاد.
ويكرس الرئيس الجزائري في زيارته المنتظرة السبت المقبل سياسة تدير ظهر بلاده لأوروبا رغم أنها الشريك التجاري الأول للجزائر، الأمر الذي يعكس توجها سياسيا لا يتناسب مع حجم الروابط الاقتصادية التي تربط الجزائر بدول الاتحاد الأوروبي.
وتضع الجزائر نفسها بهذه الخطوة في مرمى التوتر مع الولايات المتحدة التي لم تخف قلقها في السابق من اتجاه تبون نحو روسيا بالرغم من التحذيرات الأميركية.
وبحسب المصادر الجزائرية، فإن الزيارة تستهدف تحديث اتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة الموقعة بين الجزائر وبكين منذ العام 2014، وخلق مجلس أعمال مشترك جزائري – صيني، يضم رجال الأعمال والمستثمرين من البلدين، يتيح استغلال جملة من الفرص والامتيازات التي يوفرها قانون الاستثمار الجديد في الجزائر.
وتتطلع الجزائر إلى استقطاب استثمارات صينية في قطاع الطاقة واستغلال المناجم والصناعات التحويلية، وتسريع تنفيذ عدد من مشاريع البنية التحتية الحيوية، ومنها إنجاز ميناء الجزائر في منطقة الحمدانية بشرشال (120 كيلومتراً غربيّ العاصمة الجزائرية)، واستغلال منجم الحديد في غار جبيلات في ولاية تندوف جنوب غربيّ الجزائر الذي تولته ثلاث شركات صينية لاستخراج خام الحديد بأكثر من ملياري دولار.
وتأمل الجزائر، كذلك، في تسريع مشروع استغلال وتحويل الفوسفات في منطقة بلاد الهدبة بتبسة قرب الحدود مع تونس، وهو استثمار صيني بقيمة سبعة مليارات دولار في قطاع الفوسفات لإنتاج 5.4 ملايين طن من الأسمدة بمختلف أنواعها سنوياً، وذلك إلى جانب مشروع الأسمدة الفوسفاتية في واد الكبريت بسوق أهراس الحدودية مع تونس، وتطوير منجم الزنك والرصاص بواد أميزور ببجاية شرقيّ البلاد، وغيرها من المشاريع الحيوية بالنسبة إلى الجزائر.
وتشير الحاجة إلى استثمارات خارجية لتنفيذ هذه المشاريع إلى أن البلاد لم تتمكن من توفير الإنفاق المطلوب عليها لكي تنجزها بنفسها وتحقق مستوى أفضل من العائدات منها. كما تشير إلى أنها تفتقر إلى التكنولوجيات الضرورية لها. وهو أمر لا يتناسب مع حقيقة أن عائدات الجزائر من النفط والغاز ظلت تسجل ارتفاعات كبيرة منذ ما يقرب من عقدين من الزمن.
ويشكل جانب من الاستثمارات الصينية في الجزائر خروجا عن القاعدة التي حرصت عليها البلاد منذ ثمانينات القرن الماضي على الالتزام بها، وهي الامتناع عن تمويل المشاريع التنموية عن طريق الديون التي أثقلت كاهل الجزائر لعقود طويلة سابقة. ولكنها تعود إليها مجددا، على أمل أن تكون الاختيارات الاستثمارية مثمرة هذه المرة، بحيث تتمكن من تسديد ديونها بنفسها.
وترتبط الجزائر والصين باتفاقات من قبيل “الخطة الخماسية الثانية للشراكة الإستراتيجية 2022 – 2026″، و”الخطة التنفيذية للبناء المشترك لمبادرة الحزام والطريق” الموقعة عام 2018، و”خطة التعاون في المجالات الرئيسية” التي تمتد حتى عام 2024.
وبرغم أن الجزائر تمتلك موارد طبيعية وبشرية ضخمة إلا أنها ما تزال قريبة من دوائر الفقر، وخاصة في مجالات البنية التحتية والخدمات. وبحسب بيانات البنك الدولي، فإن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الجزائري بلغ 3691 دولارا في عام 2021، مقارنة بـ3807 دولارا لتونس و3795 دولارا للمغرب وهما بلدان لا يمتلكان ما تمتلكه الجزائر من موارد.
وبحسب آخر التصنيفات التي نشرها البنك الأفريقي للتنمية (ADB)، في نوفمبر 2022، احتل المغرب وتونس المرتبة الثانية والرابعة على التوالي بين دول القارة من حيث التصنيع، بينما جاءت الجزائر في المرتبة 11.
إلا أن بعض المسؤولين الجزائريين فسّر ذلك بالقول إن الجزائر حاربت دائما الفقر بمشاريع تنمية واعدة تمس الفئات الهشة “على اعتبارها دولة ذات طابع تسييري اجتماعي”.
ويقول عضو لجنة المالية والميزانية بالبرلمان الجزائري عبدالقادر بريش إن “الجزائر خصصت ميزانية قدرها 98 مليار دولار لسنة 2023، 30 في المئة منها للجانب الاجتماعي، مثل الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية”.
إلا أن ثلثا آخر من الميزانية ذهب إلى دعم الإنفاق العسكري والتسلح.
ويقول مسؤولون جزائريون إن الميزان التجاري حقق فائضا بمقدار 18 مليار دولار في 2022، ولديها مخزون من احتياطي الصرف بلغ 55 مليار دولار. إلا أن هذه الأرقام نفسها تؤكد عدم حاجة البلاد إلى تمويلات خارجية. ويمكنها أن تكتفي باستيراد التقنيات المطلوبة فقط.
وكان صندوق النقد الدولي لاحظ في نوفمبر الماضي أن آفاق الاقتصاد الجزائري تحسنت على المدى القريب بشكل ملحوظ، مدفوعة بارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي، ولكن في الوقت نفسه سجل التضخم أعلى معدل له منذ 25 عاما.
وقالت بعثة الصندوق في أعقاب اختتامها مشاورات المادة الرابعة مع السلطات الجزائرية “إن استمرار الاعتماد الكبير على إيرادات المحروقات والزيادة الكبيرة في الإنفاق العام المتوقع لعام 2023 يؤديان إلى أخطار ملحوظة على المالية العامة، وسط تقلب أسعار المواد الأولية”.
ويقول مراقبون إن هناك توجهات سياسية معادية لأوروبا والولايات المتحدة هي التي تدفع الجزائر إلى الدوران في دائرة بكين – موسكو، لاسيما مع رغبة الجزائر بالانضمام إلى مجموعة بريكس، التي تنظر إليها موسكو على أنها واحدة من ركائز “النظام العالمي الجديد” الذي تتطلع إلى بنائه بالتحالف مع بكين.
ولم يخف الرئيس تبون، خلال زيارته إلى موسكو، رغبة بلاده الجامحة في الحصول على عضوية مجموعة بريكس، وعبّر عن ذلك بالقول “الجزائر تريد التعجيل في دخول منظمة بريكس والخروج من هيمنة الدولار والأورو، كون ذلك فيه فائدة كبيرة لاقتصادنا”.
ومن شأن هذا أن يزيد من مخاوف شركاء الجزائر الأوروبيين، من أن الجزائر لا تعطي قيم الشراكة حقها عندما تميل إلى الطرف الآخر، وتشجعه ضمنيا على أن يتحول إلى تهديد.
صحيفة العرب