عادت التحذيرات في الجزائر من حملة تستهدف إلهاب نار الفتنة بين أبناء الشعب الواحد وتهديد الوحدة الوطنية، وبعد الرئيس عبد المجيد تبون وقائد أركان الجيش الفريق سعيد شنقريحة، جاء الدور على وزير الشؤون الدينية يوسف بلمهدي، الذي انتقد محاولة تشتيت الصفوف والتلاعب بهوية الأمة.
حملة شعواء
قال الوزير بلمهدي إن “الجزائر أمة لا يمكن أن يتسلل بين صفوفها من يسعون إلى إضعاف قوتها وتشتيت وحدتها والتلاعب بهويتها، أو أن يُفتن بين أهلها”، مضيفاً أن “هناك حملة شعواء ضد الجزائر وشبابها ومستقبلها وتاريخها، الذي ليس فيه ما يُعاد أو يترك”، وأبرز أنه “طيلة الأعوام الماضية، بيّنت الجزائر للناس أنها بلد سلام، وسعت إلى الجمع بين الفرقاء والمتخاصمين على مائدة الصلح، لذلك لا ينبغي السكوت عن الظلم، لأننا قبلة الثوار ولا نزال كذلك”. وانتقد “المشككين ودعاة الفتنة الذين يستغلون كل منعرج لنفث سمومهم ضد كل ما هو جزائري، وهو أمر غير مقبول”.
ليست المرة الأولى
ليست هذه المرة الأولى التي يُحكى فيها عن المؤامرة والفتنة في الجزائر، فقد تناول تبون في مناسبات عدة محاولات زعزعة استقرار بلاده، وصرّح في إحدى المرات بأن بعض الأطراف تتآمر على الدول العربية، وقالت في يوم ما “سنعود إلى الجزائر بعد أن ننتهي من سوريا”. وعلّق غاضباً، “أنا أقول لهذه الأطراف، لحمنا مر ولا يؤكل”، مشدداً على أن بلاده “تتعرض لمؤامرة، لأن موقفها السياسي والاقتصادي مستقل، وهو ما أزعج عدداً من الأطراف”.
وحذر تبون من “أطراف تصدر إملاءات من وراء الستار عن طريق ما يُعرف بحرب الجيل الرابع، التي تهدف إلى زعزعة استقرار البلاد باستغلال أبنائها”، مشيراً إلى خطر الإشاعات التي تغزو مواقع التواصل الاجتماعي بشأن مختلف القطاعات، وتنتهز الظرف لزرع الهلع في نفوس المواطنين عبر نشر الأخبار الكاذبة والفيديوهات الملفقة، التي أظهرت التحريات أنها منافية للحقيقة”.
وقال إن الإشاعات أصبحت سلاحاً بين أيادي من يريدون زعزعة استقرار الجزائر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كما أصبحت تمس الأمن القومي، ما دعانا إلى استحداث قطب جزائي يتكفل بمعالجة الجرائم السيبرانية”، مضيفاً أنه “لن يكون هناك أي تسامح مع محاولات المساس بالوحدة الوطنية وباستقرار البلاد، و”لن نرحم أحداً”. ودعا الشباب إلى عدم الانسياق وراء محاولات استغلالهم سياسياً، مشيراً إلى أن “ثمة احتجاجات ظاهرها اجتماعي، لكن وراءها أشخاصاً يحاولون استثمارها”.
المؤسسة العسكرية تحذر
من جانبه، أكد قائد أركان الجيش حاجة بلاده لتوحيد جهود كل أبنائها المخلصين، وإحباط ما يُحاك ضدها من مؤامرات ودسائس تستهدف وحدتها الترابية والشعبية، داعياً إلى “الوحدة والانسجام والتلاحم بين مختلف شرائح أبناء الشعب الجزائري والثقة بمؤسسات الدولة والتزام واجب خدمة الوطن والحفاظ على مصالحه العليا وتعزيز أمنه واستقراره وسيادته من أجل بناء الجزائر الجديدة”.
