خلال خرجته الإعلامية الجديدة عبر التلفزيون الجزائري العمومي أمس الثلاثاء 15 فبراير، قال عبد المجيد تبون إنه ما زال يرفض أي وساطة مع المغرب. وهذه المرة، اتهم المملكة بالرغبة في خلق مشاكل بين الجيش والرئاسة الجزائرية.
لم يتغير شيء لدى عبد المجيد تبون. فالرجل مازال دون مستوى الوظيفة الرئاسية التي يشغلها منذ 2019. فخلال المقابلة الجديدة التي أجراها مع التلفزيون الجزائري العمومي، والتي بثت الليلة الماضية، انخرط الرئيس الجزائري فيما يشبه تواصل الأزمات بهدف تفادي عودة المظاهرات إلى الشوارع بمناسبة الذكرى الثالثة للحراك، الذي سيحتفل به يوم 22 فبراير. وخصص تبون معظم حديثه للقرارات الهادفة إلى شراء السلم الاجتماعي، لا سيما بمنح إعانة للشباب العاطلين تقدر بـ13 ألف دينار (860 درهما).
فيما يتعلق بالعلاقات مع المغرب، هناك مستجد كبير. لأول مرة منذ إجراء هذه المقابلات التلفزيونية، لم ينطق تبون بكلمة صحراء. ولا كلمة واحدة عن القضية الوطنية الأولى للنظام الجزائري. القضية التي تعبئ لها كل دبلوماسية الطغمة العسكرية وينفق عليها مبالغ طائلة. إنه أمر مثير للدهشة!
إن التواري غير المعتاد لـ”القضية الصحراوية” يربط على الأرجح بقمة جامعة الدول العربية التي يرغب النظام الجزائري في استضافتها بأي ثمن في نونبر 2022. تبون يتفادى الحديث عن هذه القضية لأنه يخاف من أن تفقد الجزائر فرصة استضافة لقاء مهم لدعاية النظام. فقد أرسلت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية والدول المؤثرة داخل هذه المنظمة، ولا سيما دول مجلس التعاون الخليجي، هذه الرسالة الواضحة إلى النظام الجزائري: الوحدة الترابية للمغرب خط أحمر. لذلك تبنى تبون تكتيكا جبانا: تفادي إثارة القضية في انتظار عقد هذه القمة غير المؤكدة، التي يعول عليها من أجل تلميع صورة نظام على حافة الهاوية.
وبخصوص العلاقات الثنائية بين الجزائر والمغرب، أكد تبون أن “لا شيء تغير”، بل وألمح إلى أن هذه العلاقات سارت من سيء إلى أسوء.
وسأله أحد الصحفيين: “في الماضي أكدت على رفضك لأي وساطة لتطبيع العلاقات مع الجار المغربي. هل أنت على نفس الموقف اليوم؟”.
ورد تبون بقوله “لم يتغير أي شيء، بل على العكس، زادت الأمور تأزما”، متهما المغرب بتأجيج “دعاية” مزعومة موجهة ضد النظام الجزائري من خلال ادعائه بأن “المغرب يعتمد اليوم على البروباغندا (الدعاية) والأخبار الكاذبة، وهذا بدعم من إسرائيل”.
إن المغرب، الذي يتم تقديمه دائما على أنه المسؤول الأول عن كل العلل والمصائب التي تعاني منها الجزائر، متهم هذه المرة بإثارة الفتنة داخل النظام الجزائري نفسه.
وقال تبون “كل ما يمس الوحدة الوطنية و يحاول ضرب الجيش في الصميم, وكل ما يسعى إلى خلق مشاكل بين الرئيس والجيش وغير ذلك، يندرج في إطار جهاز البروباغندا المسخر من قبل الجار ضد الجزائر، وتدعمه إسرائيل في ذلك”، قبل أن يخلص تبون إلى أن “الباب سيبقى مغلقا” مع المغرب.
