حذر خبراء أن النازحين العائدين إلى منازلهم القديمة في غزة، يواجهون خطر الموت أو الإصابة، بسبب القذائف والقنابل المدفونة تحت الأنقاض، وفق ما نقلت عنهم صحيفة “ذا جارديان” البريطانية.
ومع سريان اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، الأحد الماضي، بدأ مئات الآلاف من النازحين الفلسطينيين العودة إلى مناطقهم، ليجدوها أنقاضًا مدفون تحتها قذائف وقنابل لم تنفجر بعد.
وفي تصريح من دير البلح وسط قطاع غزة، قال أمجد الشوا، مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية في غزة: “من المرجح أن تكون هناك حركة ضخمة خلال الأيام القليلة المقبلة، وسوف يحاول الناس أيضًا العثور على أحبائهم أو أي شخص تحت الأنقاض”.
وأضاف أن “هناك 50 مليون طن من الحطام تحتوي على مواد خطيرة غير معروفة، والذخائر غير المنفجرة تشكل مشكلة كبيرة حقًا.. نحن نحاول تنسيق الجهود لرفع مستوى الوعي، وننصح الأطفال بشكل خاص بإبلاغ السلطات إذا عثروا على أي شيء والابتعاد عنه”.
ووصف الخبراء التحديات التي تواجه إزالة القنابل غير المنفجرة والذخائر الأخرى من غزة بأنها “غير مسبوقة”، حيث دُمِّر أو تضرر أكثر من ثلثي المباني في واحدة من أشد عمليات القصف كثافة في العصر الحديث.
ونزح نحو مليوني فلسطيني خلال الحرب وهم يعيشون الآن في ملاجئ مؤقتة ومخيمات بعيدة عن منازلهم السابقة، ويأتي العديد من هؤلاء من الشمال، وسيرسلون أفراد عائلاتهم للبحث عن متعلقاتهم، أو انتشال رفات أقاربهم من تحت الأنقاض، أو ببساطة لمعرفة ما تبقى.
وقالت سهيلة الحرثاني (65 عامًا) إن ابنها سيحاول العودة إلى منزلهم في شمال غزة من المخيم القريب من خان يونس حيث يعيشون منذ أشهر، وأضافت: “لم أفقد أحدًا من عائلتي، لكنني أخشى أن أفقد أحدًا أو أتعرض للإصابة بسبب هذه المتفجرات.. أخشى أن تنفجر إحدى هذه البقايا، وقد أفقد حياتي أو يدي أو ساقي”.
ويقول الخبراء إن هناك مخاطر أخرى في الأنقاض التي تغطي الآن جزءًا كبيرًا من غزة، بما في ذلك المواد الكيميائية الصناعية السامة، وبقايا بشرية متحللة، والأسبستوس.
وحذر جاري تومبس، من منظمة الإنسانية والإدماج في المملكة المتحدة، وهي منظمة غير حكومية تعمل في غزة، وأرسلت 8 ملايين رسالة نصية تحذر من مخاطر الأسلحة غير المنفجرة: “أي شخص يقترب من الأنقاض معرض للخطر.. وبمجرد أن يتمكنوا من العودة إلى كل تلك المناطق المدمرة، عندها سنرى ارتفاعًا في الإصابات والوفيات”.
وأضاف “إنها صورة مروعة للغاية.. سيبحث الناس عن أي شيء يمكنهم استخدامه للبقاء على قيد الحياة.. وسوف يعطون الأولوية لاحتياجاتهم الأساسية على السلامة”.
وأدى العدوان الإسرائيلي الذي استمر أكثر من 15 شهرًا إلى استشهاد أكثر من 47 ألف فلسطيني، معظمهم من المدنيين. ويحذر مسؤولون فلسطينيون والأمم المتحدة ووكالات الإغاثة، من أن حصيلة الشهداء من المرجح أن تكون أعلى بكثير عند أخذ الجثث المدفونة تحت الأنقاض في الاعتبار، على الرغم من أن بعضها قد لا يتم انتشاله أبدًا.
وقالت وكالة الدفاع المدني في غزة، في بيانٍ نشرته على تليجرام، أمس الأول الخميس، إنه تم العثور على 162 جثة في مناطق مختلفة من القطاع، منذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ الأحد الماضي.
ووصف جريج كروثر، مدير البرامج في مجموعة استشارات الألغام (منظمة غير حكومية) التحديات التي يواجهها المتخصصون في إزالة المتفجرات بأنها “فريدة من نوعها”. وقال “إن هذا المستوى من تدمير بيئة حضرية مأهولة بالسكان، مع هذا المستوى من القصف على مدى فترة من الزمن، والقصف المتكرر بمجموعة من الذخائر، إلى جانب القتال البري، أمر غير معتاد إلى حد كبير.. لا أعتقد أن هناك أي شيء مماثل من حيث المدة والشدة وفي هذا النوع من الموقع.. إنه يجعل الأمر غير مسبوق إلى حد كبير”.
وفي جباليا، أكبر مخيمات اللاجئين الثمانية في قطاع غزة والذي كان محور العدوان الإسرائيلي في الأشهر الثلاثة الماضية، عاد العديد من الناس للعيش داخل منازلهم المدمرة، وأشعلوا نيرانًا صغيرة لمحاولة تدفئة أطفالهم.
وقال محمد بدر، وهو أب لعشرة أبناء: “إنهم يتحدثون عن هدنة ووقف إطلاق النار وإيصال المساعدات.. لقد مرت ثلاثة أيام منذ عودتنا، ولم نجد مياه للشرب. ولا نجد أغطية لتدفئة أطفالنا. نعتمد على النيران طوال الليل. نتمنى الحصول على بعض الحطب لإشعال النار، فنحن نستخدم البلاستيك، الذي يسبب الأمراض”.
وقالت زوجته “أم نضال” إنها لا تستطيع أن تصدق حجم الدمار الشامل: “لم يبق شيء، لا يمكنك المشي في الشوارع.. انهارت المنازل فوق بعضها البعض.. تضيع، لا تعرف ما إذا كان هذا منزلك أم لا.. رائحة الجثث في الشوارع”.
ويقول الخبراء إن الذخائر غير المنفجرة ستشكل عقبة خطيرة أمام أي إعادة إعمار في غزة، فضلًا عن كونها تشكل خطرًا قاتلًا، مما قد يؤدي إلى إبطاء الجهود التي قد تستغرق عقودا بالفعل.
وقبل ستة أشهر، قالت الأمم المتحدة إن أسطولًا يضم أكثر من 100 شاحنة سيستغرق 15 عامًا لتطهير غزة من الأنقاض، في عملية تتراوح تكلفتها بين 500 مليون دولار و600 مليون دولار.
وقال “تومبس”: “ستكون هذه المهمة الأكثر تعقيدًا التي رأيتها خلال 30 عامًا من الخبرة في التخلص من الذخائر غير المنفجرة”.