يبدو أن بعض الاتفاقات ومنها صفقة نقل نفط الإمارات إلى أوروبا التي وقعت بين الإمارات العربية المتحدة ودولة الاحتلال الإسرائيلي، على خلفية تطبيع العلاقات، في سبتمبر من العام الماضي ، لم تعد كلها قابلة للتنفيذ؛ بسبب خلافات إسرائيلية داخلية، أو لأنها تمس مصالح أطراف أخرى لديها علاقات استراتيجية مع “تل أبيب”.
فقد أعلنت حكومة الاحتلال، 16 ديسمبر 2021، وقف صفقة نقل النفط الإماراتي إلى أوروبا عبر ميناء إيلات، جنوبي الأراضي المحتلة.
وقالت وزيرة حماية البيئة في حكومة الاحتلال تامار زاندبرج، في بيان نشر على صفحتها الرسمية بموقع “تويتر”: “منعنا دخول عشرات ناقلات النفط إلى خليج إيلات”، مشيرة إلى أن “إسرائيل لن تصبح جسراً للتلوث في عصر الأزمة المناخية”.
وكانت وزارة حماية البيئة الإسرائيلية أعلنت، في يوليو الماضي، إرجاء تنفيذ اتفاق لنقل النفط من الإمارات إلى “إسرائيل”، وتجميده مؤقتاً، قبل أن يأتي الإعلان الأخير بإيقافه نهائياً.
لكن هذا الإعلان على الرغم من مبرراته البيئية يبدو في الوقت نفسه مرتبطاً بمصالح أخرى مشتركة بين “تل أبيب” والقاهرة، كما أنه جاء بعد أيام من زيارة أجراها وزير خارجية الاحتلال يائير لابيد إلى مصر، لبحث التعاون المشترك.
كما أنه جاء بعد تقارير تحدثت عن أن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، كان يفكر جدياً في التراجع عن اتفاق التطبيع مع الإمارات، الذي قال مراسل الشؤون السياسية باراك رافيد، لموقع “واللا” العبري، إنه كان يخشى من أن يتسبب الاتفاق في انهيار الحكومة.
الخبير الاقتصادي المصري د. عبد النبي عبد المطلب، قال “، إن القرار الإسرائيلي وإن كان يرتكز على مخاوف تتعلق بسلامة البيئة فإنه يكشف أيضاً عن صراع داخلي يضرب الحكومة الإسرائيلية.
وجاء القرار بعد أيام قليلة من زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت لأبوظبي، التي جرت هذا الشهر، وكانت
الأولى من نوعها لمسؤول إسرائيلي إلى بلد خليجي.
ولفت عبد المطلب إلى أن جزءاً ليس سهلاً داخل الائتلاف الحكومي الإسرائيلي يعارض التطبيع مع العرب على ما
يبدو، مشيراً إلى أن حكومة بينيت هشة إلى درجة تجعلها غير قادرة على اتخاذ خطوات أحادية.
خلفية سياسية
في الوقت نفسه لا يبدو القرار بعيداً عن الزيارة التي أجراها وزير خارجية الاحتلال للقاهرة، 9 ديسمبر 2021،
حيث بحث عدداً من الملفات المشتركة، وفي مقدمتها ملف قطاع غزة، وصفقة تبادل الأسرى المأمولة مع حركة حماس.
ومن المقرر، وفق تقارير، أن يزور رئيس المخابرات المصرية اللواء عباس كامل الأراضي المحتلة، الأسبوع
المقبل؛ في محاولة لتمريرصفقة نقل النفط الإماراتي إلى أوروبا التي ترعاها مصر، وذلك بعد تلويح من حركة
حماس بالعودة للتصعيد العسكري.
وكان قيادي في الحركة اتهم مصر مؤخراً “بعدم الوفاء بالتزاماتها التي قطعتها خلال محاولات وقف القتال، في مايو
الماضي، بين فصائل المقاومة وجيش الاحتلال”.
وقال عضو المكتب السياسي لحركة “حماس”، سهيل الهندي، في 12 ديسمبر 2021، إن الحركة وفصائل المقاومة
بقطاع غزة لم تلمس أي جدية من “إسرائيل” لتنفيذ تعهداتها، حتى الآن.
وأكدت الحركة أنها تدرس العودة للتصعيد العسكري رداً على الانتهاكات التي ترتكبها دولة الاحتلال في القدس
والضفة الغربية المحتلتين، إضافة إلى تعطيل ملف إعادة إعمار غزة وتخفيف الحصار المفروض على القطاع.
وكان رئيس المخابرات المصرية قال في تصريحات خاصة لموقع “أكسيوس” الأمريكي، الشهر الماضي، إن القاهرة
تعمل على اتفاق طويل الأمد بين المقاومة وحكومة بينيت، وأكد أن المصريين ينظرون للحكومة الحالية على أنها قابلة للتعامل في بعض الملفات.
وبحسب مراقبين، يبدو أن هذه التهديدات لاقت صدى كبيراً عند المسؤولين الإسرائيليين، ومنحت الجانب المصري
ممارسة ضغوط في ملفات أخرى قد تكون سبباً في إلحاق أضرار اقتصادية بها، وفي مقدمتها مشروع نقل النفط
الخليجي عبر إيلات إلى أوروبا.
خسائر مصر من الصفقة
كان المشروع الذي تم تجميده يهدف إلى تقليل وقت نقل النفط والغاز الطبيعي ونواتج التقطير من المملكة العربية
السعودية ودول الخليج إلى أوروبا، بحسب ما أعلن في السابق.
وكان من المتوقع أن تجني “تل أبيب” مئات ملايين الدولارات من عوائد نقل هذه المنتجات النفطية، مقابل خسارة
القاهرة لكافة العائدات التي تحصل عليها سنوياً من مرور هذه الصادرات عبر قناة السويس.
كما أن المشروع كان يهدد بوضوح أحلام مصر في التحول إلى مركز إقليمي لتسييل الغاز في المنطقة، قبيل تصديره
إلى الجانب الأوروبي.
وكان الاتفاق جزءً من سلسلة الاتفاقيات الطويلة التي أبرمتها أبوظبي مع “تل أبيب” منذ تطبيع العلاقات، في سبتمبر
2021، والتي ركزت في مجملها على الاقتصاد.