يواجه السجناء السابقون في تونس صعوبات كبرى في إعادة اندماجهم بالمجتمع، بسبب عقلية مجتمعية سائدة ترفض كل من دخل السجن. وفي غياب قوانين تضمن مرافقة السجناء الذين أنهوا فترة حكمهم، وتيسر اندماجهم في المجتمع وفي الدورة الاقتصادية من خلال إيجاد فرص عمل، يبقى السجناء السابقون يواجهون مصيرهم من دون مصاحبة، لا من قبل المجتمع المدني أو مؤسسات الدولة، ما يجعلهم فريسة سهلة للنزوع مجدداً لعالم الجريمة والعودة إلى السجن.
عبد السلام (36 عاماً)، يسكن في العاصمة التونسية، رفض في البداية الحديث عن تجربته، وبعد تفكير تحدث إلى “اندبندنت عربية” قائلاً: “تعبت كثيراً، وما زلت أعاني. عائلتي ترفضني، وتغيرت نظرتهم لي، أصبحت أُعامل كمُجرم حتى من دون أن يعرفوا حكايتي، وسبب دخولي إلى السجن”.
ويضيف عبد السلام، “السجن حطمني نفسياً، وخسرت أصدقائي، وصديقتي التي كنت سأتزوجها، أصبحت في نظرهم مجرماً، أنا أدفع الثمن مرتين: في السجن وخارجه”.
وعن العمل يقول، “جميع الأبواب أوصدت أمامي، بسبب السوابق العدلية”، مضيفاً: “كل من يعلم أنني كنت في السجن يرفضني ويطردني من العمل”، متابعاً، “في تونس، لا يمنحون الفرصة للتغيير نحو الأفضل، من أجل أن أكون عنصراً فاعلاً في المجتمع، هم يضيقون عليّ الخناق”.
وخلص إلى أنه “وجد عملاً كحارس في مركب تجاري، إلا أنه يتعرض بشكل يومي للمضايقات”، لافتاً إلى أنه “يفكر جدياً في مغادرة تونس، ولو بطريقة غير شرعية بعد الغربة التي بات يعيشها في وطنه”.
المجتمع في حاجة إلى التأهيل
شهادة عبد السلام تغني عن وصف ما يواجهه هؤلاء الذين عاشوا تجربة السجن، في مجتمع يحتاج تغيير نظرته لهؤلاء الذين نالوا جزاء ما اقترفوه، ولا يجب معاقبتهم داخل السجن وخارجه.
ويؤكد أستاذ علم الاجتماع، سامي نصر، في تصريح خاص، أن المجتمع يتسبب أحياناً في رد فعل عنيف من قبل من كان في السجن، بسبب “حال الرفض، التي يواجهها من المجتمع، ورد الفعل قد يصل إلى الجريمة، من أجل الانتقام من نظرة المجتمع”.
ويشير نصر إلى أن “المجتمع التونسي في حاجة إلى تأهيل، وتغيير العقلية”، داعياً إلى “خلق انطباع مجتمعي يقوم على أن الشخص الذي يرتكب جُرماً، فإن عقوبته تكون محددة في الزمن، وعند مغادرة السجن تنتهي العقوبة، ولا يجب أن تستمر في أشكال مختلفة، منها الازدراء المجتمعي والرفض”.
ويضيف أن “الخارج من السجن يواجه عقاباً جماعياً قد يلحق بكل عائلته”، داعياً “مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والإعلام إلى مرافقة من يغادر السجن ومساعدته على إعادة الاندماج”.
التأهيل يبدأ من السجن
ويضطلع المجتمع المدني، بدوره، في تأهيل هذه الفئة من المجتمع، إلا أنه بات عاجزاً أمام العدد الكبير من مغادري السجون.
مريم الدلاجي، رئيسة الجمعية التونسية لمساعدة السجناء السابقين ومتابعة أوضاع السجون، تؤكد “غياب أي مرافقة أو متابعة من الدولة لمن غادروا السجن”، مشيرة إلى انعدام الإرادة السياسية من الدولة لتأهيل السجناء السابقين، قائلة: “من دخل السجن في تونس انتهى أمره نفسياً ومعنوياً واجتماعياً ومهنياً، وبخاصة فئة النساء”.
وتشدد الدلاجي على أن “السجين في تونس يكلف الدولة 47 ديناراً (15 دولاراً) يومياً، وعليه لا بد من البحث عن حلول لهؤلاء الذين غادروا السجن، للحيلولة دون عودتهم، بسبب البطالة ورفضهم من قبل المجتمع”.
وتضيف أن “التأهيل يبدأ من داخل السجون، من خلال الإحاطة النفسية والاجتماعية، وتهيئة من سيغادر السجن إلى الاندماج في المجتمع”.
الدولة في وضعية صعبة
في المقابل، يعتبر القاضي، ومساعد الوكيل العام، في محاكم سوسة والمنستير، فريد بن جحا، أن “الدولة في وضعية صعبة، اقتصادياً واجتماعياً، ولا يمكنها استيعاب العدد الكبير للمساجين داخل السجون وللمغادرين، داعياً إلى توفير إطار بديل من خلال الجمعيات لاحتضان من يغادر السجن لتأهيله من أجل الحد من منسوب الجريمة في البلاد”.
ويشدد ابن جحا، على أن “الآلية الوحيدة لمتابعة السجين خارج أسوار السجن هي في حال تطبيق عقوبة بديلة كالعمل لفائدة المصلحة العامة، من خلال مكاتب مصاحبة تتابع عن قرب المحكوم عليه بعقوبة بديلة”.
ويضيف أن “مجلة حماية الطفل أوجدت آلية خاصة لمتابعة الأطفال الجانحين الذين غادروا السجن، بينما لم يوفر القانون التونسي، الآليات الضرورية لمصاحبة ومتابعة بقية المساجين الذين غادروا أسوار السجون”.
ويلفت إلى أن “غياب الآليات الضرورية، وضعف أداء الجمعيات التي تحتضن هؤلاء يتسبب في تنامي نسبة العودة المقدرة حالياً في تونس بـ40 في المئة، وهي نسبة عالية”.
ويضيف، “من يجد نفسه منبوذاً في المجتمع قد ينخرط مجدداً في الجريمة بشكل أكثر حدة بعد أن تعلم أصول الإجرام داخل السجن باحتكاكه ببقية المساجين”.
وتجدر الإشارة إلى أن عدد السجناء في تونس يناهز 25 ألفاً، موزعين على 27 سجناً و6 مراكز إصلاح، ولا تتوفر كل السجون على برامج تكوين وتأهيل.
ويحتاج من يغادر السجن إلى تأهيل نفسي واجتماعي، لضمان عدم نزوعه إلى الانحراف مجدداً، كما يحتاج إلى عمل يحفظ كرامته، وفي ظل رفض المجتمع لهذه الفئة، يتنامى منسوب الجريمة، وهو ما يهدد الاستقرار.
independentarabia