تتجه السلطة في الجزائر بخطوات ثابتة نحو تنظيم الانتخابات التشريعية يوم 12 يونيو 2021، وهو الموعد الذي حدده الرئيس عبد المجيد تبون، لقطع الطريق أمام تحديات كبيرة تواجه البلاد.
الصدفة التي جعلت الرئيس تبون يختار هذا التاريخ 12 يونيو، تدفع بذاكرة معارضي العملية الانتخابية نحو التحذير من مغبة إعادة سيناريو قديم وأليم عاشته الجزائر عام 1990 في مثل ذلك اليوم، (أول انتخابات تعددية) انتهت بدخول البلاد في أزمة سياسية وأمنية حادة دامت عشر سنوات.
تاريخيا.. ومنذ استقلال البلاد عام 1962 لم تشهد الجزائر حالة من الشك وعدم اليقين حول مدى قدرة الانتخابات التشريعية على المرور بسلام.
واليوم لا يختلف اثنان في الجزائر على أن هناك انقساما كبيرا وسط جميع المستويات الشعبية والحزبية حول قدرة هذا الموعد الأول من نوعه، الذي يأتي بعد (حراك) أطاح بالرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ونجح في أن يحقق التغيير المنشود.
وبينما تتجه عقارب الساعة نحو العد التنازلي لانطلاق الحملة الانتخابية (الخميس 20 مايو)، تستمر الأصوات المعارضة في مرافعتها ضد الانتخابات بكل الطرق، و أبرزها بالضغط عبر “الحراك”، لضرورة تأجيل الموعد إلى ما بعد إجراء حوار وطني شامل.
وفي مقابل ذلك يرى مؤيدو العملية الانتخابية أن السلطة محقة في الإسراع في خطواتها نحو التغيير عبر الصندوق، باعتباره الخيار الوحيد والأمثل للأزمة.
وبلغة الأرقام فالملاحظ أن الكفة تميل إلى المؤيدين أكثر من المعارضين، فحسب معطيات السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات فقد تقدمت للترشح 4900 قائمة من بينها 1237 تابعة لأحزاب سياسية، و1253 قائمة حرة.
وبلغ مجمل الملفات التي تم إيداعها لدى السلطة 25416 ملفا، من بينها 12854 ملفا تابعا لأحزاب و12562 ملفا للأحرار، وبعد الفرز تم قبول ملف 1483 قائمة منها 646 قائمة حزبية و837 قائمة حرة.
تحديات أمنية وجيوسياسية
ويرى مؤيدو خيار التوجه إلى الانتخابات، الأمر من عدة زوايا، وتتجه الأنظار أساسا إلى التحديات الأمنية والجيوسياسية التي تواجه البلاد.
فالموضوع بالنسبة لهم لم يعد يتعلق بعملية الإسراع بتنظيم الانتخابات، وإنما بضرورة احترام أجال تنظيمها لحماية أهم المؤسسات الدستورية من حالة الشغور.
وقال المحلل السياسي والخبير الأمني أحمد ميزاب لموقع “سكاي نيوز عربية” :”هناك حتمية اليوم تستوجب تفعيل هذه المؤسسة وفق الأطر القانونية والتعديلات الدستورية، لأن غياب البرلمان يدفع برئيس الجمهورية لإصدار الأوامر بدلا التشريع بالقوانين”.
من ناحية ثانية، يؤكد الخبير الأمني أن الجزائر تعيش اليوم وسط دوامة من التحديات الإقليمية التي تفرض نفسها على السياسية الداخلية مما يستدعى ضرورة التبصر واليقظة والحذر في مسألة التعاطي مع الكثير من الملفات، وسط محيط إقليمي مضطرب.
وقال ميزاب :”الجزائر تواجه محاولات إسقاط الدولة الوطنية وإسقاط دور المؤسسات ومخطط خلق حالة من حالات الفراغ، والشغور مما يعني الاختراق وتحويل المسار إلى وجهة غير معلومة”.
من جهته أكد رئيس المنتدى المدني للتغيير عبد الرحمان عرعار أن دوافع المجتمع المدني من التوجه لدعم فكرة تنظيم الانتخابات التشريعية مبني على قناعات واقعية بحكم أن الصندوق جزء من الحل السياسي.
وقال عرعار لسكاي نيوز عربية :”تمنينا أن تكون الانتخابات في سياق آخر ومشهد سياسي أكثر أريحية، بكسب ثقة الشعب ومشاركة كل أطياف المجتمع والطبقة السياسية و النخب والفاعلة في المشهد”.
