لم تظفر الجامعات الجزائرية، دوليا، إلا بالمراتب الأخيرة بعد الألف، حيث أظهرت نتائج التصنيف الذي أصدره موقع Ranking Web of Universities في شهر يوليوز 2021، احتلال جامعة هواري بومدين للعلوم والتكنولوجيا باب الزوار العاصمة، المرتبة الأولى محليا، فيما احتلت المرتبة 48 عربيا و43 إفريقيا وجاءت في المرتبة 1913 دوليا.
وتعيش الجامعة الجزائرية العديد من المشاكل سواء على مستوى البنى التحتية داخل الجامعة أو الأحياء الجامعية وظروف عيش الطلبة الصعبة والكارثية والمقررات والبرامج…، وخير ما يجسد هذا الوضع ما صرح به عميد كلية الطبة بجامعة الجزائر العاصمة حين أغرقت الفيضانات الكلية التي تعاني من أزمة في الماء الشروب وقال بكل شجاعة : »نعاني منذ بداية شهر يوليوز أزمة كبيرة في التزود بالماء، مما يصعب وبكل أسف استقبال طلبتنا الذي يفوق عددهم عشرة الآلاف، يوميا . »
وأضاف قائلا : » أعترف لكم بأنني فكرت مليا قبل أن أتحدث إليكم، لكن قررت أن ألقي بنفسي في الماء وأتحدث لأن الوضع خطير والخطوات التي يجب اتخاذها عاجلة ». وزاد قائلا : » ليس هناك ماء في الحنفيات، لكن لدينا ماء عند أقدامنا. نحن نعيش في تناقض لا يصدق. ليس هناك ماء في الحنفيات لكن كثير من الماء في البنية والمؤسسة ».
وأشار عميد كلية الطب الذي كان يتحدث إلى مجموعة من الأساتذة والشخصيات، إلى أن ما صرح جاء بعد زيارة موظف عسكري سامي للكلية وطلب منه رأيه في الوضع، فأجابه إن الوضع خطير وعليه مباشرة أشغال مستعجلة وإلا ستنهار المؤسسة بعد 10 سنوات.
هذا الحادث يثير كثيرا من الجدل والتساؤل حول ظروف عيش الطلبة الصعبة في مختلف الجامعات الجزائرية المتخلفة عن الجامعات العالمية والتي توجد خارج التغطية وقال عنها الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، إن « الجزائر قوة ضاربة والعالم كله يعترف بها إلا بعض الجزائريين ».
وأضاف أن « الانتقاد البناء إيجابي، غير أن التقزيم لا يليق بدولة بحجم الجزائر التي تشهد تخرج 250 ألف جامعي سنويا وجب الثقة في قدراتهم »، مشيرا إلى أن « الثروة الحقيقية هي في الرأسمال البشري ».
ومن المشاهد الخطيرة التي تميز الجامعة الجزائرية ما نشرته إحدى الجرائد الرسمية الناطق باسم النظام العسكري الجزائري، يتمثل في لجوء الطلبة الجامعيين إلى أصحاب مقاهي الإنترنت لكتابة مذكراتهم الجامعية وبحوثهم كاملة، بل ويجعلونهم يتواصلون مع أساتذتهم لأخذ التعليمات والإرشادات..
وأشارت في مقال لها حول الموضوع : » هم بعض الطلبة الجامعيين الذين انساقوا وراء ظاهرة تخصّص بعض أصحاب مقاهي الإنترنت في كتابة وإعداد ومراجعة مذكرات بحوث الطلبة، مقابل المال، في ظاهرة مؤسفة وخطيرة على منظومتنا الجامعية، تعكس مدى « انحطاط » مستوى بعض إطارات الغد، الباحثين عن نقاط سهلة ونجاح « وهمي ».
وتضيف الجريدة « اعترف طلبة تحدثنا معهم في الموضوع، بوجود هذه الظاهرة، التي تفاقمت لدرجة بات أصحاب مقاهى الإنترنت وبطالون جامعيون أو حتى موظفون يتجرأون ويكتبون إعلانات بمحلاتهم، أو على مواقع التواصل الاجتماعي، يعرضون خدمة إعداد المذكرات والبحوث، مقابل مبلغ مالي. »
وفي هذا الصدد، أكد الباحث في الدراسات الاستراتيجية، نبيل كحلوش، حسب نفس المصدر، بأن ظاهرة إعداد وبيع البحوث العلمية تدخل في سياق (رأسمالية العلم)، أي جعل البحث مجرد سلعة موضوعية، محتواها مجرد كلام فارغ ومصطلحات مفخمة، يتم تداولها وقبض ثمنها. وفسّر أسباب الظاهرة، بأنها نتيجة « كسل وتسيب بعض الطلاب، وقلّة وعي التاجر لكونه أصلا تاجرا وليس باحثا ».
وقال، أمّا إذا كان كاتب المذكرات والبحث، باحثا أو ذا مستوى علمي فالأمر فادح، لكونه يُسهم في السرقة العلمية وخيانة الأمانة، ولكون الطالب أحيانا لا يعرف شيئا عن تخصّصه الذي سيتخرج منه، سواء لأنه لم يختره عن قناعة، أو لافتقاده التكوين القاعدي الأساسي فيه، بسبب إهمال الطالب وتسيبه، وإما لضغوطات رزنامة الدراسة أو غير ذلك ».