وأردف شنقريحة أن “المتمعن في الحملات المسعورة التي تتعرّض لها بلادنا في الآونة الأخيرة، لا يحتاج إلى تفكير طويل وتحليل عميق، حتى يُدرك خبث نواياها ودناءة أهدافها وخساسة مروّجيها، الذين خانوا وطنهم وباعوا ضمائرهم وشرفهم”، متهماً “الأطراف المأجورة بمحاولة زرع بذور التفرقة والفتنة بين أبناء الشعب الواحد، وبين الشعب وجيشه، وهي أوهام وتخيلات لن تتحقق أبداً على أرض الشهداء، لأن منبت الشعب الجزائري وجيشه طيب ومعدنهما أصيل، ولا غاية لهما سوى مصلحة الوطن ومستقبل أبنائه”.
أطراف خارجية تحرك أطرافاً داخلية
يقول الباحث في كلية العلوم الاجتماعية بن مصطفى دحو لـ”اندبندنت عربية” إن هناك إدراكاً عميقاً من جانب المؤسسة العسكرية والرئاسة للرهانات المرتبطة بخطاب الهوية والتلاعبات الهادفة إلى تفكيك الوحدة الوطنية، وتجسد هذا الإدراك المبكر في إصدار قانون محاربة خطاب الكراهية والتمييز في أبريل (نيسان) 2020، وكذلك قانون محاربة الإشاعة والأخبار الكاذبة، وأيضاً تنظيم قيادة الأركان لملتقى حول حروب الجيل الرابع. ويضيف أن “هناك قناعة راسخة لدى المؤسستين بوجود مؤامرة ضد الدولة الجزائرية تستهدف وحدة الشعب بضرب مقوماته وهويته، ذلك أن وحدة الأمة تقوم على وحدة الثقافة والنبش في الاختلاف الثقافي والعرقي قد يفكك وحدة الشعب”.
ويتابع دحو أن هناك اشتباهاً في وجود أطراف خارجية تحرك أطرافاً داخلية للقيام بهذه المهمة، مستغلة وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، على اعتبار أن حروب الجيل الرابع تقوم على ترسيخ فكرة وجود دولة فاشلة فقدت سيطرتها على جزء من إقليمها، وعجزت عن توفير الحاجات الأساسية للمواطنين، وكذلك لوجود تنافر اجتماعي في القيم يترتب عليه تعدد الهويات والأمم، الأمر الذي يبرز الحاجة إلى تدابير استباقية واحترازية ومنها تعديل قانون الإعلام وتضمينه إجراءات ضد خطاب التمييز الذي كرس الدستور الجديد تجريمه، مع عدم المساس بمقومات الأمة وهويتها.
ويستطرد الباحث أن “منظومة القيم والهوية الثقافية في الجزائر تعرّضت لتخريب وتدمير ممنهج وسلس طيلة عقدين من الزمن على الأقل، من خلال تسطيح الثقافة وتتفيه التعليم وإدراج مواد ومناهح تفتت الوحدة الوطنية وتعيد طرح الأسئلة حول الهوية والتاريخ والأصول، ما ترتب عليه إنتاج منظومة قيم تتعارض مع مقومات المجتمع المحلي”، مشدداً على أن الخلاص والمحافظة على الوحدة الوطنية يبدآن بوعي المشكلة والإدراك بأن التنوع الثقافي والقيمي لا يعني التعدد الثقافي، لذلك يجب تطوير نظام ثقافي يقوم على التنوع داخل الوحدة، لمواجهة مقاربات وأطروحات الإثنوغرافيا والإثنولوجيا التي تلعب على هذا الوتر، كما تجب مراقبة وتحليل ما تنتجه مراكز الأبحاث الأنثروبولوجية والاجتماعية، وكذلك الأنشطة ذات الطابع الثقافي.
وكالات