قالت أوساط سياسية تونسية إن اللجان التي شكلها الرئيس قيس سعيد وضمت شخصيات مستقلة تظهر قناعته بأنه لا مكان للأحزاب في أيّ مناقشة لتحديد صورة تونس الجديدة لاعتقاده أن الأحزاب هي سبب الأزمة التي عاشتها البلاد في السنوات العشر الأخيرة، والتي قاد التنافس بينها على الكراسي واختراق مؤسسات الدولة واستراتيجية التمكين إلى إضعاف الدولة والاستهانة بها.
وأشارت الأوساط السياسية التونسية إلى أن ما يظهر هذه القناعة هو تخلي قيس سعيد عن فكرة إشراك أحزاب صغيرة دأبت على القول إنها حليفة للرئيس وداعمة لمسار الخامس والعشرين من يوليو في هذه اللجان وفي الحوار الوطني الذي ينوي إجراءه في مرحلة لاحقة لم تحدد بعد.
ولم تستبعد هذه الأوساط أن تلجأ الأحزاب الموالية للرئيس قيس سعيد، والتي تم تهميشها، إلى القفز من السفينة والبحث لها عن دور في المعارضة بالرغم من أن هذه الخطوة ستجلب لها الكثير من المشاكل داخل صفوفها من ناحية، ومن ناحية أخرى قد تجد نفسها على هامش المعارضة لأن قرارها بالانسحاب من محيط قيس سعيد قد جاء متأخرا جدا، وأن أكثر المتضررين ستكون “حركة الشعب” القومية الناصرية التي تصدرت المشهد كمتحدث باسم الرئيس وشارح لأفكاره.
وأضافت أن الأحزاب لن تكون لوحدها المستثناة من الحوار، وأن الاتحاد العام التونسي للشغل سيكون غيابه تحصيل حاصل خاصة في ظل رفضه المشاركة في الحوار بصيغته الحالية واشتراطة حوارا على المقاس.
وأعلن الرئيس التونسي الجمعة إحداث لجنة للإعداد لمشروع تنقيح دستور “جمهوريّة جديدة” عبر “حوار وطني” وأقصى منه الأحزاب السياسيّة في البلاد.
وصدر في الجريدة الرسميّة مرسوم رئاسي لإحداث هيئة وطنيّة مستقلّة تُسمّى “الهيئة الوطنيّة الاستشاريّة من أجل جمهوريّة جديدة” تتولّى “تقديم اقتراح يتعلّق بإعداد مشروع دستور لجمهوريّة جديدة، ويُقدّم هذا المشروع إلى رئيس الجمهوريّة”.
وكلّف سعيّد أستاذ القانون الدستوري القريب منه صادق بلعيد “مهمّة الرئيس المنسّق للهيئة الوطنيّة الاستشاريّة”، حسب بيان لرئاسة الجمهوريّة.
وتتفرّع من هذه الهيئة لجان ثلاث هي “اللجنة الاستشاريّة للشؤون الاقتصاديّة والاجتماعيّة” و”اللجنة الاستشاريّة القانونيّة” و”لجنة الحوار الوطني”.
وتقوم “اللجنة الاستشاريّة للشؤون الاقتصاديّة والاجتماعيّة” بتقديم مشاريع إصلاحات اقتصاديّة واجتماعيّة تضمّ المنظّمات الكبرى في البلاد، من بينها الاتّحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسيّة للدفاع عن حقوق الإنسان ويرأسها عميد المحامين إبراهيم بودربالة الداعم لقرارات سعيّد. أمّا “اللجنة الاستشاريّة القانونيّة” فتضمّ أكاديميّين يُعيّنون بمرسوم رئاسي.
ويشارك جميع الأعضاء في “لجنة الحوار الوطني” برئاسة بلعيد.
وأعلن سعيّد مطلع مايو الجاري عن “حوار وطني” أقصى منه الأحزاب السياسيّة في البلاد.
ويقول مراقبون إن تخلي الرئيس سعيد عن الأحزاب بشكل كامل، وإن كان سيجد دعما من الشارع التونسي، إلا أنه سيجلب عليه ضغوطا كبيرة خاصة في ظل التحركات السياسية والإعلامية والميدانية للمعارضة و”التفهم” الخارجي للمطالب التي ترفعها بعض الأحزاب خاصة ما تعلق بالعودة إلى المؤسسات الدستورية، والحفاظ على استقلالية الهياكل الدستورية وخاصة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي أعاد قيس سعيد تشكيلها ضمن مرسوم يجعلها واقعة تحت مرجع نظره.