ولكن، مهما تعدّدت الأسباب فإن النتائج الوخيمة لهذه العملية واحدة، وعلى رأسها تغييب قيمة العلم المعنوية والتي تتمثل أساسا في بناء شخصية الباحث، وتعطيل عجلة البحث العلمي، لأن التاجر يبيع ولا يبحث.
من جهة أخرى، أقدم طلبة جامعيون في العشرينات من العمر، بالهجوم على محل لبيع الألبسة الرياضية ذات ماركة عالمية، بالمركز التجاري « كارفور » بباب الزوار، والسطو على مبلغ مالي يقدر ب 79 مليون سنتيم، قبل أن يتم توقيفهم وتقديمهم أمام العدالة بتهمة السرقة بالتعدد.
وتبين من خلال مجريات محاكمة المتهمين الثلاث ، حسب ما تناقلته وسائل إعلام جزائرية، ويتعلق الأمر بطلبة جامعيين، الذين استفادوا من استدعاءات مباشرة لمواجهة التهم المنسوبة إليهم أمام محكمة الجنح بالدار البيضاء بالعاصمة، أن الوقائع تعود حين اكتشف مسؤول المحل اختفاء مبلغ مالي من صندوق المال الموجود بمحل بيع الالبسة الرياضية بالمركز التجاري بكارفور، قبل الغلق.
وأمام ما ورد من معطيات التمست دفاع الطرف المدني من المحكمة إلزام كل متهم بتعويض مالي قدره 400 مليون سنتيم، جبرا بالأضرار اللاحقة بالشركة، في حين التمس وكيل الجمهورية إنزال عقوبة 3 سنوات حبسا نافذا وغرامة مالية نافذة قدرها 200 الف دينار جزائري في حق كل متهم.
يفتخر النظام العسكري الجزائري، حسب ما يتناقله إعلامه، بأن الجزائر تتوفر على 12 ألف دكتور أستاذ لتدريس مليون و300 ألف طالب جامعي وهو رقم كبير لا تتجاوز عتبته في أوربا سوى ستة بلدان وهي ألمانيا وانجلترا وفرنسا وروسيا وإيطاليا وتركيا.
وحطمت الجامعات العاصمية الثلاث، حسب نفس المصدر، رقما خياليا وهو 120 ألف طالب جامعي، وهي بذلك تتفوق بعدد طلبتها على عدد سكان دولة إيسلندا في شمال القارة الأوروبية، كما أن رقم عدد الطلبة في جامعتي قسنطينة منتوري والجامعة الإسلامية الأمير عبد القادر الذي تجاوز الثمانين ألف يفوق عدد سكان بعض الدول الأوروبية مثل أندورا التي لا يزيد عدد سكانها عن الستين ألف نسمة، مما يعني أن عدد الطلبة الجزائريين هو دولة قائمة بذاتها.
لكن الإعلام الجزائري يستدرك ويعترف بإن الأداء العلمي مازال بعيدا والإنتاج الفكري شبه معدوم مقارنة ببلدان تتواجد في وضعية علمية أحسن بعدد أقل من الطلبة والجامعات والإمكانيات المادية، ومنها دولة ماليزيا التي يقطنها 28 مليون نسمة والتي أصبحت جامعاتها مضرب مثل في كل دول العالم، ويدرس فيها الأمريكيون حيث بلغ عدد الطلبة الأجانب في ماليزيا مئة ألف طالب قدموا من 110 دولة يدفعون مبالغ ضخمة تذرّ على ماليزيا ثروة من العملة الصعبة رغم أن عدد الجامعات في ماليزيا لا يزيد عن 34 جامعة، أي نصف عدد الجامعات الجزائرية.
وتضيف نفس المصادر ، بكل أسفة وغصة، أن الجامعات الجزائرية بقيت خارج التصنيف العالمي للجامعات التي تتجاوز الستة آلاف، بل تبقى الميزانية الخاصة بالأبحاث تبقى دون المستوى، ويتم تحويلها حسب الأساتذة الجامعيين بطريقة فوضوية عبارة عن سفريات إلى الخارج بدعوى التكوين والمشاركة في الملتقيات، ويبقى المؤسف أن أحسن جامعة جزائرية وهي جامعة تلمسان تقبع في مرتبة فوق ستة آلاف وهي طعنة لهذه الدولة من جيوش الطلبة.
ولا يخجل الإعلام الجزائري مقارنه جامعاته بجامعات إسرائيل ويقول « إن الذي يعتبر من قوى العالم علميا واحتلت جامعاته مراكز ضمن السبعين الأولى في الإنتاج العلمي وتكوين العلماء لا يزيد عدد الجامعات فيه عن سبع جامعات تضم 250 ألف طالب جامعي أي أقل من خُمس عدد الطلبة في الجزائر، وتعتبر الجامعة العبرية في القدس الشريف وجامعة بن غوريون ضمن أهم الجامعات في العالم ومنها من درس فيها طلبة أمريكيون يهود عادوا إلى الولايات المتحدة الأمريكية حصلوا على جائزة نوبل في مختلف العلوم ».
وفي الأخير، لا بدّ من التذكير أن إحصاءات رسمية جزائرية تؤكد على أن أكثر من 22 ألف دكتور بطال في الجزائر. وكشف عبد الحفيظ ميلاط المنسق الوطني لنقابة المجلس الوطني لأساتذة التعليم العالي بالجزائر،
عبر حسابه الرسمي على فيسبوك أن « لدينا أزيد من 22 ألف دكتور بطال وفقا للإحصاءات الرسمية، كما أن أكثر من 64 ألف طالب دكتوراه يهددهم مستقبلا نفس المصير.
المصدر وكالات