كرّست الجزائر، منذ استقلالها، جهودها لدعم القضايا العادلة في العالم، دفاعا عن الانسان وانتصارا للسلام، وجعلت القضية الفلسطينية أولوية، ترفع لواءها عاليا في كل المحافل، خاصة وأن الشعب الفلسطيني يتعرض لأبشع احتلال في العصر الحديث. ولقد ظل الموقف الجزائري من القضية الفلسطينية أحد الأسس الثابتة في النهج الرسمي والشعبي للبلاد، فلم ينقطع الدعم الدبلوماسي والاقتصادي للشعب الفلسطيني أبدًا، وظلّ صوت فلسطين بالجزائر جهوريا قويا، رافضا لكل أشكال العنجهية الكولونيالية المقيتة.
وخلال الندوة الدولية المخلدة للذكرى الـ75 للنكبة الفلسطينية التي عقدت بالجزائر الاثنين المنصرم، قدمت عدة قيادات فلسطينية مشاركة بالندوة، تحية تقدير وعرفان للجزائر التي كانت على حد تعبيرهم “بوابة فلسطين إلى الشرعية الدولية” والتي تواصل، تحت قيادة رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، دعمها الثابت واللامشروط للشعب الفلسطيني، وتجسدت إحدى صوره السامية في توقيع الفصائل الفلسطينية على “إعلان الجزائر” التاريخي للم الشمل والمصالحة الفلسطينية، خلال شهر أكتوبر الماضي.
دعم دبلوماسي مستمر
تاريخيا، يعد الدعم الدبلوماسي الجزائري للقضية الفلسطينية الأبرز على المستوى العربي والاسلامي، وقد سبق وأن استضافت الجزائر الفصائل الفلسطينية على أراضيها، وعلى رأسها حركة فتح، كما أن لها تاريخا من احتضان المؤتمرات الفلسطينية، ومن أبرزها ذلك الذي أفضى إلى إعلان استقلال دولة فلسطين من قبل منظمة التحرير الفلسطينية، عام 1988، وظل النشاط ساريا فاعلا على جميع المستويات، إلى غاية الندوة المنظمة بالجزائر حول ذكرى النكبة بحر هذا الأسبوع، أين قال السفير فائز أبوعيطة إن الجزائر كانت “بوابة فلسطين إلى الشرعية الدولية”، كما حدث في إعلان قيام دولة فلسطين عام 1988 انطلاقا من الأراضي الجزائرية.
مؤتمر لمّ الشّمل.. بداية الحل
وتطرق المتدخلون خلال الندوة، الى مؤتمر لم الشمل الذي عقد بالجزائر في أكتوبر الماضي، واعتبره السفير الفلسطيني فائز أبوعيطة انجازا يحسب للدبلوماسية الجزائرية بقوله: “نقدر عاليا دور الجزائر وبالتحديد دور الرئيس عبد المجيد تبون الذي رعى المصالحة الوطنية الفلسطينية ولم الشمل، هذه الرعاية التي كان لها تأثير على تحسين العلاقة بين الاشقاء الفلسطينيين” معربا عن أمله في أن يتم تجسيد هذا الاتفاق في أقرب وقت.
ومؤتمر لم الشمل هو ثمرة جهود الدبلوماسية الجزائرية طيلة عام كامل، والبداية كنت بلقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس في ديسمبر 2021 بالرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ورمت الجزائر بثقلها الدبلوماسي لتقريب وجهات النظر بين الإخوة الفرقاء، وتوجت هذه الجهود بـ«إعلان الجزائر”، وهو بمثابة خارطة طريق لحل الخلاف الداخلي الفلسطيني بشكل نهائي، وخلال الندوة، أوضح السفير الفلسطيني أن الكيان الصهيوني سعى بكل قواه لنسف هذه المصالحة التاريخية، إلا ان ارادة الشعب الفلسطيني ودرايته بما يمثله الاتفاق من مصلحة له، كان بالمرصاد لهذه المحاولات الصهيونية.
أكثر من مليون سجين
وخلال الندوة، قدم المتدخلون أرقاما مروعة تعبر عن المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني بسبب الاحتلال الصهيوني، ومن بينها عدد المعتقلين، فقد تحدث رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين، قدري ابو بكر، مؤكدا أن سجون الاحتلال تعجّ بالمعتقلين الفلسطينيين الذين حكم على الكثير منهم بالمؤبد، وقال انه منذ 1967 الى يومنا هذا، دخل اكثر من مليون و100 ألف فلسطيني سجون الاحتلال، ولا زال أزيد من 4000 منهم معتقلين الى حد الآن، منهم 545 محكوم عليهم بالمؤبد، بينهم 454 أمضوا اكثر من 20 سنة في السجن.
وأبرز المتحدث معاناة هؤلاء في سجون الكيان الصهيوني جراء ظروف الاعتقال واستمرار سلطات الاحتلال في سن قوانين ضدهم، منها قانون عدم علاج الأسرى في ظل صمت المجتمع الدولي عن الانتهاكات التي يقوم بها الاحتلال الصهيوني في حق الشعب الفلسطيني.
وتضمن البيان الختامي للقمة العربية والذي عقد بالجزائر خلال نوفمبر الماضي، مطالب برفع الحصار الصهيوني عن قطاع غزة، وإدانة استخدام القوة من قبل الصهاينة المحتلين ضد الفلسطينيين، وجميع الممارسات الهمجية بما فيها الاغتيالات والاعتقالات التعسفية، كما طالب المشاركون بالندوة، بالإفراج عن جميع الأسرى والمعتقلين، خاصة الأطفال والنساء والمرضى وكبار السن.
ملايين اللاجئين
علاوة على ذلك، أكد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ووزير شؤون اللاجئين ورئيس اللجنة الوطنية العليا لإحياء ذكرى النكبة، أحمد حسن أبو هولي، أن وضع اللاجئين الفلسطينيين المشردين في 58 مخيما في فلسطين والشتات “صعب جدا، إلا أنه مهما طال الاحتلال، لن يتنازلوا على حق العودة”، وأشار إلى أن عدد اللاجئين الفلسطينيين بلغ 6.6 ملايين.
واستهجن أبو هولي في هذا المقام، فشل المجتمع الدولي وعجزه عن تنفيذ قرارات الشرعية الدولية وخاصة القرار 194، وجدير بالذكر أن من البنود التي تضمنها البيان الختامي للقمة العربية المنعقدة بالجزائر، تجسيد دولة فلسطين المستقلة كاملة السيادة على خطوط 4 يونيو/حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وحق العودة وتعويض اللاجئين الفلسطينيين.
وتعمل الدبلوماسية الجزائرية بكل جهد لإعادة القضية الفلسطينية الى المشهد العربي والدولي، كما تتمسك بمبادرة السلام العربية لعام 2002 بكافة عناصرها وأولوياتها، وإنهاء الاحتلال الصهيوني لكافة الأراضي العربية، دون التنازل عن الجولان السوري ومزارع شبعا وتلال كفر شوبا اللبنانية.
بقلم : علي مجالدي
وكالات