تعاني تونس في السنوات الأخيرة من نقص كبير في منسوب الأمطار المتساقطة، الأمر الذي يؤثّر بشكل كبير على مخزون مياه السدود، وبالتالي على توفير مياه الشرب وريّ الزراعات الكبرى وأنشطة صناعية كثيرة تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه. إذاً، الأزمة متواصلة وانعكاساتها كبيرة على مجالات وقطاعات مختلفة. وبينما تشير آراء إلى أنّها مجرّد أزمة عادية شهدتها البلاد أكثر من مرّة في السنوات الأخيرة بسبب التغيّر المناخي الذي يطاول العالم، فإنّ أخرى ترى أنّ الأزمة خطرة ولا شكّ في أنّ نتيجتها سوف تكون كارثية على الإنسان والحيوان والأرض، إذا لم يُبحث عن حلول تضمن الحفاظ أكثر على الموارد المائية وتخزين أكبر قدر ممكن من مياه الأمطار في السدود والأنهر.
من جهتها، أعلنت الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه، قبل أيام، أنّ “مخزون السدود بلغ مستواه الأدنى نتيجة تواصل الجفاف”، مضيفة أنّ “تونس ومنطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط بصفة عامة تُعتبر من أكثر البلدان عرضة للتأثير السلبي للتغيّرات المناخية”. وأوضحت الشركة في تقرير لها أنّ “نصيب الفرد في تونس من الموارد المائية المتاحة هو في حدود 450 متراً مكعباً في السنة، وهو مرشّح للانخفاض إلى 350 متراً مكعباً سنة 2030″، وذلك “نتيجة لسنوات الجفاف المتتالية التي أدت إلى انخفاض المخزون المائي”.
من جهته، أشار المرصد الوطني للفلاحة إلى أنّ المخزون الإجمالي للسدود بلغ حتى شهر أغسطس الماضي نحو 784 مليون متر مكعب، في مقابل 1043 مليون متر مكعب خلال الفترة نفسها من العام الماضي، الأمر الذي أثار مخاوف الجمعيات البيئية وخبراء في الموارد المائية. وأتى ذلك نتيجة تراجع المتساقطات في السنوات الأخيرة والضغوط الكبيرة التي تتعرّض لها الموارد المائية بسبب ارتفاع طلب الأنشطة الصناعية على المياه وتزايد الطلب الزراعي. وبحسب المرصد، فإنّه ومنذ بداية السنة الجارية، لم تكن كميات الأمطار المسجَّلة في مستوى المعدلات العادية، الأمر الذي أدّى إلى انخفاض منسوب مياه السدود بشكل خطير، فبات يُهدّد خصوصاً القدرة على توفير مياه الشرب.
يقول رئيس المرصد الوطني للمياه علاء مرزوقي لـ”العربي الجديد” إنّ “أزمة المياه تعود إلى أكثر من خمس سنوات بسبب نقص الأمطار، على الرغم من تحسّن مستوى امتلاء السدود سنة 2019، بحسب تقديرات الإدارة العامة للسدود والأشغال المائية الكبرى التابعة لوزارة الزراعة. لكنّ نقص الأمطار الذي سجّلته البلاد منذ سنة 2020 أثّر بشكل كبير على مخزون المياه بسبب تزايد الطلب. وقد تتعمّق الأزمة أكثر في السنوات المقبلة التي قد يفوق فيها الطلب كميات المياه المتوفّرة في السدود”. ويشير مرزوقي إلى أنّ “انخفاض معدّلات المتساقطات السنوية للأمطار في السنوات الأخيرة تزامن مع ارتفاع كبير في درجات الحرارة، التي تسبّبت في تبخّر كميات كبيرة من مياه السدود والأنهار”.
وقد أدّت أزمة المياه إلى تراجع في وصول المياه الصالحة للشرب إلى مناطق عديدة، الأمر الذي دفع في اتجاه تنفيذ مئات الوقفات الاحتجاجية في السنوات الأخيرة وقطع طرقات للمطالبة بتوفير مياه الشرب، لا سيّما خلال ارتفاع درجات الحرارة. يُذكر أنّ الأزمة لم تعد مقتصرة على مواسم الصيف وارتفاع درجات الحرارة، ولا على المناطق التي تغيب منها الأنهار والسدود مثل مناطق الجنوب التونسي، بل هي تشمل حتى سكان مناطق الشمال حيث يتوفّر أكثر من 50 في المائة من كمية الموارد المائية في تونس.
في سياق متصل، شدّد خبراء تونسيون في الموارد المائية، في السنوات الأخيرة، على ضرورة البحث عن حلول كفيلة بحفظ أكبر كميات من الأمطار، لا سيّما أنّ البلاد تشهد في شهر سبتمبر/ أيلول تحديداً تساقط كميات كبيرة من الأمطار تتسبّب أحياناً في فيضانات. وأوضحوا أنّ ذلك ممكن عبر تشييد سدود جديدة في الشمال وربطها بسدود في الجنوب، على الرغم من أنّ الأمر مكلف، بالإضافة إلى تجهيز سدود قديمة لتستوعب كميات أكبر من مياه الأمطار، خصوصاً أنّ ذلك لم يحصل منذ 20 سنة.
تجدر الإشارة إلى أنّ تقرير التقييم المواطني للمياه في تونس، الذي تعدّه جمعيّة “نوماد”، بيّن أنّ نصيب الفرد من المياه تراجع بشكل كبير في السنوات الأخيرة ليقدّر حالياً بـ400 متر مكعب سنوياً، وهو أقل بنسبة 50 في المائة من الكمية المطلوبة للفرد الواحد وفقاً للمعايير الدولية المقدّرة ما بين 750 و900 متر مكعب سنوياً.