من حياة عادية ما بين عملها كأستاذة للغة العربية، وأعمال البيت، إلى الدفاع المستمر عن عائلات المغاربة العالقين والمعتقلين بسوريا والعراق، تحضر احتجاجا هنا وهناك، ترفع الشعارات، وتخرج بتصريحات على الجرائد، وكل أملها أن يجد هذا الملف طريقه للحل، وأن يعود ابنها الطالب المهندس الذي غُرِّرَ به إلى حضنها.
التحاق ابن هذه السيدة، وهو الطالب المهندس بصفوف تنظيم “داعش” الإرهابي في سوريا، شكل نقطة تحول مفصلية في حياة مريم زبرون، ذات الـ52 سنة. وتقول ابنة مدينة طنجة في حديث مع “العمق”، إن حياتها انقلبت رأسا على عقب، وبدل زيارة الأهل والأصدقاء، أصبحت تزور عيادات الأطباء، بعدما دخلت في حالة اكتئاب من الدرجة الثالثة.
ولم تتمكن مريم، من الخروج من هاته الوضعية النفسية الصعبة، إلا بعدما تأسست تنسيقية تعنى بملفات المغاربة العالقين والمحتجزين بسوريا والعراق، حيث انشغلت بالعمل داخلها، وبهموم ومعاناة الأمهات، تزورهن للتخفيف عنهن، تزرع فيهن الأمل بلقاء فلذات أكبداهن المغرر بهم يوما ما.
تتقاسم مريم مع عائلات مغاربة سوريا والعراق، معاناتها باعتبارها أما لأحد المعتقلين، وأيضا لكونها مسؤولة داخل التنسيقية، تستمع لمشاكلهم التي هي جزء من مشاكلها، وتحتفظ بعلاقات جيدة معهم.. “كنت متنفسا لهم، كانوا يتألمون في صمت ولا يقدرون على البوح، بما يختلج صدورهم”، تضيف المتحدثة.
وتشغل مريم زبرون، داخل التنسيقية، منصب الكاتبة العامة، وهي تجربة كانت تراها في البداية، صعبة كونها لم تكن لديها دراية بالعمل الجمعوي ومايقتضيه من تحركات مستمرة وتنسيق وتواصل، وتضيف موضحةً بالقول: “كنت في البداية متخوفة ولدي حساسية من الملف، لكن بعدما قمنا بتشكيل أعضاء المكتب التنفيذي للتنسيقية، بدأت رحلة التواصل عبر مدن المغرب من أجل إقناع العائلات للانضمام للتنسيقية”.
وكانت تشارك في صياغة مراسلات التنسيقية لعدد من الجهات المسؤولة، وتقديم تصريحات صحافية للتعريف بقضية النساء والأطفال والرجال المحتجزين والمعتقلين بسوريا والعراق.
وتضيف مريم، أنهم في التنسيقية تواصلوا مع البرلماني عبد اللطيف وهبي -وزير العدل الحالي- والذي تفاعل مع الملف وطرح سؤالا في البرلمان تمخض عنه تشكيل لجنة برلمانية من مختلف الفرق البرلمانية، والتي تعاونت مع التنسيقية من خلال تقارير، قصد مساعدتها على التواصل مع العائلات وبعض العائدين.
وتقول مريم زبرون، أيضا: “حاولت من خلال علاقتي بالنساء تأسيس وعي جمعي عندهن لمشاركة التنسيقية في أعمالها الإعلامية، هذا الوعي كان سببا في نجاح أول وقفة قامت بها التنسيقية، حيث نزلت النساء من مختلف المدن للتعبير والدفاع عن أبنائهن وبناتهن”.
وحول ما إن كانت قد تعرضت لمضايقات بسبب نشاطها، أوضحت المتحدثة، أنه لحد الآن لم يعترض أي مسؤول أو جهة معينة على أنشطة التنسيقية. وبالمقابل، تؤكد أنه من خلال تواصلها مع الكثير من المؤسسات، تشعر بأنهم يشتغلون ليل نهار لحل هذا الملف، وأن تأخرهم راجع لوجود صعوبات وتشابك للعلاقات، وهذا أمر تتفهمه التنسيقية.
وكونها أستاذة، ترى مريم زبرون أن “من المفروض على المدرسة أن تقوم بالدور المناط بها في تقليل السقوط في شباك التطرف لدى التلاميذ والطلبة حيث إنه بقدر ما تنغرس القيم الأخلاقية النبيلة في نفوس المتمدرسين بقدر ما يسود ذلك المجتمع الأمن والاطمئنان و الاستقرار”.
كما تؤكد على ضرورة تعميق الحوار والانفتاح الفعال بين المؤسسات التربوية والمؤسسات الأمنية حيث إن الأمن مسؤولية يجب أن يضطلع بها الجميع وليس المؤسسات الأمنية وحدها، على حد تعبيرها، داعية إلى إعادة النظر في الكثير من المناهج الدراسية والأساليب التربوية، لأن التعليم يؤدي عملا حيويا ومهما في الحفاظ على تماسك المجتمع وخلق الانتماء الوطني ومشاعر الوحدة الوطنية بين أفراد المجتمع.
ولم تتوان مريم زبرون، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة في تقديم التهنئة لكل النساء أينما تواجدن، وتوجيه رسالة لهن تقول فيها: “راقبن أولادكن، ادعمن ثقتهم بأنفسهم اغرسن فيهم القيم والأخلاق والتسامح، علمن أبناءكن الدين الإسلامي السمح دين الحب دين الأمن والسلام دين التعايش حتى لا يكونوا لقمة سائغة لتجار الدين، تأملن ذهاب أبنائكن تساءلن عن الخلل ، أين وكيف وقع هذا الخلل؟”.
العمق المغربي