التضامن مع القضايا العادلة يزيد من إنسانية الإنسان ويقوي الترابط بين البشر، ويمحو آثار الاحقاد والخصومات، فكل أمور الحياة تصبح لا قيمة لها أمام الظلم والقتل والتهجير.
الهبة التضامنية، ليست غريبة على الشعوب المغاربية لمساندة القضية الفلسطينية، لا سيما في الاعتداءات الأخيرة، ناهيك عن شعار نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة، التي يرفعها الجزائريون ولم يضعوها جانبا أبدا، في وقت تبدو جوفاء عند البعض ممن يسعون للتطبيع المخادع، تحت شعارات عديدة، من أهمها «لسنا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين»!
تضامن الجزائريين غير محدود ولا مشروط مع قضية فلسطين. وكل الفرص مواتية للتعبير عن عدم الاعتراف بالكيان الصهيوني، على المستوى الرياضي والفني وحتى الأكاديمي والاجتماعي والسياسي.
الشعوب المغاربية مثلها مثل بقية الشعوب العربية تحس بالحياة وهي تدافع عن كرامة الإنسان في فلسطين وحقه في أرضه وعيشه بأمان.
مستقبل النساء في الجزائر
ظننت أننا سنتعالى عن سلوك العدوانية بيننا ونحس لوقت ولو قصير بشعلة العدل والحرية والمساواة بين الناس جميعا رجالا ونساء. لكن عودة الجرائم ضد النساء لعنة تطاردنا وكابوس نهاري يصيبنا بالدوار والغثيان. كذلك التهكم على النساء المترشحات للانتخابات والتنمر عليهن والتركيب والفوتوشوب، الذي يتلاعب بأرداف النساء والحركات والايماءات التي تنشر على المواقع وصفحات «فيسبوك» والتي تعطى لأي حركة ظهرت في صور الحملة الانتخابية دلالة بذيئة. كل ذلك يجعلنا نتفهم موقف القوائم التي تظهر فقط صور الفحول من الرجال، بينما صور النساء غير موجودة وبداخل حيز الصور توجد علامات استفهام.
فعلا فمستقبل النساء علامة استفهام. حتى وإن بلغن مناصب عليا. نساء بلا وجوه. فإن تعرضن للعنف فلا تظهر وجوههن على الشاشات وإن ترشحن لمناصب فلا يظهرن وجوههن على صفحات الدعاية السياسية المعلقة على أسوار القرى والمدن. حتى وإن تألقن في الطبخ، كما حدث لـ«أم وليد» فإن الكشف عن وجهها من عدمه كان مادة دسمة على مواقع التواصل الاجتماعي!
العنف يفتك بالنساء
موجة عنف شديدة تتعرض لها النساء في الجزائر، وبدرجات متفاوتة الخطورة. عنف جسدي وعنف معنوي يجعل المرأة أكثر هشاشة، خاصة عندما لا تجد حماية قانونية واجتماعية وعرفية. في ظل استقالة المؤسسات الرسمية والقبلية. أصبحت المرأة مهما كانت مكانتها عرضة للاعتداء وفي أي وقت. ففي وقت تعرضت الفنانة بهية راشدي لسرقة أموالها ومجوهراتها داخل بيتها الكائن في عين بنيان، لم يكتف اللصوص بالسرقة، بل كتبوا على جدران غرفتها الخاصة: «هذا عقاب الله وما زال». وفي بهو المنزل كتبوا : «هذا عقاب الله في أحوال الناس»!
السرقة لم تغضب الفنانة بقدر ما أغضبتها هذه العبارة، وأثارت الحزن في قلبها، حيث قالت خلال مكالمة لقناة «الوطن» إنهم كشفوا سترها حينما دخلوا غرفة نومها، التي لا تدخلها حتى والدتها وفتشوا صورها واستعملوا فراشها! لكن أي جرأة ووقاحة من اللصوص، فهل كانوا يصلون أو يطوفون حول الكعبة، وهم يسرقون ويدخلون بيتها وهم متلبسون بجرمهم. أم جاءوا فقط للموعظة وخرجوا بالغنائم؟! هل جاءوا لدعوتها للاستقامة وهم في قمة الاعوجاج والانحراف؟ للعلم فإن بهية راشدي فنانة هادئة تؤدي أدوارا ملتزمة تتلاءم وعادات وقيم المجتمع الجزائري ولا تثير جدلا عقيما ولا تريد الشهرة في تصريحات غير محسوبة العواقب.
سفاح غليزان
ويتواصل مسلسل هتك الستر و الابتزاز والعنف والقتل بعد ظهور ما أسمته وسائل التواصل الاجتماعي بـ«سفاح غليزان» الذي كان يستدرج ضحاياه من النساء وهو متخف بوداعة الحمل ووجهه البريء ودكانه الواسع الممتلئ بخيرات الله. واستباقه للخيرات والصلوات والتصدق على المساكين. لكن من خدعهن وفتك بهن من النساء. ربما لأنهن الرقيقات اللواتي استدرجهن بقناع التصدق على الفقراء، فبمجرد الانقضاض عليهن، كان الاكتشاف المتأخر جدا بعد سلبهن ممتلكاتهن وبعدما قام بوأدهن. وكأننا في فيلم رعب وليس حقيقة.
لقد قتل الشابات والمسنات فبماذا اغراهن، سؤال قد يسأله من لا يمكنه لوم غير النساء. ثم جاءت فاجعة الاعتداء على معلمات الطور الأول في منطقة «برج باجي المختار» الحدودية.
