أكدت صحيفة “العربي الجديد” أن المشاكل المرتبطة بالمصادر المائية في ليبيا “تتزايد إلى درجة قد تتحول إلى أزمة تضاف إلى مجموع الأزمات في البلاد”. وأوضحت الصحفية، في تقرير لمراسلها في ليبيا، نشر اليوم السبت، أنه “في وقت تواجه شبكة الأنابيب التي تنقل مياه النهر الصناعي، المسؤولة عن تزويد غالبية مدن البلاد بمياه الشرب، مشاكل عدة، تشهد بحيرات السدود هي الأخرى إهمالاً كبيراً أدى إلى جفاف الكثير منها”.
وكانت وسائل التواصل الاجتماعي قد تنقلت، مطلع الشهر الجاري، وعلى نطاق واسع، صوراً تظهر جفافاً كلياً في بحيرة سد وادي كعام، شرق طرابلس، وعزت وزارة الموارد المائية في الحكومة الأمر إلى قلة سقوط الأمطار خلال عامي 2020 و2021، وعدم فيضان الوادي الذي يغذيها. وأشارت الوزارة، في بيان صدر في الحادي عشر من الشهر الجاري، إلى أن ارتفاع درجات الحرارة صيف هذا العام سبب إضافي آخر تسبب في زيادة نسبة التبخر في البحيرة وجفافها بالكامل. ويعتبر سد وادي كعام أكبر سد ترابي في المنطقة، ما جعل إمكانيات بحيرة السد تتسع لـ33 مليون متر مكعب من المياه، وتحولت بفعل إمكانياتها إلى مصدر هام لتزويد المنطقة المحيطة بها بمياه الشرب والري، خصوصاً أن منطقة وادي كعام تحوي أكبر المشاريع الزراعية في البلاد.
وأضافت الصحيفة، في تقريرها، أنه “تم إنشاء 18 سداً موزعين بين شرق وغرب ووسط البلاد، بالإضافة إلى بحيرات تهدف إلى تغطية مناطق السدود بالمياه، لا سيما مياه الري، بقدرة استيعاب نحو 400 مليون متر مكعب من المياه. لكن سوء إدارتها وصيانتها تسبب في إهدار كميات كبيرة من المياه حتى باتت لا تستوعب أكثر من 100 مليون متر مكعب فقط، بحسب الأستاذ في كلية العلوم في جامعة بنغازي المهدي الشاوش. ونقلت الصحيفة عن الشاوش قوله أن “نسبة هطول الأمطار سنوياً في مختلف مناطق البلاد تبلغ 2.5 مليار متر مكعب من الأمطار، الأمر الذي يسد عجزاً كبيراً في حاجة البلاد من مياه الشرب والري لو تم الاعتماد على السدود وفق سياسة وخطط مسؤولة بعيداً عن العشوائية والإهمال”. ويرفض الشاوش، الذي شارك في العديد من المؤتمرات الخاصة بالأمن المائي، الأسباب التي أعلنت عنها وزارة الموارد المائية بشأن أسباب جفاف بحيرة سد وادي كعام، مشيراً إلى أن الجفاف شمل عدداً من البحيرات خلال السنوات الماضية. ويسأل: “إذا كان جفاف البحيرة هو نتيجة انخفاض منسوب مياه الأمطار خلال العامين الماضيين، فماذا عن غيرها؟“.
ويؤكد الشاوش، بحسب صحيفة “العربي الجديد” أنّ “غالبية السدود تواجه خطر الانهيار بشكل كلي بسبب تزايد الفجوات والشقوق في الطبقات الصخرية”، لافتاً إلى أن “العناية بالسدود كانت لتساهم في تأمين مياه بحيرات السدود. كما يمكن توفير كميات من الطاقة الكهربائية والحفاظ على الثروة السمكية في البحيرات”. ويتابع: “تبدو المدن حالياً من دون أي حماية من الفيضانات، علماً أنه من المرجح هطول كميات كبيرة من الأمطار خلال فصل الشتاء، وهو خطر آخر يحدق بأمن المواطن في حال استمرار إهمال السدود“.
أما المسؤول بالهيئة العامة للمياه الحكومية ونيس الطوير فيطالب بـ”ضرورة التفات السلطات إلى مشكلة السدود والبحيرات، معتبراً أن إهمال عمليات الصيانة سبب رئيسي يهدد بانهيارها في أي وقت”، ويؤكد أن “العديد من البحيرات الطبيعية تعاني من الجفاف، بل قد جفّ بعضها فعلياً وتحول إلى قاع رملي، منها بحيرات إيسين وأربع بحيرات محيطة ببحيرة قبرعون، ويحدق الجفاف أيضاً ببحيرات الجغبوب”، مشيراً إلى أنها “كلها تقع في الجنوب الليبي الذي يشهد تراجعاً في منسوب مياهه بعد السحب الكبير في اتجاه مدن الشمال”.
ونسبت الصحيفة إلى وزارة التخطيط تأكيدها أن 95 في المائة من سكان البلاد يعتمدون على المياه الجوفية، وأن غالبيتها تؤمن بواسطة خطوط الإمدادات من وسط وأقصى الجنوب الليبي عبر النهر الصناعي، وأن نسبة ما تؤمنه مياه الأمطار هو فقط 2.5 في المائة من حاجات المواطن. لكن الطوير ينبه إلى تعاظم مخاطر تراجع منسوب المياه الجوفية في ظل عدم توفير مصادر مساندة لها. ويقول الطوير لـ”العربي الجديد” إنه “بالإضافة إلى التعديات الكبيرة على خطوط الإمدادات الخاصة بشبكة النهر الصناعي، فإن منسوب المياه الجوفية في الآبار، جنوبي البلاد، بدأ في الانخفاض بسبب الاستهلاك المتزايد والاعتماد عليها فقط من دون مصادر مساعدة”، مؤكداً أن “المياه الجوفية هي من المصادر غير المتجددة.
وكان جهاز تنفيذ وإدارة مشروع النهر الصناعي قد أعلن عن بدء عودة تدفق المياه باتجاه مدن الشمال، بعد توقف دام أكثر من أسبوع، على خلفية إقدام مجموعة مسلحة على إقفال مضخات المياه في إحدى مناطق وسط الجنوب احتجاجاً على استمرار اعتقال السلطات أحد رموز النظام السابق المتحدر من تلك المنطقة.
العربي الجديد