شهدت تونس نقصاً في التزود بالمحروقات بالسوق الداخلية في اليومين الأخيرين، حيث رصدت “اندبندنت عربية” طوابير طويلة من السيارات التي اصطفت أمام محطات الوقود في مدن مختلفة، وبخاصة محافظات الشمال وتونس العاصمة وضواحيها ما أدى إلى تعطل حركة السير بمواقع حيوية.
وسُجل نقص في مادة البنزين على وجه الخصوص في أغلب المناطق، مع تفاوت في توفر مادة الغازوال حسب الإمداد. ويأتي الاضطراب الحالي في التزود بعد شهرين من صعوبات مماثلة مرت بها البلاد في شهر أغسطس (آب) الماضي، والذي فسر آنذاك بارتفاع الاستهلاك لمادة الوقود وانعكاسات الاضطرابات الحاصلة في سلاسل التوريد في العالم بسبب الحرب الروسية – الأوكرانية.
وفي حين حامت شكوك حول حجم الاحتياطي من النفط والمخزون الاستراتيجي ومدى اعتماده في ظل النقص الحاصل، نفى مسؤولون تونسيون وجود أزمة محروقات، وأكدوا لـ”اندبندنت عربية” أن الأمر مجرد نقص في التزود بسبب تأخير في الإمدادات والتوزيع، وأن عملية الإنتاج والتوريد تتواصل وفق نسقها العادي، وسيعود تدفق المحروقات في السوق وفق سيرها المعتاد بداية من اليوم الثلاثاء 11 أكتوبر (تشرين الأول).
تأخير في الإمدادات
من جهتها نفت وزيرة الصناعة والطاقة والمناجم نائلة نويرة القنجي ما تم تداول حول تراجع مخزون النفط لتونس إلى سقف لا يغطي سوى حاجات الاستهلاك لأسبوعين، وأكدت أن البلاد تتزود بالنفط وفق برنامج يخول التخزين المسبق تجسيداً لاستراتيجية متبعة للتزود الاستباقي المستمر الذي يسير بالتوازي مع الاستهلاك.
أما الاضطرابات المسجلة فتركزت في منطقة العاصمة ومحيطها ومحافظات الشمال، وفق الوزيرة، وتسببت في خلق وتيرة تزود بطيئة بسبب تأخر حاصل في الإمدادات ما تسبب في قلق وتململ لدى المواطنين مع عطلة نهاية الأسبوع التي تزامنت بكثافة في التنقل وتزايد ملحوظ في الطلب.
وتركز النقص في مادة البنزين فحسب، عكس الغازوال المتوفر في السوق. ولم يسجل تراجعاً في الإنتاج أو التزود بل هو نقص في الإمداد، وفق تعبير الوزيرة، ما دفع بالسلطات المعنية إلى الرفع في حجم الإمداد يوم السبت الماضي بمستودع رادس (جنوب العاصمة تونس) من بنزرت (أقصى الشمال) بكمية قدرها 5300 متر مكعب وجهت بالأساس إلى الشمال.
كما سجل الاستهلاك ارتفاعاً استثنائياً، حيث نفدت الكميات التي وفرتها نقاط محطات الشركة الوطنية لتوزيع البترول (حكومية) صباح الأحد التاسع من أكتوبر في ظرف ست ساعات، وهي تقدر بـ550 متر مكعب والحال أنها كميات مخصصة لمدة تزيد على خمسة أيام، في إشارة واضحة إلى تخوف المواطنين وإقبالهم المتزايد على المحطات بسبب الإشاعات حول نفاذ المادة. وخلقت هذه الوتيرة المتصاعدة في الاستهلاك اضطرابا وبطئاً في العودة إلى النسق العادي. وعادت الوزيرة لتؤكد توفر الإنتاج من النفط المحلي بالحجم المعتاد وسير نسق التزود على الرغم من ظروف السوق العالمية المتسمة بارتفاع الأسعار وعدم استقرار الإمدادات.
وكشفت عن تفريغ شاحنة محملة بالغازوال يوم السبت، وأن باخرة محملة بالمحروقات وصلت تونس يوم الإثنين، وستفرغ شحنتها اليوم الثلاثاء، في انتظار قدوم باخرة ثانية يوم 17 أكتوبر وشحنة أخرى يوم 28 من الشهر نفسه، مشيرة إلى أن إجمالي الكميات تقدر بـ90 ألف طن إضافة إلى 10 آلاف طن تنتجها الشركة الوطنية لصناعات التكرير شهرياً.
وقالت الوزيرة إن الحكومة التونسية تولي أهمية لمجالي المحروقات والمواد الأساسية اللذين يمثلان الأمن الطاقي والغذائي على رغم الصعوبات التي تعانيها المالية العمومية، وذلك برصد الاعتمادات اللازمة لاستخلاص الواردات من المحروقات، بخاصة مع التشدد الذي تبديه البواخر، حيث تطالب بالاستخلاص المسبق قبل تفريغ الشحنات، منوهة بأنه مع اضطراب رحلات البواخر المحملة بالبنزين نتيجة تزايد الطلب في العالم، فإن الوزارة تسلك استراتيجية استباقية وتجاري هذه الأزمات المتوقعة.
تنامي العجز الطاقي
وتعاني تونس عجزاً في الطاقة يثقل كاهل ميزان المدفوعات ويعمق عجز الميزان التجاري، حيث عرفت البلاد في شهر أغسطس (آب) 2022 انخفاضاً في الإنتاج الوطني من النفط الخام وبلغ 35.5 ألف برميل مقابل 40.4 ألف برميل في الفترة نفسها من عام 2021.
وسجلت الواردات ارتفاعاً بنسبة 110 في المئة من حيث القيمة وتكبد الميزان الطاقي عجزاً بـ3.3 مليون طن مكافئ نفط في نهاية أغسطس مقابل ثلاثة ملايين طن مكافئ نفط في الفترة نفسها من العام الماضي، أي بارتفاع 11 في المئة، وتراجعت بذلك الاستقلالية الطاقية إلى 49 في المئة مقابل 53 في المئة عام 2021. وارتفع معدل سعر التوريد إلى 107.3 دولار للبرميل مقابل 66.9 دولار للبرميل العام الماضي. ويمثل العجز التجاري لقطاع الطاقة 35.7 في المئة من العجز التجاري الإجمالي.
كما بلغ حجم الاستثمارات في نهاية السداسي الأول من عام 2022 حدود 98 مليون دولار مقابل 250 مليون دولار عام 2011.
وتسببت هذه المعطيات في زيادة تكاليف توريد المحروقات وحجم الدعم، وخصصت تونس ميزانية قدرها 5.2 مليار دينار (1.6 مليار دولار) لتمويل الدعم في المجمل و2.9 مليار دينار (906 ملايين دولار) لدعم المحروقات، بينما أدى ارتفاع أسعار النفط في السوق العالمية على خلفية الحرب الأوكرانية إلى ارتفاع تكلفة دعم المحروقات بمفردها وتجاوزها لخمسة مليار دينار (1.5 مليار دولار) وفق تصريح للوزيرة نائلة نويرة القنجي لـ”اندبندنت عربية” في وقت سابق. كما تواجه تونس ضغوطاً بسبب ارتفاع أسعار الطاقة نتج عنها تنامي أسعار السلع والخدمات ومستويات تضخم قياسية بلغت 9.1 في المئة عن شهر سبتمبر (أيلول).
بقلم: انتصار عنتر
independentarabia