تهديدات سبقت الجريمة، ورغم ما قامت به هذه المعلمات من تبليغ السلطات لم يلتفت أحد إليهن، كما صرحت إحدى زميلاتهن لبعض القنوات التلفزيونية. إلى أن وقعت الفأس بالرأس وتعرضن لهجوم من طرف ملثمين هددوا وضربوا وجرحوا واغتصبوهن. هل هي ضريبة عيش المرأة دون رجل؟ أم ضريبة عيش المرأة وحيدة. وإن كن نساء كثيرات فليس لهن الحق في العيش بسلام، لأن تهمة «الفلتان» تطاردهن دائما. ومن حق الذكور أن يكونوا أوصياء عليهن، بل يعتبروهن غنائم في مجتمع كثر التسيب فيه!
استنكار كبير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي ومن زميلات المهنة من معلمات واستاذات وانتقادات لاذعة لمن لم يحركوا ساكنا كأضعف الإيمان وهو التضامن عبر منصات التواصل الاجتماعي وأمام ردود فعل المسؤولين انطلاقا من وزير التربية رفعن هاشتاغ «المعلم الجزائري يعاني» كما ذهبت أخريات إلى القول إنه لا مكانة للفن في مجتمع منظومته التربوية مهترئة.
كما كتبت إحدى الأستاذات على صفحتها على «فيسبوك»، على خلفية حادثة المعلمات: «أنا لا أطالب بمعاقبة مغتصبي أستاذات برج باجي مختار فحسب، بل بمحاكمة كل قنوات العار وجرائد البهتان التي بذرت الكراهية في قلوب الناس في المجتمع، وكل وزير ومسؤول كتم صوته عندما طالب بتغيير حقيقي ليقوم بعمله بشكل افضل. أطالب بمحاكمة كل من نشر أخبارا كاذبة عن أجورنا، عن أوضاع مدارسنا، عن امتيازاتنا الوهمية». إلى أن تقول: «أنا أطالب بمحاكمة المجتمع الذي تفنن في إهانة من ينير شموع المعرفة.»
الفن بين الولاء والحرية
تزامن الإعلان عن مرض الفنان صالح أوقروت، بالتمنيات له بالشفاء على مواقع التواصل الاجتماعي كفنان محبوب لدى الجزائريين وموهوب، لكن بمجرد الاعلان عن تكفل الدولة متمثلة في وزارة الثقافة بعلاجه في الخارج، بدأت ردود الأفعال تنقسم، بين مؤيد لهذا القرار ومعارض له باعتباره يميز بين الجزائريين وحقهم في العلاج في الخارج، خاصة مرضى السرطان، الذين يعانون أشد المعاناة وغيرهم من الحالات المستعصية، التي قد تتفاعل معها في أحيان نادرة الجهات المسؤولة.
لكن في الواقع فان حالات كثيرة لمثقفين وإعلاميين وفنانين وبعد مناشدة المسؤولين عبر منصات التواصل الاجتماعي يتم التكفل بحالاتهم، سواء في الجزائر أو الخارج، وأن الفنان أوقروت ليس حالة وحيدة، خاصة وأن حالته جد حرجة بعد اصابته بثلاثة أورام سرطانية في الرأس والبطن والصدر. وتم نقله للعلاج في الخارج، بناء على طلب الأطباء المتابعين لحالته، حسب تصريحات المقربين للفنان (ابن زوجته ابراهيم اربن) للعديد من المواقع.
رغم أن الفنان صويلح لا يختلف عليه إثنان لمواهبه الفذة، لكن يطلب البعض من فنان ملتزم بقضايا الشعب أن يبقى بالقرب منه ولا ينفصل عنه بمثل هذه الامتيازات.
نعم قد يكون بعد أو قرب الفنان من السلطة السياسية لب الصراع بين الفنانة زكية محمد والفنان بعزيز، حيث انتشرت القضية بينهما على منصات التواصل الاجتماعي ومن خلال مقاطع الفيديو الذي نشرته الفنانة زكية محمد ترد فيها على «تهكم» بعزيز عليها بأغنية.
ويتهم الفنان بعزيز – الذي كان يؤدي أغاني ملتزمة بقضايا الشباب والشارع الجزائري- الفنانة زكية محمد بالانتهازية كونها كانت تساند عهد بوتفليقة والآن تلازم الحراك.
بينما ردت عليه بفيديو نشرته على صفحتها على «فيسبوك»، وانتشر عبر قنوات المعارضة في الخارج والداخل واتهمته بأنه يخدم «لمصلحة جماعة ضد جماعة أخرى. وأنه يظهر في قنوات العار، التي ترفض الكلام على الحراك.
لكن الكثيرين من المعارضين ساندوا الفنانة زكية محمد وتهجموا على بعزيز الذي رأوا أنه ارتمى في حضن النظام والإرتزاق.
كما ذكرت، مثل غيرها، أن الأغنية التي هجاها بها غناها في ملهى ليلي.
الحراك غير الكثير من القناعات لدى الكثير من الفنانين، وقد تحدد بطاقة المشاركة في المسيرات والحرك مستوى الوطنية والثورجية والإيمان بالوطن والتغيير، لكن قد تعطى لمن لا يستحقها من الإنتهازيين الكثر الذين ركبوا الحراك حتى لا يخسروا أي معركة من المعارك. وحب الجزائر العميق لا يأخذ شكلا واحدا. تعددت أشكاله لجزائر واحدة.
٭ كاتبة من الجزائر
القدس العربي