تجري أطوار الزيارة التي يؤديها الرئيس الفرنسي للجزائر في جو من التكتم والحيطة تفاديا لأي تشويش قد يؤثر في مسارها، بما في ذلك غياب الحاخام حاييم كورسيا، الذي اضطر في آخر لحظة إلى عدم مرافقة الرئيس إيمانويل ماكرون.
وتضاربت الروايات في الجزائر بشأن غياب الحاخام حاييم كورسيا عن الوفد الذي يرافق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في زيارته للجزائر، بين العارض الصحي الذي ألم بالرجل في آخر المطاف، وبين تحفظ السلطات الجزائرية على حضوره تفاديا للمزاج الشعبي الحساس تجاه أي خطوة تمهد للتقارب أو التطبيع مع إسرائيل.
ونفى حاييم كورسيا أن يكون قد تعرض إلى ضغوط من جهة ما للحيلولة دون زيارته للجزائر، في إشارة إلى ما يتردد في العديد من الدوائر التي رجحت فرضية رفض حضوره من طرف السلطات الجزائرية، واستبعدت أن تكون المسألة على صلة بداء كوفيد – 19، لأن الرجل كان قد أبدى حماسا لمرافقة ماكرون في زيارته للجزائر في التصريح الذي أدلى به للإعلام المحلي في باريس.
وقال حاييم كورسيا “لا أعاني من أعراض.. كان يجب إجراء اختبار للطيران لكن بالنسبة لي لم تكن هناك مشاكل. عندما حصلت على النتيجة، فوجئت بالاصابة”، وكان كورسيا قد اعتذر صباح الخميس عن دعوة إلى الإذاعة بعد ظهور نتيجة الاختبار.
ونفى كورسيا أن يكون قد استهدف من حملة شتائم طالته على شبكات التواصل الاجتماعي في الساعات الأخيرة، أو أن يكون تعرض لضغوط حتى لا يتوجه إلى الجزائر، وقال لإذاعة راديو “جي” التابعة للجالية اليهودية “لم تكن هناك ضغوط فقط، بل دعاني الرئيس وشدد على الدعوة.. أصدرت الجزائر تأشيرتي وأرادت الجزائر أن أكون هناك، لذلك ليست هناك أي مشكلة”.
ويبدو أن المزاج الشعبي تماهى مع الخطاب الشعبوي للسلطة، وتكون كورونا في حال صحت الرواية قد قدمت خدمة للسلطة الجزائرية التي رفعت خطاب الممانعة ورفض التطبيع، كأحد مبادئها الأساسية، وبالتالي فإن الخطاب السياسوي للسلطة يكون قد استفاد من غياب حاييم كورسيكا.
وكان حاييم كورسيا قد عبّر في تصريح لـ“فرانس 24” عن “سعادته الكبيرة بمرافقته للرئيس إيمانويل ماكورن في زيارته للجزائر، وأن الزيارة كانت تمثل له وقفة على مدافن أسلافه في الجزائر”، واعتبر زيارته بمثابة “تجربة تشبه تجربة النبي إبراهيم لمّا أمره الرب بمغادرة وطنه ومكان ولادته ومنزل والده”.
وأضاف “العديد من الأصدقاء من الجالية اليهودية في باريس يظنون أنني أعود في زيارة أخرى للجزائر.. لكن في الحقيقة لم يسبق لي أن سافرت إلى هذا البلد، مسقط رأس أبي وأمي، اللذين عاشا في مدينتي وهران وتلمسان”.
وتابع “سأتمكن أخيرا من رؤية أرض لطالما قرأت الكثير عنها في الكتب والمقالات.. كانت بعض الكتب التي اطلعت عليها مزينة بالصور الجميلة والملونة وأخرى تروي المآسي.. لدي انطباع بأنني أعرف هذه الأرض على الرغم من أنني لم أزرها أبدا، أنا متشوق لرؤيتها”.
وأثار إعلان مرافقة حاييم كورسيا للرئيس ماكرون موجة غضب واستياء شعبي في الجزائر، واعتبرت بعض الأطراف زيارته تمهيدا للتقارب وتجاوز المواقف التقليدية المناهضة للتطبيع.
ودعا أكبر الأحزاب الإسلامية في الجزائر على لسان أمينه العام عبدالرزاق مقري إلى منع حاييم كورسيا من دخول الجزائر، واعتبر الرجل الأول في حركة مجتمع السلم “حمس” ( عبدالرازق مقري) قدوم كورسيا “خيانة لدماء الشهداء الذين حرروا بأرواحهم الجزائر من الاستعمار، وأسسوا لدولة تناصر الضعفاء والمقهورين، وعلى رأسهم الآن الشعب الفلسطيني المضطهد من طرف الكيان الصهيوني”.
وذهب الزعيم الإخواني المؤيد للسلطة عبدالقادر بن قرينة في نفس السياق، لمّا حذر من أي خطوة تمهد لتجاوز المواقف التقليدية للسلطة وللشعب الجزائري.
ولا يزال الموقف الشعبي في الجزائر يملك حساسية بالغة تجاه أي تقارب رسمي مع إسرائيل أو من خلال اللوبيات الموالية لها، حيث سبق لمجموعة من الناشطين أن أسسوا جمعية مناهضة التطبيع مع إسرائيل في مطلع الألفية، بعد المصافحة التاريخية بين الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة والإسرائيلي إيهود باراك، على هامش جنازة العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني العام 2000، وهو ما نفاه حينها بوتفليقة نفسه، وقال “لم يكن بوسعي رد يد تمتد إلي لتصافحني”.
وتحت ضغط الموقف المتشنج تجاه إسرائيل، لا يزال الفنان الفرنسي ذو الأصول اليهودية أنريكو ماسياس ممنوعا من زيارة الجزائر، حيث رفض حضوره في زيارات رسمية وشخصية للجزائر منذ مطلع الألفية، رغم أن الرئيس الراحل بوتفليقة كان قد سهل زيارة اليهود إلى معبدهم في تلمسان.
صحيفة العرب