تحاول نادية* إعادة ترتيب حياتها بعدما طوت صفحة زواج مبكر في سن 16 عاما “كانت جحيما، لكنها الآن جزء من الماضي”، كما تقول بصوت مرتعش في قرية نائية في جنوب المغرب حيث لا تزال هذه الظاهرة منتشرة.
وتضيف الشابة التي تبلغ الآن 20 عاما “زُوّجت لرجل كان في عمر والدي”. ونجحت في الانفصال عن الزوج الذي كان عنيفا معها. وهي تعيش اليوم في بيت أهلها بقرية تامرووت في جبال الأطلس الصغير (جنوب).
وتحلم ناديا في أن تتمكن من “تحقيق استقلاليتها” الذاتية، وتتابع حاليا دروسا لمحو الأمية. وتقول باسمة على استحياء مغطية رأسها بحجاب، “أشجع فتيات القرية على أن يفعلن مثلي”.
ويبدو جمال الطبيعة في هذه القرية حيث تنتشر أشجار اللوز والأركان مناقضا للواقع المر الذي يجعل مراهقات يتزوجن دون بلوغ سن 18 عاما، الحد الأدنى للزواج قانونيا. لكن القانون يتيح أيضا إمكانية تزويج قاصرات بأذونات اسثتنائية يمنحها قضاة.
ورغم طابعها الاستثنائي، تنتشر هذه الظاهرة بقوة. فقد منحت محاكم الأسرة أكثر من 13 ألف إذن لتزويج قاصرات في العام 2020، من أصل 20 ألف طلب.
وأشار رئيس النيابة العامة أثناء عرض هذه الأرقام نهاية العام الماضي الى وجود حالات لا تشملها الإحصاءات الرسمية لعقود زواج غير موثقة.
وتندد جمعيات نسائية وحقوقية بهذا الوضع مطالبة بسد هذه الثغرة القانونية. بينما وصفها رئيس النيابة العامة “بالمعضلة التي تستوجب مزيدا من اليقظة”.
– “مناطق مهمشة” –
وتتخذ هذه “المأساة”، كما تصفها رئيسة جمعية “إيطو” نجاة إيخيش، “حجما كبيرا في المناطق النائية المعزولة والمهمشة”، مثل قرية تافراوتن. وتعمل هذه الجمعية على مناهضة زواج القاصرات منذ أكثر من عقد.
وتنظم كل عام “قافلة” مؤلفة من متطوعين تجوب المنطقة للتواصل مع السكان وتوعيتهم حولها لتفاديها. وتحضيرا للقافلة المقبلة في تموز/يوليو، تجوب إيخيش البالغة من العمر 63 عاما قرى المنطقة الأمازيغية في جهة سوس ماسة في جنوب المملكة، لعقد لقاءات مع سكان ونشطاء في الجمعيات المحلية.
وينظم متطوعون يعملون مع الجمعية حلقات توعية للسكان حول المشاكل الناجمة عن تزويج القاصرات رغما عنهن سواء على المستوى القانوني أو الصحي أو الاجتماعي… بالإضافة إلى فتح نقاشات معهم حول الموضوع، وتوزيع هبات على المعوزين.
لكن هذا العمل، تقول إيخيش، “يتسم بالحساسية نظرا لأن الموضوع يعد من المحرمات المجتمعية، ومن اللازم العمل أولا على كسب ثقة مخاطبينا، وخصوصا الإنصات إليهم”.
في قرية تمدغوست المجاورة، تبدو الأزقة خالية إلا من بعض الفتيات اللواتي يطبخن خبزا على الطريقة التقليدية في أفران طينية جماعية.
تتقدم نجاة إيخيش بلطف نحوهن لتفتح معهن نقاشا حذرا سرعان ما يصير حميما في أجواء مرح باللغة الأمازيغية، يبدأ بالكلام عن ظروف العيش الصعبة في القرية التي “ليس فيها مدرسة ولا مستوصف”.
– “زوجن جد صغيرات” –
وتأخذ أمينة* (23 عاما) الكلام لتؤكد إراداتها في أن “تدبّر حياتها” كما تشاء، رغم انقطاعها عن الدراسة في سن السادسة، وزواجها في سن 17 عاما.
وتقول وقد ارتدت رداء أزرق “كانت لدي دائما الرغبة في الدراسة لكن لم يساعدني أحد، أخواتي عشن حالات أسوأ فقد زُوّجن في سن 14”.
وتعاني جهة سوس ماسة من نسبة أمية مرتفعة وسط النساء تبلغ 44 بالمئة، وفق آخر الإحصاءات الرسمية للعام 2014. في حين تعد متابعة الدراسة وتطوير مهارات الفتيات لتمكينهن من تحقيق استقلالهن الذاتي ركيزتين أساسيتين لمناهضة زواج القاصرات، كما تؤكد المسؤولة في جمعية إيطو كريمة الرجراجي.
قبل أن تصبح مناضلة تناهض تزويج القاصرات، عاشت الرجراجي هي الأخرى هذه المأساة، فقد زوجت في سن 14 لرجل كان عمره 56 عاما، دون أن تتمكن من ولوج المدرسة.
لكنها قاتلت لتحرّر نفسها من “الظلمات”، وانفصلت عن زوجها لتتمكن من التعلّم بفضل انضمامها لجمعية “إيطو”. وتضيف المرأة الأربعينية التي ترافق إيخيش في جولاتها في قرى المنطقة، “قرّرت أن أخصّص حياتي لمساعدة فتيات القرية”.
تواصل السيدتان تجاذب أطراف حديث في جو أكثر حماسا مع فتيات القرية، حول السبل الكفيلة بجعل حياتهن أفضل، بين من تقترح العمل في نسج الزرابي التلقيدية أو بيع الخبز للفنادق الموجودة في المنطقة… لكنهن متفقات جميعا حول فكرة واحدة، ضرورة استفادة كل الفتيات من حقهن في الدراسة.
وتقسم إيزا* (23 عاما) ذات العينين اللامعتين على أنها سوف تفعل كل ما بوسعها لتمكين ابنتها من التعلم، بعدما حرمت هي من هذا الحقّ.
وتقول الشابة التي زُوّجت في سن 17 عاما “يجب أن تكون نفسها وتصبح مستقلة ولا تكون مثلي”.
* الأسماء المستعملة مستعارة
وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب