تبدو الفجوة بين عامي 2015 و2022 كبيرة لدرجة تشكك المتابع بأن هؤلاء هم اللاجئون أنفسهم، وهذه هي الدول ذاتها التي فتحت لهم أذرعها، وهذه هي وسائل الإعلام نفسها التي بجلت وعظمت وأشادت بتحركات رئيس هنا أو خطب وزير هناك أو قرارات مستشارة تحولت من “امرأة أوروبا الحديدية” إلى “ماما ميركل”.
نحو 40 في المئة من الملايين الخمسة الذين تقدموا بطلبات لجوء إلى دول الاتحاد الأوروبي بين عامي 2015 و2016 استقروا في ألمانيا.
شتان بين أمس فتحت فيه ألمانيا حدودها على مصاريعها لاستقبال ملايين السوريين الهاربين من جحيم الصراع وغيرهم من الهاربين من أوضاع بلدانهم، مرحبة بهم ومشفقة على أوضاعهم ومؤكدة أن كلاً منهم هو في حقيقة الأمر فرصة وأمل، ويوم يحذر فيه المسؤولون الألمان من أزمة توفير مساكن لهذه الأعداد من اللاجئين، وآخر يلمح إلى خطورة أعداد القادمين الجدد الكبيرة على التوازن الديموغرافي.
ناهيك بأن حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي يدين لملف اللاجئين بدخوله البرلمان في عام 2017 وحصوله على 13 في المئة من أصوات الناخبين، لماذا؟ لأنه دق على أوتار الأعداد الضخمة للاجئين والتنافس على الوظائف والموارد و”الهوية” الألمانية.
العودة “الطوعية” “الإجبارية”
على رغم أن مسألة الهوية لم تكن المعضلة الرئيسة في ما نجم عن سياسة الحدود المفتوحة التي اتبعها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للهاربين السوريين من الصراع، فإن تعامل أنقرة معهم منذ البداية كان من منطلق كونهم ورقة ضغط حيث يحنو عليهم تارة ويهدد بهم أخرى، ويفتح باب العودة “الطوعية” لما يزيد على 3.5 مليون سوري أقاموا في تركيا منذ هب “الربيع” السوري في عام 2011.
حتى عناوين الأخبار تقف في حيرة من أمرها، (“أردوغان: لن نطرد اللاجئين السوريين من بلادنا أبداً”، “أردوغان: لن نعيد السوريين لأفواه القتلة”، “أردوغان يهدد بفتح أبواب الحدود التركية مع أوروبا ما لم يحصل على الدعم المالي اللازم”، “اللاجئون السوريون في تركيا يشكون من زيادة العنصرية ضدهم مع اقتراب الانتخابات”، “أردوغان: نستعد لعودة مليون سوري إلى بلادهم طواعية”، “أوضاع السوريين في تركيا حرجة للغاية وشروط إعادتهم غير متوفرة”).
اعتقال واحتجاز وإعادة
قبل أيام قليلة، قالت “هيومان رايتس ووتش” إن السلطات التركية اعتقلت واحتجزت ورحلت مئات الرجال والشباب السوريين اللاجئين بين فبراير (شباط) ويوليو (تموز) عام 2022.
وأشارت إلى أنه تم اعتقال هؤلاء من بيوتهم وأماكن عملهم والشوارع وتم احتجازهم في ظروف سيئة، وتعرض غالبهم للضرب، وأجبروهم على التوقيع على استمارات العودة الطوعية، واقتادوهم إلى نقاط العبور الحدودية مع شمال سوريا، وأجبروهم على العبور تحت تهديد السلاح.
في الوقت نفسه، غادر عدد من اللاجئين السوريين لبنان في طريقهم إلى سوريا ضمن ما يسميه لبنان “إعادة النازحين الطوعية والآمنة”، التي بدأت في عام 2017.
على رغم خطر تعرض العائدين لانتهاكات واضطهاد، ووجود تحذيرات عديدة من قبل منظمات حقوقية، فإن الخطة تمضي على قدم وساق.
السلطات اللبنانية تقول إن نحو 400 ألف سوري قد تمت إعادتهم طوعاً، لكن منظمات حقوقية ترجح أن يكون العدد أقل من ذلك بكثير.
وبينما الاتهامات متبادلة بين المسؤولين اللبنانيين الذين يؤكدون أن العودة طوعية ومنظمة ومدروسة، ومنظمات حقوقية ومنها “منظمة العفو الدولية” التي تلمح إلى تعريض السوريين للخطر عبر هذه “الحماسة” من قبل السلطات اللبنانية لإعادتهم، يستعر الجدل حول إذا ما كان للجوء السوري للبنان دور في تفاقم الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي يعيشها.