وكدليل على اتهاماته للمغرب، أكد تبون أن “على المرء فقط أن يتبع عناوين بروتوكول الإنترنت”. هذا الدليل الغريب والأخرق يضحك حتى الأطفال الصغار الذين يعرفون كيفية تعديل عناوين بروتوكول الإنترنت باستخدام الشبكة الخاصة الافتراضية (VPN).
هذه الاتهامات المعتادة، بالإضافة إلى اللحظة المختارة لتمريره، مع هذه الخرجة الإعلامية الجديدة، تندرج في إطار تخبط النظام الجزائري الذي يلوح مرة أخرى بـ”اليد الخارجية” الغامضة لمحاولة صد المظاهرات الشعبية المناهضة له، عشية الاحتفالات بالذكرى الثالثة لاندلاع الحراك في الجزائر.
هذه الذكرى تقض مضجع النظام الذي ضاعف التنازلات والقرارات في الأيام الأخيرة. وهكذا، فبعد إلغاء الضرائب على المواد الغذائية الأساسية الأكثر استهلاكا، الأحد الماضي، أعلن الرئيس الجزائري عن إعانة ستمنح للباحثين عن عمل ابتداء من مارس المقبل.
وقال “نحن أول دولة خارج أوروبا تقدم مثل هذه الإعانة”، وقدرها 13 ألف دينار (860 درهم)، لإقناع الشباب بعدم الانخراط في الحراك، وحذرهم من أي مظاهرة “غير مصرح بها”.
في إطار كرمه لشراء السلام الاجتماعي، مهما كان الثمن، كشف تبون عن بعض الأمور المهمة. فقد أكد أن ستة ملايين جزائري يتقاضون راتبا يقل عن 30 ألف دينار (2000 درهم) شهريا. عندما نعلم أن كيلو اللحوم الحمراء يبلغ حوالي 4000 دينار، نفهم أن هؤلاء الستة ملايين جزائري لا يستطيعون إطعام عائلاتهم بشكل كاف. وفضلا عن ذلك، تلفظ تبون بكلمة “مجاعة” عدة مرات، وألمح إلى أن الإجراءات التي اتخذها للإعفاء الضريبي والإعانات كانت تهدف إلى منع هذه المجاعة نفسها.
وبدل تبون مجهودا كبيرا من أجل إرضاء المستعمر السابق، فرنسا التي تستخدم عموما للدعاية المحلية لإضفاء الشرعية على السلطة العسكرية والسياسية التي حكمت البلاد منذ عام 1962. وهكذا تحدث عبد المجيد تبون عن “انفراج” في العلاقات بين البلدين. وأشاد الرئيس الجزائري بما “قام به الرئيس الفرنسي ماكرون كخطوة ايجابية بتخليده ذكرى ضحايا أحداث مترو شاروون المطالبة بالسلم في الجزائر والتنديد بأعمال المنظمة المسلحة السرية والتي قمعها عمدة شرطة باريس موريس بابون بتاريخ 8 فبراير 1962”. ثم قال متباهيا متفاخرا: “الجزائر بلد أساسي وقوة إقليمية في إفريقيا”، مما يعني ضمنيا أن فرنسا لا تستطيع الاستغناء عن الجزائر.
وعلى صعيد آخر، تبون واثق من نفسه بشكل غير عادي. ففي الوقت الذي أضرب فيه العشرات من المعتقلين على خلفية الحراك الشعبي عن الطعام، قال تبون دون أن يرف فه جفن إنه “لا يوجد سجناء رأي في الجزائر” (!). وعندما يسمعه المرء يتكلم بهذه الوثوقية الزائدة، يعتقد أن الجزائر هي جنة حرية التعبير، ولكنها لن تضمن أبدا “حرية السب”. إلا أن متظاهري الحراك لا يهينون عبد المجيد تبون عندما يصدحون بأعلى صوتهم بأنه مغتصب للسلطة: “تبون المزور جابوه العسكر”، هو أحد الشعارات الأساسية للحراك هو يذكر فقط بهذه الحقيقة.
المصدر: وكالات