وقبل الإعلان عن رؤساء اللجان بساعات طالبت سبعة أحزاب مؤيدة لقرارات الخامس والعشرين من يوليو الجمعة الرئيس سعيد بالتسريع بإطلاق حوار وطني للخروج من مرحلة التدابير الاستثنائية وبدء مرحلة البناء.
وجاء في بيان للأحزاب السبعة “نطالب رئيس الجمهورية بالتسريع في إعلان اللجنة القانونية، وإطلاق الحوار الوطني بين القوى الوطنية، ومنظمات وأحزاب وشخصيات وفعاليات، حتى نتمكن من تجاوز كل الضغوط الداخلية والخارجية”.
وتدعو الأحزاب إلى أن تكون الإصلاحات السياسية تشاركية وموضع توافق.
وقال أمين عام حزب “التحالف من أجل تونس” سرحان ناصري وهو أحد الأحزاب الداعمة للرئيس سعيد أن حزبه كان يعتقد أن الأحزاب الداعمة لمسار الخامس والعشرين من يوليو ستكون معنية بالمشاركة في الحوار الوطني وصياغة الدستور الجديد، مؤكدا أن رئيس الجمهورية وفق اختياراته التي أعلنها في المرسوم عدد 30 لسنة 2022 المتعلق بإحداث الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل دستور جديد قد أقصى الأحزاب.
وأعلن الاتحاد العام التونسي للشغل الجمعة رفضه المشاركة في الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس سعيد، باعتباره “مشروطا ونتائجه محددة مسبقا”.
جاء ذلك في تصريح للأمين العام المساعد للاتحاد سامي الطاهري، نشره موقع الاتحاد تعليقا على مرسوم رئاسي لتشكيل اللجان واستبعدت منه الأحزاب السياسية.
وقال مسؤول الاتحاد، الذي يفترض مشاركته بممثل واحد في إحدى اللجان الثلاث إن “الأزمة التي تعيشها تونس تتطلب حوارًا بمشاركة المنظمات والجمعيات والأحزاب الوطنية”.
وأضاف أن “الرئيس (سعيد) مهما كان قادرا على الإعجاز فلن يتمكن وحيدا من حل أزمة متراكمة”.
وأردف “الحوار المشروط والمحددة نتائجه مسبقا، أكدنا وملتزمون بموقفنا بعدم المشاركة فيه”.
ومن المقرر أن يعقد الاتحاد العام التونسي للشغل الاثنين هيئة إدارية (أعلى سلطة بين المؤتمرين) لبلورة موقفه من المرسوم الرئاسي المتعلق بإحداث “هيئة وطنية استشارية من أجل جمهورية جديدة” وإصدار بيان رسمي.
من جهتها، أدانت تنسيقية الأحزاب الاجتماعية الديمقراطية في تونس السبت إقصاء الأحزاب السياسية من الحوار الوطني. جاء ذلك في بيان صادر عن تنسيقية الأحزاب التي تظم “التيار الديمقراطي” و”الحزب الجمهوري” و”التكتل من أجل العمل والحريات”.
وأعربت التنسيقية عن رفضها “التوجه الذي يريده رئيس سلطة الأمر الواقع قيس سعيد، دفع البلاد من خلاله نحو مسار يقزم المجتمع ويلغي دور الأحزاب السياسية ويهمش منظمات المجتمع المدني ويجعلها شاهدة زور على صياغة دستور كتب في الغرف المغلقة”.
ودعت “كل الأطراف الوطنية وخاصة المنظمات الوطنية إلى رفض المشاركة في ما يسمّى بلجنة الحوار وتحمّل كل من يقبل الانخراط في مسار الانقلاب مسؤولياته القانونية المترتبة على المشاركة في قلب هيئات الدولة”.
بدورها أدانت جبهة “الخلاص الوطني” (جبهة المعارضة التي تتزعمها حركة النهضة الإسلامية) “إقصاء كل الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني من تركيبة الهيئة الوطنية الاستشارية”.
وأضافت الجبهة في بيان أن “الرئيس (سعيد) شكل هذه اللجنة بصفة انفرادية وخارج كل شرعية دستورية أو قانونية”.