رواندا طوق نجاة
أزمات شبيهة لكن بدرجات وتفاصيل مختلفة تعيشها دول أوروبية، وهو ما جعل اسم “رواندا” دائم التردد في عديد من هذه الدول في الأشهر القليلة الماضية.
في يوليو الماضي، وقت كان رئيس الوزراء البريطاني الحالي ريشي سوناك مرشحاً لزعامة حزب “المحافظين”، تعهد بفرض حد أقصى لعدد اللاجئين الذين تستقبلهم البلاد حال فوزه برئاسة الوزراء.
وكانت خطته لمواجهة الهجرة غير الشرعية في القلب من حملته، لم يفز سوناك حينئذ، لكنه فاز قبل أيام.
واليوم يجري التنقيب عن وعود سوناك، حيث أزمة الهجرة في بريطانيا تعد “حال طوارئ” مع تأكيد أنه حال فوزه سيعمل على ضبط “الحدود الخارجة عن السيطرة” وتنفيذ المخطط المؤجل بترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا، وهو المخطط الذي ابتكرته بريتي باتل ودافعت عنه بكل ضراوة وقت كانت وزيرة للداخلية.
وزيرة الداخلية البريطانية الجديدة القديمة سيولا بريفرمان تعود لتثير فزع طالبي اللجوء والحالمين بعبور المتوسط والقنال الإنجليزي وتكبد عناء الوصول إلى الحدود البريطانية.
الوزيرة ابنة مهاجرين من موريشيوس وكينيا كانت قد عبرت، ولم تأسف على ذلك، أن حلمها هو رؤية طائرة تقلع من بريطانيا وعليها طالبو اللجوء متوجهين إلى رواندا بحلول عيد الميلاد.
على رغم أن شركة طيران وحيدة وافقت على نقل طالبي اللجوء بالاتفاق مع الحكومة البريطانية قبل أشهر بعد تعرضها لضغوط كثيرة من جماعات حقوقية وضحايا سابقين وغيرهم، وعلى رغم الصعوبات التي يتوقع أن تواجه سوناك المتعهد سابقاً بتخفيف ضغط طالبي اللجوء وعدم إبداء بريفرمان أي تراجع عن حلمها بترحيلهم قبل عيد الميلاد، فإن ملف اللاجئين وطالبيه يتوقع أن يسير من صعب إلى أصعب.
أوروبياً، الأوضاع في ما يختص بالمهاجرين واللاجئين لا تبشر بخير كثير، رواندا ما زالت حلاً سحرياً لدى عدد من الدول الأوروبية غير الراغبة في استقبال مزيد من طالبي اللجوء، ولكن على استحياء، إذ القوانين الدولية والاعتبارات الإنسانية وجهود الجماعات الحقوقية وغيرها تجبر الساسة على التريث والتحرك بهدوء في هذا الملف، لا سيما في الدول التي تحوي توجهات سياسية وأيديولوجية مؤيدة لاستقبال المهاجرين وطالبي اللجوء، حتى ولو كانوا أقلية.
الدنمارك، مثلاً على رغم قرب إجراء الانتخابات العامة في أول نوفمبر (تشرين الثاني) تظهر إصراراً على مزيد من التضييق في ملف الهجرة واللجوء.
وشهد شهر سبتمبر (أيلول) الماضي توقيع اتفاق بين الدنمارك ورواندا ينص على “التعاون بين البلدين”، وفي القلب منه نقل طالبي اللجوء الذين يصلون الدنمارك إلى رواندا.
تضييق شديد في إيطاليا
وصول زعيمة اليمين المتطرف جورجيا ميلوني إلى منصب رئيسة وزراء إيطاليا قبل أيام يعني في حقيقة الأمر وواقعه وتوقعاته أن ملف الهجرة واللجوء يسير نحو التضييق الشديد.
في أول خطاب لها أمام البرلمان، أعادت ميلوني تأكيد هدفها وقف تدفق مراكب المهاجرين عبر المتوسط، وذلك من نقاط المغادرة بشمال أفريقيا.
ومعروف أن إيطاليا ظلت على مدى سنوات طويلة من أكثر الدول استقطاباً واستقبالاً وجذباً لمراكب الهجرة غير الشرعية الحاملة لآلاف المهاجرين وطالبي اللجوء، سواء الذين يعتبرون إيطاليا دولة المقصد أو دولة عبور، وخلال العام الحالي، وصل ما يزيد على 77 ألف شخص إلى إيطاليا على متن المراكب.
على سبيل المثال لموجات الهجرة إلى إيطاليا لا الحصر، فإن ما يزيد على 13 ألف مهاجر تونسي وصلوا سواحل إيطاليا خلال عام 2022 على متن قوارب، وتوفي نحو 500 مهاجر غرقاً قبل وصولهم، وذلك بحسب “المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية” المعني بالهجرة.
ويمثل هذا الرقم زيادة بنسبة 23 في المئة في أعداد المهاجرين التونسيين غير الشرعيين المتوجهين صوب إيطاليا خلال الفترة نفسها من العام الماضي.
وعلل المنتدى هذه الزيادة في ضوء الأزمات الاقتصادية والسياسية الحادة التي تشهدها تونس.
لكن تونس ليست وحدها من يشهد أزمات اقتصادية وسياسية تدفع بآلاف وربما ملايين المهاجرين غير الشرعيين وطالبي اللجوء صوب الشمال.
ليبيا التي تعاني أزمات سياسية وأمنية طاحنة منذ طاولتها رياح “الربيع” تعتبر من المراكز الرئيسة لاستقبال ونقل المهاجرين غير الشرعيين في ما يسميه البعض بـ”الاتجار بالبشر”.
قبل أيام قليلة، عثرت الشرطة الليبية على عدد من المهاجرين متجمدين في شاحنة براد مخصصة لنقل الطعام، وكانوا في طريقهم إلى الساحل قبل انطلاقهم في رحلة هجرة غير مشروعة عبر المراكب.
ليبيا والمراكب ومراكز الاحتجاز
مراكب أخرى ترسو عند السواحل الليبية حيث كان يأمل مئات السوريين اللحاق بها، لكنهم وجدوا أنفسهم محتجزين في مراكز يصعب على أحد معرفة حقيقة ما يجري فيها وما يتعرض له المحتجزون.
وبحسب “المرصد السوري لحقوق الإنسان” فإن هؤلاء السوريين المحتجزين يعانون الأمرين أثناء الاحتجاز، حيث الضرب والتجويع والظروف الصحية الصعبة، وكان هؤلاء توقفوا عند السواحل الليبية مضطرين بعد أن فشلوا في إتمام رحلة العبور صوب إيطاليا أو اليونان.
ويبدو أن من يملك المال فقط هو من يتم الإفراج عنه. ويؤكد المرصد أن “تسعيرة” الإفراج لا تقل عن 2500 دولار أميركي لكل سوري.
وبحسب تقرير صادر قبل أيام عن “مشروع المهاجرين المفقودين” التابع لـ”المنظمة الدولية للهجرة”، فقد تم توثيق خمسة آلاف و684 حالة وفاة على طريق الهجرة إلى أوروبا منذ بداية عام 2021، مع تزايد هذه الحالات على الطرق عبر البحر الأبيض المتوسط وعلى الحدود البرية إلى أوروبا وداخلها.
ورجح مؤلفو التقرير أن يكون العدد أكبر من ذلك بكثير، لا سيما أن ظاهرة حطام السفن غير المرئي متكررة للغاية، حيث تفقد قوارب في البحر من دون أن يجري البحث عنها أو إرسال قوات للإنقاذ، إضافة إلى افتقاد الشفافية في الإعلان عن الأرقام الحقيقية.
يشار إلى أن ليبيا تحوي عشرات الجنسيات ممن يحاولون عبور المتوسط في اتجاه الشمال.
وينتقد التقرير بشدة “عمليات الطرد القسري المزعومة من قبل السلطات الأوروبية، التي تسمى بعمليات الإعادة والتي تجري بشكل مكثف منذ عام 2021″، مطالباً بتحديد “مسارات للهجرة أكثر أمناً”.
مسارات آمنة؟
لكن ما تطالب به الدول المستقبلة للمهاجرين وطالبي اللجوء أبعد ما يكون عن توفير مسارات أكثر أمناً للقادمين.
مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تقول إن الحرب الأوكرانية وغيرها من الصراعات رفعت عدد الأشخاص الذين أجبروا على الفرار من الصراع والعنف وانتهاكات حقوق الإنسان والاضطهاد إلى أكثر من 100 مليون شخص لأول مرة على الإطلاق.
المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي يعتبر هذا الرقم صادماً ومثيراً للقلق، كما اعتبر هذا الرقم غير المسبوق في تاريخ البشرية “بمثابة تذكير بوجوب حل للأزمة والحيلولة دون وقوعها مستقبلاً، ووضع حد للاضطهاد، ومعالجة الأسباب الكامنة وراء اضطرار الأبرياء إلى الفرار من ديارهم”.
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قال في تغريدة إن “هذه ليست أزمة لاجئين، اللاجئون ليسوا السبب، بل هي أزمة سياسية، ولن تحل إلا بالتضامن والإرادة السياسية”.
يشار إلى أن العدد غير المسبوق في حركات النزوح والهجرة وطلب اللجوء تفاقم بسبب استمرار الصراعات وتفجر الأزمات الاقتصادية بعدد من دول الشرق الأوسط، وعودة حركة “طالبان” إلى حكم أفغانستان، وحرب روسيا في أوكرانيا، التي تسببت في نزوح ثمانية ملايين شخص داخل البلاد وأجبرت نحو ستة ملايين على مغادرتها، وكذلك تفجر موجات جديدة من الصراع والعنف في دول مثل إثيوبيا وبوركينا فاسو وميانمار ونيجيريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، ناهيك بالهجرة والنزوح وطلب اللجوء الناجمة عن آثار التغيرات المناخية.
المناخ الظالم
اعتبرت “أوكسفام” (اتحاد دولي لمنظمات خيرية مقره بريطانيا) في دراسة أطلقتها قبل أيام أن أعداداً هائلة من الأشخاص تأثرت هذا العام بالتغيرات المناخية الشديدة، وأبرزها الاحتباس الحراري الذي أدى إلى ظواهر جوية قاسية مثل الجفاف والأعاصير والفيضانات.
وقالت “أوكسفام” إن ما يجري سيؤدي حتماً إلى موجات نزوح وأنماط متعددة من الهجرة غير النظامية، هذه المرة النزوح الجماعي سببه الجوع وليس هرباً من صراع أو مصاعب اقتصادية أو رغبة في حياة أفضل.
أبرز الدول المتأثرة بتطرف المناخ، بحسب دراسة “أوكسفام”، هي الصومال وكينيا والنيجر وبوركينا فاسو وجيبوتي ومدغشقر وزيمبابوي وأفغانستان وغواتيمالا وهايتي.
المديرة الإقليمية لبرنامج الغذاء العالمي كورين فلايشر قالت في أغسطس (آب) الماضي إن العالم يشهد حالياً نزوحاً أكثر بعشر مرات بسبب تغير المناخ والصراعات المسلحة، مشيرة إلى أنهما موضوعان مترابطان، معبرة عن القلق الجم من التأثير المزدوج لكل من وباء كورونا وتغير المناخ والحرب في أوكرانيا.
تواتر الأزمات
أسئلة وشكوك كثيرة يطرحها هذا التواتر والتزامن في الأزمات والكوارث حول تغيرات متوقعة وأخرى بدت بشائرها بالدول المستقبلة للمهاجرين والنازحين وطالبي اللجوء.
وبين الالتزام بالقانون الدولي، كما يؤكد خبير دراسات السكان والهجرة أيمن زهري، حيث اللجوء حق مكفول في كل القوانين والأعراف الدولية، لا سيما اتفاق عام 1951 والبروتوكول المكمل لها في عام 1967 وغيرهما، والترسانة الضخمة من القوانين الضامنة لحق الإنسان في اللجوء والهجرة، وحق وقدرة وسعة صدر شعوب الدول المستقبلة لهذه الموجات، ومعاناة مناطق بعينها في العالم من سلاسل صراعات لا تكاد تتوقف حتى تعاود الاشتعال، وتفجر أوبئة غير متوقعة وحروب غير مخططة وأزمات مناخ كان يظنها البعض قنابل ستظل موقوتة لكن إذ بها تتفجر، وسطوع نجم أحزاب وتيارات اليمين المتطرف المعادي للأجانب، خصوصاً أولئك القادمين من دول وثقافات وأعراق بعينها (يشكلون غالب النازحين واللاجئين)، تشي الأوضاع بأن حركة الهجرة والنزوح وطلب اللجوء ستواجه تغيرات كبرى في الأشهر القليلة المقبلة.
ويقول زهري إن اتفاقية عام 1951 كانت خاصة بالحرب العالمية الثانية، وإن بروتوكول عام 1967 عدل تعريف اللاجئين ليشمل كل الجنسيات من جميع أنحاء العالم، مما يعني أن المسألة برمتها تدار من منظور غربي حتى هذه اللحظة.
