أعلنت وزارة الداخلية التونسية أخيراً أنها كشفت ورشة لصناعة قوارب بحرية من دون ترخيص داخل غابة زياتين في سوسة، واحتجزت أربعة منها بأحجام مختلفة وكميات من الخشب، ومعدات تستعمل في صناعتها. كما أعلنت الوزارة أن فرقة الإرشاد البحري التابعة للحرس الوطني في منطقة حلق الوادي بتونس العاصمة تلقت معلومات عن الاشتباه في تجهيز مصنع قوارب تُستغلّ في عمليات إبحار سرّية إلى إيطاليا. وأوضحت أن “صاحب المصنع اعترف خلال استجوابه بأنه يملك ترخيصاً بصنع مراكب مصنّفة بأنها لاستخدامات الترفيه، لكنه تعمّد بيع مراكب بطريقة غير قانونية”. وجرى حجز مراكب غير مسجلة جهّزها المصنع في حلق الوادي، وكان يعتزم بيعها خلسة”.
في العادة، تسجل مصالح الحرس البحري السفن من أجل ضبط عددها وأرقامها وأسمائها وتحديد أصحابها، في حين يُمنح كل صياد ترخيصاً خاصاً بقاربه. ومن دون ذلك يُعتبر صاحب المركب أو القارب مخالفاً للقانون، تنفيذاً لتدابير اعتمدتها مصالح الرقابة البحرية من أجل التصدي لظاهرة امتلاك المراكب والقوارب والاتجار بها خارج الأطر القانونية، واستعمالها في عمليات الهجرة السرّية، أو بيعها لمنظمي هذه الرحلات.
ودفع تطبيق هذه الإجراءات بهدف التصدي لظاهرة الهجرة السرّية، شبكات تنظيم الرحلات السريّة إلى سرقة قوارب، ما أجبر الصيادين على حراسة قواربهم بنفسهم من السرقة، خصوصاً تلك المزوّدة بمحركات.
يقول عبد الرحمن المولهي، وهو صياد يعمل في ميناء بنزرت، لـ”العربي الجديد”: “فقد بعض الصيادين مراكبهم بسبب عمليات السرقة، وأدى فقدانهم وسائل كسبهم الرزق إلى محاولتهم حراسة مراكبهم لا سيما في الليالي التي يكون فيها البحر هادئاً حين يتكثف خروج رحلات الهجرة السرّية، لا سيما باستخدام مراكب مجهّزة بمحركات. وينفذ الصيادون نفسهم عمليات حراسة المراكب في الموانئ أو الشواطئ، أو يستعينون بحراس أمن خلال فترة الليل”.
وعموماً تشمل مهمات مصالح الحرس البحري ضبط قوارب المهاجرين وحجزها وإخراجها من البحر، ومصادرتها لا سيما تلك القادمة من السواحل الليبية، كي لا تستغل مرة أخرى في عمليات الهجرة السرّية.
وتؤكد الإدارة العامة للحرس الوطني أنها تكثّف إجراءات مراقبة الحدود البحرية للتصدي للمهاجرين السرّيين، وكذلك ورش صناعة القوارب والمراكب، وتحاول رصد تلك غير القانونية التي اكتشفت عدداً منها خلال الآونة الأخيرة، وتلاحق أشخاصا يشتبه في تحضيرهم عمليات هجرة وامتلاكهم قوارب من دون تراخيص، ومعدات تستخدم في عمليات الهجرة مثل سترات نجاة ومصابيح صغيرة ومحركات خاصة بالقوارب. وتذكر الإدارة العامة أيضاً أن بين مهماتها حجز مبالغ مالية كبيرة يملكها مشاركون في تنفيذ رحلات الهجرة، أو متورطون في تنظيمها.
ويقول الناطق الرسمي باسم الحرس البحري، حسام الدين جبابلي، لـ”العربي الجديد” إن “وحدات الجهاز رصدت مرات وجود ورش لصناعة قوارب من دون تراخيص، وبيع شركات تملك رخصاً لصناعة الزوارق ومحركاتها مراكب في شكل غير قانوني، وذلك لحساب منظمين لرحلات الهجرة السرّية”. ويشير إلى أن “غالبية الورش العشوائية التي يعثر عليها تتواجد في مناطق بعيدة عن المراكز الرئيسية للمدن، وتحديداً في غابات قريبة من البحر أو مناطق شواطئ بعيدة عن التجمعات السكانية”.
وفي وقت يستقر معظم المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء الذين يرغبون في الهجرة إلى أوروبا قرب الشواطئ والموانئ استعدادا للهجرة خلسة في حال كانت حالة الطقس مناسبة، فهم يقطنون في بيوت مهجورة أو أكواخ خصوصاً في الأيام القليلة التي تسبق موعد الرحلة.
ويؤكد الناطق باسم منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تونس، رمضان بن عمر، لـ”العربي الجديد” أن “غالبية الصيادين باتوا يحرسون قواربهم من السرقة خصوصاً عبر جلب حراس لمراقبة الموانئ، ويتشاركون في تسديد أجور هؤلاء الحراس، لكن لا بدّ من الإشارة أيضاً إلى أن صناعة وتجارة السفن باتت نشاطاً مزدهراً لدى العديد من تجار البشر ومنظمي رحلات الهجرة السرّية”. ويتحدث رمضان أيضاً عن أن تجارة القوارب والمراكب الصغيرة تزدهر خصوصاً قرب المناطق الساحلية، ويديرها منظمو رحلات سرّية قد يكونون من المواطنين أو المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء، خصوصاً أن عصابات تنظيم الرحلات السرّية باتت تضم أطرافاً من التونسيين وآخرين أجانب يعملون ضمن شبكات الاتجار بالبشر.
العربي الجديد