أكّد وزير الصناعة والتجارة والتموين الأردني يوسف الشمالي في مارس/آذار الجاري تقديم بلاده طلباً للجزائر للتزود بالغاز (المسال)، ووجود وعود جزائرية بدراسة الطلب الأردني، ما يدعو إلى التساؤل عن الأسباب التي دفعت الأردن إلى تغيير بوصلته نحو الغاز الجزائري، في وقت يشتدّ فيه الطلب العالمي على الغاز الطبيعي، بسبب تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا.
رفض برلماني للغاز من إسرائيل
منذ أن وقّعت الحكومة الأردنية في 2016 على اتفاق لاستيراد الغاز من إسرائيل طوال 15 سنة مقابل 10 مليارات دولار، بدأ تنفيذه مطلع 2020، خرجت مظاهرات مندّدة بالاتفاق ورفعت شعار “غاز العدو احتلال”.
وبناءً على مذكرة وقّعها 58 عضواً (من أصل 130)، صوّت مجلس النواب الأردني (الغرفة الأولى للبرلمان) في يناير/كانون الثاني 2020، بغالبية أعضائه، على مقترح مشروع قانون يحظر استيراد الغاز من إسرائيل، دون إعلان أي إجراءات رسمية بخصوصه.
وقبل أن يتحوّل إلى قانونٍ ساري المفعول، يحتاج مشروع القانون إلى المرور بمراحل دستورية، تتمثل في صياغته من الحكومة، وتحويله إلى مجلس النواب، ثم إلى مجلس الأعيان (الغرفة الثانية للبرلمان)، ليُرفعَ بعدها إلى العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني للتصديق عليه، وصولًا إلى إعلان إقراره بالجريدة الرسمية.
ولم يتقبل النواب الأردنيون فكرة استيراد الغاز من إسرائيل في الوقت الذي كانت فيه دول عربية مثل الجزائر تصدّر كميات مهمَّة منه إلى أوروبا ودول عربية أخرى.
وفجّر النائب موسى هنطش، مقرر لجنة الطاقة في مجلس النواب الأردني، مفاجأة عندما قال إن “السفير الجزائري في عمّان محمد بوروبة، أبلغه بعرض بيع الأردن الغاز الجزائري بأسعار تفضيلية، لكن الحكومة الأردنية رفضت ذلك لأسباب غير معلومة”.
وقال النائب الأردني حينها إن “وفداً برلمانياً سيزور الجزائر بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة (جرت في 12 ديسمبر/كانون الأول 2019) لمتابعة العرض الجزائري”.
وفد برلماني إلى الجزائر
وكان لافتاً استقبال وزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب، وفداً برلمانياً أردنياً بمقر وزارته، في 21 فبراير/شباط الماضي.
وقال الوزير الجزائري حينها إن بلاده “جادة في دراسة مدى إمكانية إمداد الأردن بالنفط الخام، والغاز المسال، وغاز النفط المسال”.
بل ذهب عرقاب أبعد من ذلك عندما تحدث عن إمكانية امتداد التعاون بين البلدين إلى تخزين وتوزيع الأردن للمنتجات النفطية الجزائرية، وفق ما نشرته وسائل إعلام عربية.
وبعد أيام قليلة من وصول الوفد البرلماني الأردني إلى الجزائر في 18 فبراير/شباط، تَوجَّه وزير الصناعة والتجارة والتموين الأردني يوسف الشمالي إلى الجزائر هو الآخر، حيث تَلقَّى وعوداً بدراسة الطلب الأردني للتزود بالغاز الجزائري، وفق ما صرح به مؤخراً للصحافة المحلية.
أهو قرار سياسي؟
هذه الحركة السريعة للتعاون بين بلدين لم تتجاوز التجارة بينهما 232 مليون دولار عام 2021، بدأت فعلياً بعد زيارة الملك الأردني عبد الله الثاني، الجزائر يومَي 3 و4 ديسمبر/كانون الأول 2022.
واتفق الملك الأردني مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون على ضرورة توسيع آفاق التعاون بين البلدين، لا سيما في المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والاستثمارية والدفاعية.
ولم يكُن هذا اللقاء الأول بين الزعيمين، إذ التقى تبون وعبد الله الثاني، على هامش قمة المناخ التي عُقدت بالقاهرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2022.
كما شارك وليّ العهد الأردني الحسين بن عبد الله الثاني في القمة العربية التي عُقدت في الجزائر مطلع نوفمبر/تشرين الثاني، والتقى الرئيس تبون لقاءً خاصّاً.
كانت هذه اللقاءات السياسية مفتاحاً لتحرك حكومتَي البلدين لتعزيز العلاقات الثنائية، وفتح ملف تصدير الغاز الجزائري إلى الأردن.
صعوبة تنفيذ الطلب الأردني
قبل اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية في 24 فبراير/شباط 2022، كان للجزائر فائض في إنتاج الغاز، ولكن مع سعي أوروبا للتخلص من إمدادات الغاز الروسي ولجوئها إلى الجزائر لتعويض حصة من هذا النقص، لم يبقَ للأخيرة كميات فائضة لتلبية طلبات زبائنها، خصوصاً الأوروبيين.
إذ استفادت إيطاليا وحدها من فائض الغاز الجزائري الذي كان يُباع في السوق الحرة، والمقدَّر بنحو 4 مليارات متر مكعب، ووقّعَت اتفاقية لرفع إمدادات غاز الجزائر بنحو 9 مليارات متر مكعب إلى 2024.
ووصلت الجزائر إلى طاقتها القصوى في إنتاج الغاز الطبيعي والمسال، التي بلغت 56 مليار متر مكعب، في 2022، وهي الكمية الكبرى منذ 2010.
ودخلت عدة دول أوروبية سوق المنافسة على الغاز الجزائري على غرار فرنسا وسلوفينيا والبرتغال، وهذا ما يجعل الاستجابة للطلب الأردني في الآجال القريبة مسألة صعبة من الناحية التقنية.
وهذا يفسر طلب الرئيس تبون من عملاق الطاقة الجزائري سوناطراك مضاعفة صادرات الغاز الجزائري إلى 100 مليار متر مكعب في العام الجاري.
ورغم أن الوصول إلى هذا الرقم نهاية 2023 يبدو مهمة مستحيلة، فإنه مع ضخّ الجزائر نحو 40 مليار دولار لتطوير قطاع الطاقة، ودخول شركات عالمية للاستثمار في قطاع الغاز، من شأنه رفع إنتاج الجزائر بكميات هامة خلال الأعوام القليلة القادمة.
واحتياجات الأردن من الغاز ليست كبيرة مقارنة بدول كإيطاليا وإسبانيا وفرنسا، لذلك من السهل تلبيتها، بخاصة مع وجود قرار سياسي يعطي عمان الأولوية.
TRT عربي – وكالات