ثلاثة مفاتيح
ويشير إلى أن الحلول الدائمة لمشكلة اللاجئين يمكن تلخيصها في ثلاثة مفاتيح رئيسة وهي: في حال كان اللجوء لظرف طارئ فيمكن عودة النازح أو اللاجئ إلى بلده مع زوال الظرف الطارئ، والثاني هو التوطين في البلد الذي نزح إليه، والثالث هو نقل النازح أو طالب اللجوء إلى دولة ثالثة.
ويبدو أن الحل الأول غير وارد حالياً في غالب الأوضاع، إذ إن معظم الصراعات أمدها ممتد، وأكثر النازحين وطالبي اللجوء تطول مدة إقامتهم في البلد الذي انتقلوا إليه، وكلما طال أمد الإقامة تصعب العودة وتتغير حياة الشخص ويبني حياة جديدة ويتأقلم مع المجتمع المضيف.
الحل الثاني، ألا وهو منح النازح أو طالب اللجوء جنسية الدولة التي لجأ إليها، وقد أصبح ذلك أمراً نادر الحدوث.
أما الحل الثالث فما زال يتم في أضيق الحدود، ولا تزيد أعداد من تمت إعادة توطينهم في دولة ثالثة على أربعة آلاف شخص على مدى سنوات.
ويقول زهري إن “الدول التي استقبلت النازحين وطالبي اللجوء غالباً فعلت ذلك بناءً على اتفاقات محددة، وكذلك نكاية في الدول التي قدم منها هؤلاء، وهذا واضح جداً في نزوح السوريين إلى تركيا مثلاً، حيث السبب الرئيس هو أن تركيا تعادي النظام السوري وليس حباً فيهم أو لأنها أنظمة إنسانية تعلي من شأن القيم السامية”.
“حتى تخرب سوريا”
ويضيف أن الأعداد الكبيرة جداً التي نزحت من سوريا إلى تركيا مثلاً تم الاحتفاء بهم بشكل كبير جداً في البداية بهدف “أن تخرب سوريا”. وكانت النتيجة أن تبدل الأحوال الاقتصادية والسياسية في العقد الماضي في الدول المضيفة أدى إلى تغير سياساتها تجاه النازحين واللاجئين.
وأشار إلى أن “بريطانيا مثلاً عادة تتفق مع الدول التي استقبلت اللاجئين كدولة عبور على أن تدفع لهم في مقابل إبقائهم لديها، توقف الدفع مع تفاقم الأزمات الاقتصادية والسياسية أمور أدت إلى تململ دول العبور من وجود اللاجئين لديها وتقوم بكل ما يمكن عمله من أجل التخلص من هذا العبء، وهذا أمر يبدو مبرراً لأن اللجوء إلى هذه البلدان لم يكن طبيعياً”.
ولا يعتقد زهري أن صعود تيارات اليمين في عديد من الدول الأوروبية سبب رئيس في تغير “المواقف الإنسانية والحقوقية” تجاه اللاجئين.
وأوضح أن “دول أوروبا لديها مشكلات ضخمة، فعلى الرغم من أن عديداً منها يعاني الشيخوخة السكانية وانخفاض نسب الخصوبة، فإن المسألة حالياً في ظل صعود اليمين هو نستقبل من؟ البيض أم السود؟ المسلمين أم المسيحيين؟ لذلك بدا اللاجئون الأوكرانيون جاهزين لنزول الملعب. بيض وأوروبيون ومسيحيون حتى ولو طائفة مختلفة، هذه الملايين التي خرجت من أوكرانيا لن تعود حتى بعد انتهاء الحرب”.
ويقول إن الهجرة في نهاية الأمر يتلاعب بها السياسيون ويحسمها الاقتصاد، “الاقتصاد هو الذي يحدد من يدخل ومن يبقى على الأبواب ومن تتم إعادته فوراً أو يترك ليغرق في البحر، السياسي نفسه قصير وينتظر الانتخابات المقبلة، أما الاقتصاد فيحتاج إلى استقرار واستدامة وحسن اختيار الأصول والموارد والعمالة الرخيصة”.
انتهاء أو تعثر أو تعسر شهر العسل بين النازحين واللاجئين والمهاجرين والدول التي تعلي قيم الحقوق والإنسانية يعني تغيرات كبرى في خريطة الهجرة ومراكب المتوسط، بغض النظر عن الصراعات والجوع والجفاف والرغبة المحمومة في البحث عن حياة أفضل.
وكالات