وأضاف :”نطمح للتغيير من خلال دخول البرلمان وتقريب وجهات النظر وتحقيق التغيير وتطلعات حراك 22 فبراير من خلال الاعتماد على الطرق الحضارية والسلمية وأهمها الصندوق لتجنب الانزلاق والتصادم”.
ويقف البرلمان الجديد أمام مسؤولية كبيرة في المستقبل لبناء نخب جديدة قادرة على الدفاع عن الحريات وتستوعب الجميع.
وهذا الأمر دفع بعدد كبير من الوجوه الجديدة لاقتحام الساحة السياسية، و من هؤلاء الإعلامية الجزائرية أمالو صورايا، التي تشارك في قائمة حزب تجمع أمل الجزائر “تاج” بالجزائر العاصمة.
وقالت المرشحة للانتخابات البرلمانية لـ”سكاي نيوز عربية”: “هذه خطوة مهمة لكسر حاجز الخوف أمام النخبة، فالمرحلة الحالية تحتاج إلى الإيمان بالتغيير عن طريق الصندوق”.
وهذا الأخير يبقى حسب مرشحة حزب “تجمع أمل الجزائر”، الخيار الوحيد في ظل هذا المناخ السياسي المتشنج الذي تعيشه البلاد.
وهي الحجج التي تتقاطع عندها جميع قناعات الذين قرروا خوض غمار الانتخابات، كما قالت المحامية فتحي المرشحة عن قائمة حزب جبهة التحرير الوطني:” لقد حان وقت التوجه إلى التغيير عن طريق التصويت لمن يراه المواطن كفؤا”.
انعدام الثقة وحراك يضغط
في مقابل ذلك، يعتبر الحراك أحد أكبر التحديات التي تقف أمام الانتخابات، في ظل حالة التشنج وانعدام الثقة بين النخب السياسية المعارضة والمحتجين، يلاحظ غياب ممثلين عن مسيرات الحراك رغم أنه يستمر لعامه الثاني، وإن بوتيرة أخف.
هذا الأمر دفع بالسلطة نحو التوجه للتعامل بحزم أكثر مع المسيرات، كما قال المحامي عبد الغاني بادي أن 44 حكما بالحبس صدرت في يوم واحد، وهي حصيلة حرية التظاهر السلمي حسب المادة 52 من الدستور.
وقال موقع “راديو أم” الجزائري المعارض أن معتقلي يوم الجمعة 117 من الحراك، لا يقل عن 44 شخصا تمت محاكمتهم الأسبوع الماضي في عدة ولايات بالبلاد بتهمة التجمهر غير المرخص.
وأمام هذا المشهد المتشعب، يجد المحللون صعوبة في قراءة مآلات الوضع وتحديد شكل الصورة النهائية التي ستخرج عليها الانتخابات التي تأتي وسط مقاطعة أكيدة ومرتقبة في عدة مدن خاصة منطقة القبائل.
وقال الأستاذ بجامعة الجزائر، الدكتور نور الدين حاروش، أن الكل كان يمني النفس بأن التغيير حاصل لا محالة وذلك بعد الحراك الشعبي والنتائج المحققة المعروفة، وسقوط من يطلق عليهم لهم اليوم لقب (العصابة).
وأوضح حاروش لموقع “سكاي نيوز عربية” أن هناك نوع من الرتابة والاستمرارية والتعامل بالأساليب القديمة، وحتى إعادة تكريس بعض الوجوه القديمة التي لا يمكنها أن تحقق التغيير المنشود بأي حال من الأحوال.
ولا يتصور الباحث في العلوم السياسية أن تؤدي الانتخابات التشريعية المقبلة إلى تغيير حقيقي في الخارطة السياسية، بالرغم من تغيير نظام التصويت.
وقال :”الأحزاب التقليدية والوجوه القديمة التي مل وكرهها الشعب لا تزال هي نفسها وهو ما سيؤدي إلى برلمان شبيه بسابقيه”.
ويأتي هذا السيناريو بينما تحاول القوائم الحرة التموقع بشتى الطرق لتجاوز عتبة العزوف الانتخابي وضعف المشاركة في هذا الاستحقاق الذي يأتي حسب الأستاذ حاروش في مرحلة لم تكتمل متطلباتها السياسية.
وهو ما يعني، حسب الباحث، أن سيناريو العزوف والامتناع عن التصويت في ظل هذه الظروف :”يعد تعبيرا عن وعي سياسي وليس العكس”.
سكاي نيوز